“ولم يكن كأخآب الذي باع نفسه لعمل الشر في عينَي الرب، الذي أغوته إيزابل امرأته” (1ملوك 25:21).
أنا للبيع في سوق المزاد.. وأنت للبيع في ذات السوق.. والثمن المقدَّم لشرائك هو المال.. أو السيادة… أو الشهوة.. أو الاستيلاء على ممتلكات الآخرين.. أو الشهرة.. وهذه كلها منفردة أو مجتمعة تعني عبادة الأصنام بدلاً من عبادة الإله الحقيقي. ويُعتبر الملك أخآب ملك إسرائيل مثالاً للذي يبيع نفسه في سوق المزاد لعمل الشر في عينَي الرب. وهذه هي خطوات تدهوره:
سلوكه في خطايا يربعام بن نباط
وكانت خطايا يربعام أنه استبدل الإله الحقيقي بعجلَي ذهب ليمنع إسرائيل من الذهاب إلى أورشليم ويضمن ولاءهم له، لأنه خاف أنهم إذا ذهبوا إلى أورشليم لتقديم ذبائح للرب يرجع قلب الشعب إلى ملك يهوذا، ولذا ”عمل عجلَي ذهب، وقال لهم: كثير عليكم أن تصعدوا إلى أورشليم. هوذا آلهتكَ يا إسرائيل الذين أصعدوك من أرض مصر… وكان هذا الأمر خطية” (1ملوك 28:12و29). خاف يربعام على عرشه أكثر من طلبه مجد الله.
أنه تزوج إيزابيل ابنة أثبعل ملك الصيدونين وعبد البعل
وكأنه كان أمراً زهيداً سلوكه في خطايا يربعام بن نباط حتى اتخذ إيزابل ابنة أثبعل ملك الصيدونيين امرأة وسار ”وعبد البعل وسجد له” (1ملوك 31:16). تزوج أخآب بنت ملك وثني.. وكانت شريرة وأغوته لعمل الشر. والزواج بامرأة شريرة، يُفسد حياة الزوج.. سيما إذا كانت جميلة أو ذات لسان ناعم.. فإذا كنت مؤمناً حقيقياً فاحذر الزواج بفتاة شريرة… أو الارتباط بعائلة تعبد الأوثان.
سماحه لإيزابل امرأته بتهديد إيليا النبي الأمين
جمع إيليا شعب إسرائيل وقال لهم: “حتى متى تعرُجون بين الفرقتين؟ إن كان الرب هو الله فاتَّبعوه، وإن كان البعل فاتَّبعوه” (1ملوك 21:18). ووضع إيليا الشعب في مشهد واضح، إذ جمع أنبياء البعل وتحدّاهم أمام الشعب أن يطلبوا من آلهتهم أن تجيب بنار من السماء، والإله الذي يجيب بنار فهو الله. وقطّع أنبياء البعل أجسادهم بالسيوف طالبين من آلهتهم النار، ولم يكن صوت، ولا مجيب ولا مصغ. وصلى إيليا “فسقطت نار الرب وأكلت المحرقة والحطب والحجارة .. فلما رأى جميع الشعب ذلك سقطوا على وجوههم وقالوا: الرب هو الله! الرب هو الله!” (1ملوك 38:18-39). وطلب إيليا من الشعب أن يُمسكوا أنبياء البعل، “فأمسكوهم، فنزل بهم إيليا إلى نهر قيشون وذبحهم هناك” (1ملوك 40:18).
من لنا بنبي أمين يذبح أنبياء البعل المنتشرين في هذا العصر؟! وأخبر أخآب إيزابل بكل ما عمل إيليا.. فأرسلت إيزابل رسولاً إلى إيليا تقول: “هكذا تفعل الآلهة وهكذا تزيد إن لم أجعل نفسك كنفس واحد منهم في نحو هذا الوقت غداً” (1ملوك 2:19). وسكت أخآب على تهديد إيزابل لإيليا نبي الله الأمين.. وكان سكوته خطية..
