هيا إلى الملجأ القريب

راديو مياه الراحة

يتصف الزمن الذي نعيش فيه بأنه زمن الاضطرابات والمخاوف. فرغم التقدم العلمي المدهش والتطوّر التقني السريع وتوافر وسائل الراحة والضمان إلا أن الباحثين يقولون: إن نسبة المصابين بالانهيارات والضغوطات النفسية والمخاوف هي في ازدياد. وكذلك فإن الذين يرتادون العيادات النفسية من الذين يعيشون في الدول الأكثر تقدماً هي أكبر منها بين الذين يعيشون في بلاد نامية!

لكن نعمة الإيمان بالرب ومواعيده الكريمة تجعل الأمر مختلفاً بالنسبة لأولئك الذين يتكلون عليه بكل قلوبهم واثقين أنه هو الملجأ الحصين.

تقول الكلمة الإلهية: ”الإله القديم ملجأ والأذرع الأبدية من تحت“ (تثنية 27:33أ). وفي صورة الملجأ في هذه الآية مفارقتان:

المفارقة الأولى: صفة القدم ”الإله القديم ملجأ“، وحسب معرفتنا البشرية فإن الملاجئ القديمة تصبح باطلة وعديمة الجدوى كلما تقدم الزمن، وبهذا المعنى يصف الملحدون المؤمنين بأنهم رجعيون! والملاجئ القديمة بُنيت على أساس تحمّل الأخطار التي كانت معروفة حين بنائها وكلما تقدّمت وسائل التفجير وزادت فاعلية القنابل وقوتها التدميرية احتاج الناس إلى ملاجئ أقوى تحمّلاً وأكثر ضماناً. لكن ملجأنا بالرب هو الملجأ الأقوى والأعظم الكائن منذ الأزل ليعطي أعظم وقاية وأقدر حماية للذين يلجأون إليه. هو ”صخر الدهور“ الذي لا يتزعزع.

والمفارقة الثانية في كون ذلك الملجأ يعمل من تحت، ”والأذرع الأبدية من تحت“.

ونحن نعلم أن الملاجئ تعمل تحت الأرض وتكون متينة جداً وتحت مسافة من سطح الأرض. وكلما ازداد فتك القنابل زيدت الملاجئ عمقاً في الأرض فينزل الناس إليها ويحتمون تحت سقوفها التي تنتصب فوقهم. ولكن الملجأ الإلهي مختلف. فالعبارة أعلاه تصف التواضع الإلهي الذي لا مثيل له حيث أن يده تتنازل لترفع أولاده المؤمنين فوق الأخطار والصعوبات والضيقات! وملجأنا هو فوق الأذرع الأبدية وليس تحت سطح الأرض…! والملاجئ ضرورية جداً في الحروب ومنها حروب إبليس. ولنتأمل في صفات هذا الملجأ العظيم الذي يقول عنه داود ”الله لنا ملجأ وقوة“. فمن أهم الصفات المطلوبة في الملجأ:

اولا: أن يكون قريباً

فحين تدقّ ساعة الخطر وتنطلق صفارات الإنذار يهرع الناس لكي يتحصنوا في أقرب ملجأ. وتخترع الدول أكثر فأكثر أجهزة الإنذار المبكر لتحذير المهددين بالخطر قبل حدوثه. وكلما كان الملجأ قريباً كان الوصول إليه قبل فوات الأوان ممكناً. وقد أعدّ الرب لنا كثيراً من الإنذارات المبكرة لكي نسرع إليه هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة. يقول الرب: ”أنا أحبّ الذين يحبونني والذين يبكرون إليّ يجدونني“ (أمثال 17:8). وأيضاً ”اطلبوا الرب ما دام يوجد. ادعوه وهو قريب..“

(إشعياء 6:55). ويؤكد لنا على فم المرنم: ”الرب قريب لكل الذين يدعونه الذين يدعونه بالحق“ (مزمور 18:145).

يخبرنا سفر العدد أنه من أصل المدن التي أُعطيت للاويين في زمن بني إسرائيل وعددها 48 مدينة توجد ستة مدن ملجأ لكي يهرب إليها القاتل عن غير عمد قبل أن يدركه وليّ الدم فيهلكه. لكن وليّ الدم الجبار القدير الذي أخطأنا إليه فأصبحنا تحت حكم الموت أعدّ لنا مدينة ملجأ لكي نختار الاحتماء بها قبل اشتعال غضبه في يوم الدينونة العظيم ألا وهي حماية دم المسيح الذي يطهرنا من كل خطية.

