الأحداث المتلاحقة على ساحات الشعوب في أيامنا هذه تظهر وكأن العالم بدأ يدخل منعطفًا جديدًا يسير به نحو النهاية. الأزمات تتسارع، والمعاناة تشتدّ، والمفاجآت تتلاحق من أخطار حروب، وأخطار إرهاب، وأخطار زلازل، وأخطار أوبئة جديدة لم نسمع بها من قبل كالأيدز والسارز وقبلهما ما سمي بجنون الأبقار، وغير ذلك من مآسي المجاعات والفتن الداخلية التي تجتاح الكثير من الشعوب الفقيرة…
قد يتساءل البعض: هل قربت نهاية العالم؟ وهل نحن فعلاً في أواخر الأيام التي تحدث عنها المسيح وأشار إلى علاماتٍ لها تسبق النهاية؟
وقف التلاميذ يومًا باندهاشٍ أمام أبنية هيكل سليمان وعبّروا عن إعجابهم بعظمة تلك الأبنية. فنظر إليهم يسوع وقال: ”أَمَا تَنْظُرُونَ جَمِيعَ هذِهِ؟ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لاَ يُتْرَكُ ههُنَا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لاَ يُنْقَضُ“. فتعجبوا من كلامه. فهم ما زالوا يهودًا، ولم يتضح في أذهانهم بعد الخط الفاصل بين اليهودي التابع للمسيح، واليهودي الذي بقي على يهوديته، فهذا الأخير له أن يفخر بأبنية الهيكل وأمجاد الماضي الغابر لو شاء.
فالتلاميذ هنا كأفرادٍ من خلفية يهودية كان في تصورهم أن أبنية الهيكل لمن أعظم وأقدس مباني الدنيا، وأن انهدامها يعني نهاية العالم ومجيء الساعة.
وبينما هم في هذه الحيرة تقدموا من المسيح وسألوه: ”قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هذَا؟ وَمَا هِيَ عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ وَانْقِضَاءِ الدَّهْرِ؟“.
ولأن الإنسان عادة يرغب أن يستشِفَّ ما يأتي به المستقبل، انصبّ اهتمام التلاميذ لمعرفة علامات نهاية الأزمنة، فقالوا: مَتَى يَكُونُ هذَا؟ وَمَا هِيَ عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ (الثاني) وَانْقِضَاءِ الدَّهْرِ؟ واليوم على ضوء المتغيرات الجارية في العالم من حروب، وعنفٍ، وإرهابٍ، وزلازل، وفيضانات، وأوجاعٍ، ومجاعات، وفتنٍ، وأمراضٍ، وأوبئة، يسأل البعض:
ما هي علامات نهاية العالم؟ هل اقتربنا منها؟ وهل نحن نعيش اليوم زمن النهاية؟
وهل ما يجري من أحداثٍ دليل على أننا نعيش اللحظات الأخيرة من الزمن؟
وهل اكتملت النبوات التي صرح بها المسيح في إنجيله عن آخر الأيام؟
هذه تساؤلات كررها التلاميذ أمام المسيح في أكثر من موقف. وفي مجمل رده عليهم وجّه انتباههم إلى علامات ستسبق مجيئه الثاني، وأوصاهم أن يلاحظوها، ويتابعوا استعدادهم لتلك الساعة. أما عن اليوم والساعة بالتحديد فتلك تبقى في سر الله ولا تُعلَن للبشر.
والمسيح القدوس في حديثه هناك مع تلاميذه كان يخاطب أجيال الكنيسة القادمة من خلالهم.
قال: ”لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ الَّتِي جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِهِ“؛ ”اِسْهَرُوا إِذًا لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي رَبُّكُمْ“؛ فَكُونُوا أَنْتُمْ إِذًا مُسْتَعِدِّينَ، لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لاَ تَظُنُّونَ يَأْتِي ابْنُ الإِنْسَانِ.
ونحن اليوم نقول للمهتمين بهذا البحث أن يعودوا إلى فصول الإنجيل التي تتحدث عن هذا مثل إنجيل متى الأصحاحين 24 و25. ففي أصحاح 24 يتحدث المسيح عن علامات وأحداث تسبق مجيئه الثاني القادم إلى هذه الأرض. وفي أصحاح 25 يتحدث موضحًا بأسلوبٍ رمزي الفارق بين المستعدين المتهيّئين لمجيئه الثاني وغير المستعدين وذلك في صورة عشر عذارى خمس منهن حكيمات وخمس جاهلات.
ثم إنجيل لوقا في الأصحاح الحادي والعشرين سجل حديثًا للمسيح قال فيه: ”فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِحُرُوبٍ وَقَلاَقِل فَلاَ تَجْزَعُوا، لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ هذَا أَوَّلاً، وَلكِنْ لاَ يَكُونُ الْمُنْتَهَى سَرِيعًا“.
قد يقول قائل: التاريخ كله مليء بالحروب!
وأجيبه: أيامنا هذه أيام حروب مدمرة، لا مقارنة بين حروب اليوم وحروب الماضي المحدودة بأدواتها التقليدية من خناجر وسيوف ورماح! ثم ماذا عن القلاقل؟ القلاقل أصبحت من ميزة هذا العصر. فأي جهة في العالم اليوم تخلو من القلاقل؟ وما المقصود بالقلاقل؟ أقول: للقلاقل أشكال وألوان، ولها مسببات تعبر عنها كالفتن الداخلية، وقلاقل التمرد والحروب الأهلية، وقلاقل الانفلات الأمني، والانقلابات، والصراعات الدينية أو العرقية، ومظاهرات العنف وتخريب القطاع العام أو الخاص… وصور من هذه القلاقل هي الإعدامات الجماعية التي تؤكدها المقابر الجماعية المكتشفة التي تدل على صور وحشية ومرعبة من البطش المولد للقلاقل. وهناك الهجرات المكثفة، وهجرة العقول، وصولاً إلى بلدانٍ تنعم بالأمن وتوفر العيش الكريم لسكانها… فهذه عمليات هروب من قلاقل أمنية أو معيشية ينشد المهاجر بواسطتها الراحة والأمان له ولعائلته.
هذه الصور التي أشرنا إليها نرى فيها مظاهر متعددة من القلاقل، فبعضها تعاني منها الشعوب، وبعضها الآخر يعاني منها الحكام المستبدون، إذ في غياب الديمقراطية تعشش القلاقل في النفوس وتتفجر بصور متنوعة من خلال أعمال العنف والإرهاب والتخريب والتمرد.
عزيزي القارئ، يضيف المسيح القدوس في معرض حديثه عن آخر الأيام قائلاً: “وَتَكُونُ زَلاَزِلُ عَظِيمَةٌ فِي أَمَاكِنَ، وَمَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٌ. وَتَكُونُ مَخَاوِفُ وَعَلاَمَاتٌ عَظِيمَةٌ مِنَ السَّمَاءِ… وَتَكُونُ عَلاَمَاتٌ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ، وَعَلَى الأَرْضِ كَرْبُ أُمَمٍ بحَيْرَةٍ. اَلْبَحْرُ وَالأَمْوَاجُ تَضِجُّ، وَالنَّاسُ يُغْشَى عَلَيْهِمْ مِنْ خَوْفٍ وَانْتِظَارِ مَا يَأْتِي عَلَى الْمَسْكُونَةِ، لأَنَّ قُوَّاتِ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا فِي سَحَابَةٍ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ”.
ثم يقول ناصحًا أتباعه:
”وَمَتَى ابْتَدَأَتْ هذِهِ تَكُونُ، فَانْتَصِبُوا وَارْفَعُوا رُؤُوسَكُمْ لأَنَّ نَجَاتَكُمْ تَقْتَرِبُ. وَقَالَ لَهُمْ مَثَلاً: اُنْظُرُوا إِلَى شَجَرَةِ التِّينِ وَكُلِّ الأَشْجَارِ. مَتَى أَفْرَخَتْ تَنْظُرُونَ وَتَعْلَمُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَنَّ الصَّيْفَ قَدْ قَرُبَ. هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا، مَتَى رَأَيْتُمْ هذِهِ الأَشْيَاءَ صَائِرَةً، فَاعْلَمُوا أَنَّ مَلَكُوتَ اللهِ قَرِيبٌ“.
ثم قال:
”اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ، وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ. فَاحْتَرِزُوا لأَنْفُسِكُمْ لِئَلاَّ تَثْقُلَ قُلُوبُكُمْ فِي خُمَارٍ وَسُكْرٍ وَهُمُومِ الْحَيَاةِ، فَيُصَادِفَكُمْ ذلِكَ الْيَوْمُ بَغْتَةً. لأَنَّهُ كَالْفَخِّ يَأْتِي عَلَى جَمِيعِ الْجَالِسِينَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ. اِسْهَرُوا إِذًا وَتَضَرَّعُوا فِي كُلِّ حِينٍ، لِكَيْ تُحْسَبُوا أَهْلاً لِلنَّجَاةِ مِنْ جَمِيعِ هذَا الْمُزْمِعِ أَنْ يَكُونَ، وَتَقِفُوا قُدَّامَ ابْنِ الإِنْسَانِ“ أي قدام المسيح الديان في ذلك اليوم الرهيب، يوم الدين!
عزيزي القارئ، المسيح آتٍ لا محالة! هو وعد أنه سيأتي ثانية، وهو أمين في وعده. ونخال أن مجيئه أصبح على الأبواب، والعالم لم يعد قادرًا أن يحتمل البقاء طويلاً. ومن يدري؟ لعل هذا الجيل الذي نعيش فيه اليوم سيشهد ذلك اليوم الموعود.
هل أنت مستعد لمجيء المسيح؟! وإن كنت كذلك واصل قراءتك للإنجيل وابقَ على استعداد.