طمعه في حقل نابوت اليزرعيلي وامتلاكه الحقل بعد أن قتلت إيزابل نابوت ظلماً وعدواناً
“وحدث… أنه كان لنابوت اليزرعيلي كرم في يزرعيل بجانب قصر أخآب… فكلّم أخآب نابوت قائلاً: أعطني كرمك فيكون لي بستان بقول لأنه قريب بجانب بيتي، فأعطيك عوضه كرماً أحسن منه. أو إذا حسن في عينيك أعطيتك ثمنه فضة. فقال نابوت لأخآب: حاشا لي من قِبَل الرب أن أعطيك ميراث آبائي” (1ملوك 1:21-3).
كان نابوت اليزرعيلي أميناً لوصية الرب القائلة: “فلا يتحوَّل نصيبٌ لبني إسرائيل من سبط إلى سبط، بل يلازم بنو إسرائيل كل واحد نصيب سبط آبائه” (عدد 7:36). ودفعه تمسكه بكلمة الرب إلى أن يرفض طلب الملك.. ”ينبغي أن يُطاع الله أكثر من الناس“.
واكتأب أخآب واغتمّ بسبب رفض نابوت لطلبه، ودخلت زوجته الشريرة إيزابل وقالت له: لماذا روحك مكتئبة؟ أنا أعطيك كرم نابوت اليزرعيلي، ودبَّرت أن يشهد اثنان ضدّ “نابوت” كذباً قائلين: “قد جدّفت على الله وعلى الملك… فأخرجوه خارج المدينة ورجموه بحجارة فمات.. ولما سمع أخآب أن نابوت قد مات قام أخآب لينزل إلى كرم نابوت اليزرعيلي ليرثه” (1ملوك 10:21 و13 و16). طمع أخآب أن يمتلك كرم نابوت اليزرعيلي، والطمع هو عبادة للأوثان كما قال بولس الرسول: “الطمع الذي هو عبادة الأوثان” (كولوسي 5:3). وهناك من يطمع في زوجة صديقه، أو أخيه، وقد حذَّر بولس الرسول من هذا الطمع قائلاً: ”أن لا يتطاول أحد ويطمع على أخيه في هذا الأمر” (1تسالونيكي 6:4). لكن أخآب طمع في كرم نابوت، وقامت زوجته الشريرة إيزابل بتدبير خطة لقتل نابوت، وقَبـِل آخاب الخطة المجرمة وامتلك حقل نابوت. في ذلك الوقت جاء إليه إيليا النبي وقال: “هكذا قال الرب: هل قتلت وورثت أيضاً؟ في المكان الذي لحست فيه الكلاب دم نابوت تلحس الكلاب دمك أنت أيضاً” (1ملوك 19:21).
“إن رأيت ظلم الفقير ونزع الحق والعدل في البلاد فلا ترتَعْ من الأمر، لأن فوق العالي عالياً يلاحظ، والأعلى فوقهما” (جامعة 8:5). لا بدّ أن يأتي يوم العقاب!!!
رفضه لكلمة الله الصادقة وإيمانه بكلام الأنبياء الكذبة
كان سبب خراب وتدهور الملك أخآب هو رفضه لكلمة الله الصادقة وإيمانه بكلام الأنبياء الكذبة. وسر الخراب في حياة الفرد، وفي تاريخ الكنيسة المسيحية هو رفض سلطة الكتاب، وتصديق الخرافات، والتقاليد التي وضعها الناس. ويظهر رفض أخآب لكلمة الله الصادقة في القصة التالية:
نزل يهوشافاط ملك يهوذا لزيارة أخآب ملك إسرائيل، وكان يهوشافاط صهراً لأخآب. وقال أخآب لعبيده أتعلمون أن راموت جلعاد لنا ونحن ساكتون عن أخذها من يد ملك آرام. وقال ليهوشافاط أتذهب معي للحرب إلى راموت جلعاد. ووافق يهوشافاط على الذهاب معه للحرب، لكنه أراد أن يعرف مشيئة الله، فقال لأخآب: “اسألْ اليوم عن كلام الرب”.
“فجمع ملك إسرائيل الأنبياء، نحو أربع مئة رجل وقال لهم: أأذهب إلى راموت جلعاد للقتال أم أمتنع؟ فقالوا اصعد فيدفعها السيد ليد الملك” (1ملوك 6:22). لم يرتحْ يهوشافط الملك الذي عمل المستقيم في عينَي الرب لما قالته الأنبياء الكذبة لأخآب، “فقال يهوشافاط: أما يوجد هنا بعد نبي للرب فنسأل منه؟ فقال أخآب ليهوشافاط: “إنه يوجد بعد رجل واحد لسؤال الرب به ولكني أبغضه لأنه لا يتنبأ عليّ خيراً بل شراً وهو ميخا بن يملة” (1ملوك 7:22و8).
نبي واحد بقي ليشهد للرب، بينما كان هناك أربعمئة نبي من الأنبياء الكذبة.. ولعلنا وصلنا في هذه الأيام الأخيرة إلى هذا الحدّ!! كان أخآب يبغض ميخا النبي لأنه يقول له كلمة الله الحقيقية.. وهناك كثيرون يبغضون من ينادي لهم بالحق الكتابي العديم الغشّ. وجاء ميخا النبي وقال للملك آخاب: إن الرب سمح للشيطان أن يضع روح غواية في فم أنبيائه الكذبة.. وأنه إن ذهب لمحاربة ملك آرام فسيهزمه ملك آرام.. ولم يصدِّق أخآب كلام الرب، بل صدَّق كلام أنبيائه الكذبة.. وخرج للحرب متنكِّراً.. وكانت النهاية الرهيبة.
وإن رجلاً نزع في قوسه غير متعمِّد وضرب ملك إسرائيل بين أوصال الدرع، وجُرح أخآب جرحاً عميقاً. “واشتدّ القتال في ذلك اليوم، وأُوقف الملك في مركبته مقابل أرام ومات عند المساء، وجرى دم الجرح إلى حضن المركبة… وغُسلت المركبة في بركة السامرة فلحست الكلاب دمه” (1ملوك 35:22-38)، وتم كلام الرب الذي تكلم به إيليا النبي. هكذا انتهت حياة ملك “باع نفسه لعمل الشر في عينَي الرب”.
الرجل الذي باع نفسه للمسيح
لكننا نقرأ عن رجل آخر باع نفسه للرب يسوع المسيح الذي خلصه من خطاياه وهو بولس الرسول الذي قال لقسوس كنيسة أفسس: “غير أن الروح القدس يشهد في كل مدينة قائلاً: إن وثقاً وشدائد تنتظرني. ولكنني لست أحتسب لشيء، ولا نفسي ثمينة عندي، حتى أتمِّم بفرح سعيي والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع، لأشهد ببشارة نعمة الله” (أعمال 23:20-24). وانتهت حياة بولس بالكلمات: ”وأخيراً قد وُضع لي إكليل البرّ“ (2تيموثاوس 8:4).
الملك أخآب الذي باع نفسه لعمل الشر، لحست الكلاب دمه.. وبولس الرسول الذي باع نفسه للمسيح سيصير ملكاً متوَّجاً. فلمن بعت نفسك، لعمل الشر أم للمسيح الذي مات من أجلك؟ أناشدك أن تبيع نفسك للمسيح لتنال الغفران والحياة الأبدية وتردِّد كلمات المرنم:
فأنا لست لذاتي ليس لي شيء هنا
كل ما عندي لفادي الخلق وهَّاب المنى
إذ فداني إذ فداني ذاك بالدم الكريم