ثانيا: أن يكون الملجأ متسعاً

يجب أن يكون الملجأ متسعاً لكي يستوعب الناس الذين يقصدونه. هناك عبارة تُكتب على مداخل الملاجئ ”ملجأ سعته كذا شخصاً“، لكن الملجأ الذي نقصده مكتوب عليه ”ويوجد أيضاً مكان“. ويقول المرنم: ”في طريق وصاياك أجري لأنك ترحّب قلبي“

(مزمور 32:119). وقال الرب يسوع له كل المجد كما هو مدوّن في مطلع الأصحاح الرابع عشر من بشارة يوحنا: ”لا تضطرب قلوبكم. أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي. في بيت أبي منازل كثيرة“. ويقول الكتاب في سفر أيوب: ”وأيضاً يقودك من وجه الضيق إلى رحبٍ لا حصر فيه، ويملأ مؤونة مائدتك دهناً“ (أيوب 16:36). ويقول أيضاً: ”من الضيق دعوت الرب فأجابني من الرحب. الرب لي فلا أخاف. ماذا يصنع بي الإنسان؟ الرب لي بين معينيّ، وأنا سأرى بأعدائي. الاحتماء بالرب خير من التوكّل على إنسان“ (مزمور 5:118-8).

ثالثا: أن يكون مجهزاً بالحاجات الضرورية

من يدرس نظام الإلجاء يعرف أنه من أهم الأمور التي يراعيها المسؤولون عن الملاجئ هي تجهيزها بالطعام، والماء، ومصادر الطاقة البديلة، والوقاية الصحية، والوسائط الاحتياطية للإسعاف والإنقاذ وغيرها. وملجأنا في الرب يعلن دعوة للشبع والارتواء والراحة والأمان للذين يلجأون إليه وذلك في الأعداد الأولى من الأصحاح 55 من سفر إشعياء وغيره ناهيك عن دعوات الرب يسوع لكي نلجأ إليه فنجد:

الحماية في ذلك الراعي الصالح الذي يبذل نفسه عن الخراف.

والراحة في قوله: ”تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الإحمال وأنا أريحكم“.

والشبع في قوله: ”أنا هو خبز الحياة. من يقبل إليّ فلا يجوع“.

والارتواء في قوله: ”أما الماء الذي أعطيه أنا فيصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية“.

والمدد الدائم في قوله: ” أنا الكرمة الحقيقية وأنتم الأغصان“.

والسلام في قوله: ”سلاماً أترك لكم. سلامي أعطيكم. ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا“.

والرعاية الدائمة في قوله: ”خرافي تسمع صوتي فتتبعني وأنا أعطيها حياة أبدية“. فمن يجد هذا الملجأ الغني لا يخيب أبداً.

رابعا: أن يكون الملجأ آمناً أي بعيداً عن مكامن الخطر

وكم من الملاجئ التي قصدها بعض الناس مرة فتحوّلت لهم مدافن كملجأ العامرية في بغداد وملجأ الأمم المتحدة في قانا في جنوب لبنان… يقول المرنم: ”صرت آية لكثيرين أما أنت فملجأي القوي“(مزمور 7:71).

كان أحدهم يحاول أن يحتمي من عاصفة قوية تهب فلفت نظره عصفور صغير ملتجئ في نقرة صخر وهو يغرّد بكل اطمئنان رغم الرياح العاصفة والأمطار الغزيرة! قال داود الملك: ”من أقصى الأرض أدعوك إذا غُشي على قلبي. إلى صخرة أرفع مني تهديني. لأنك كنت ملجأ لي، برج قوة من وجه العدو“ (مزمور 2:61-3). وكم يلجأ البعض إلى ديانات وعقائد باطلة لا تخلصهم ولا تؤدي بهم إلى الحياة الأبدية. فالكثيرون باتّباع طريق التديّن والتشيّع لآلهة غادرة أو وهمية يكبلون نفوسهم بقيود أعنف من قيود الإلحاد!

خامسا: أن يكون الوصول إليه سهلاً بدون حواجز ولا عراقيل

رب كثيرين في العالم يعثرون بطريق المسيح لأنه قدّم وسيلة سهلة للخلاص على مبدأ المثل العامي ”المزار القريب لا يشفي“. ولكن الله بمحبته ولطفه إذ عرف مقدار ضعف البشر قدّم لهم الخلاص سهلاً لا تعقيد فيه. يقول الرب يسوع: ”من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية، ولا يأتي إلى دينونة، بل قد انتقل من الموت إلى الحياة“ (يوحنا 24:5).

وأجاب بولس وسيلا عن سؤال سجان فيلبي: ”يا سيديَّ ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص“ بالقول: ”آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك“. والرسول بولس يلخّص العملية ببساطة بقوله: ”لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات، خلصت. لأن القلب يؤمَن به للبر، والفم يُعترف به للخلاص. لأن الكتاب يقول: كل من يؤمن به لا يُخزى“ (رومية 9:10-11).

عزيزي القارئ،

لو سمعت عن فرصة لعمل مريح براتب مغرٍ، أو عن وجود كنز ثمين في حديقة منزلك، أو عن سكن مجهز بكل مظاهر الرفاهية ووسائل الراحة لتقضي فيه عطلتك مجاناً، أكنت تتخلف أو تؤجل الحصول على أي منها؟ فكيف ونحن نسمع عن ملجأ الضمان الإلهي المليء بكل الخيرات والبركات والذي يحميك في حياتك الأرضية ويهبك الحياة الأبدية؟ أناشدك باسمه المبارك أن تُقبل إليه ولا تؤجّل.

https://www.vopg.org/

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *