قد فات الميعاد

في حياة كل إنسان منا أوقات ضائعة سوف يندم عليها إن آجلاً أو عاجلاً. وخير دليل على صدق هذه المقولة هو ما ذكره الوحي المقدس عن عيسو: “لئلا يكون أحد زانياً أو مستبيحاً كعيسو، الذي لأجل أكلة واحدة باع بكوريته. فإنكم تعلمون أنه أيضاً بعد ذلك، لما أراد أن يرث البركة رُفض، إذ لم يجد للتوبة مكاناً، مع أنه طلبها بدموع” (عبرانيين 16:12-17). فكن حذراً – عزيزي القارئ – لئلا يأتي اليوم الذي فيه تقول نادماً: قد فات الميعاد… افتدِ الوقت وانتهز الفرص في الوصول لأقدس الأهداف وأهمها… وسأتحدث عن الأوقات الضائعة في حياة المؤمنين والأوقات الضائعة في حياة الخطاة البعيدين.

 

أولاً: الأوقات الضائعة في حياة المؤمنين

 

الأوقات التي أهملنا فيها الصلاة

يعلمنا الرب يسوع تبارك اسمه: “ينبغي أن يصلّى كل حين ولا يُملّ”

(لوقا 1:18). ويكرر الوحي المقدس هذا الأمر بأسلوب آخر بفم الرسول بولس: “صلوا بلا انقطاع” (1تسالونيكي 17:5)؛ “مصلين بكل صلاة وطلبة كل وقت في الروح، وساهرين لهذا بعينه بكل مواظبة” (أفسس 18:6). قرأت عن مؤمنين يقضون 4 ساعات يومياً في الصلاة، وآخرين 6 ساعات والبعض 8 ساعات… الصلاة ليست كلمات تردَّد ولكنها صلة تربطنا بالرب. “أما أنا فصلاة” (مزمور 4:109). إن أحد خدام الرب الذي تربطني به صلة قوية، كان في أغلب الأحيان لا يردّ على سؤال ولا يتجاوب مع من يتحدث إليه، وبعد فترة يعتذر لأنه كان يصلي. خير مثال لنا في الصلاة هو شخص الرب يسوع له كل المجد “كان يقضي الليل كله في الصلاة” (لوقا 12:6).

 

الأوقات التي أهملنا فيها قراءة كلمة الله

يتحدث لنا الوحي المقدس في المزمور الأول بنوعين من الحديث: الأول سلبي: “طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار، وفي طريق الخطاة لم يقف، وفي مجلس المستهزئين لم يجلس”. والثاني إيجابي: “لكن في ناموس الرب مسرته، وفي ناموسه يلهج نهاراً وليلا” (مزمور 1:1-2). فهل في ناموس الرب مسرتنا؟ مع كل أسف يقرأون الكتاب المقدس في عجلة وبدون تأمل وروية كأنما هو واجب وفرض لا بد من إنجازه… إن كلمة الله يا أحبائي بركة وكنز لا تقدّر قيمته، “أشهى من الذهب والإبريز الكثير، وأحلى من العسل وقطر الشهاد” (مزمور 10:19).

ما أكثر الذين يقرأون الكتاب لمجرد تجهيز رسالة أو درس في مدارس الأحد.. سمعت أن خادماً زار أسرة وطلب منهم أن يأتي كل منهم بكتابه المقدس… فأحضروا كتاباً واحداً علاه الغبار وما أن فتحه أحدهم حتى صرخ قائلاً يا إلهي! الشيك الذي نبحث عنه من سنة مضت موجود في الكتاب! أخي القارئ، افتح كتابك كل يوم فستجد فيه شيكاً من الرب تصرفه من بنك الإيمان.

 

الأوقات التي أهملنا فيها الذهاب إلى بيت الله

في الكتاب المقدس بعهديه آيات تتحدّث عن بيت الرب: “يا رب، أحبت محل بيتك وموضع مسكن مجدك” (مزمور 8:26)؛ “واحدة سألت من الرب وإياها ألتمس: أن أسكن في بيت الرب كل أيام حياتي، لكي أنظر إلى جمال الرب وأتفرّس في هيكله”

(مزمور 4:27)؛ “اخترت الوقوف على العتبة في بيت إلهي على السكن في خيام الأشرار” (مزمور 10:84). ويقصد بالآية الأخيرة معنيين: الأول، عندما يكون بيت الرب مزدحماً بالعابدين، ولا مكان لي في الداخل، أقف على العتبة. والثاني، عندما يكون بيت الرب مغلقاً أقف على العتبة، فذلك خير لي من الوجود في أي مكان آخر.

“ودخل إلى المجمع حسب عادته يوم السبت” (لوقا 16:4)؛ “غير تاركين اجتماعنا كما لقوم عادة” (عبرانيين 25:10). لاحظ كلمة ”عادة“ في الكلمتين الأخيرتين، فستجد أن عادة البعض الذهاب إلى بيت الرب، وعادة البعض الآخر ترك الاجتماعات. تُرى، ما هي عادتك؟ “وكانوا يواظبون على تعليم الرسل، والشركة، وكسر الخبز، والصلوات” (أعمال 42:2).

 

الأوقات التي أهملنا فيها الكرازة للآخرين

البعض ينتظرون الخطاة حتى يأتون إليهم. لا. يجب علينا أن نذهب نحن إليهم. الرب يسوع له كل المجد لم ينتظر السامرية حتى تأتي إليه، بل ذهب إليها سائراً على قدميه مسافة قُدِّر زمنها بست ساعات! يجب أن نذهب لنفتش عن الضالين حتى نجدهم كما فعل الراعي والمرأة في الأصحاح الخامس عشر من إنجيل لوقا.

في إحدى المعجزات التي فعلها الرب يسوع وحرر فيها إنساناً مستعبداً من لجئون من الشياطين، يذكر الوحي شيئاً غريباً: “طلب إليه الذي كان  مجنوناً أن يكون معه، فلم يدعه يسوع”. لماذا؟ أليست هذه فرصة لمباركة طلبة الرجل وامتداحها؟ لكن من متابعة بقية حديث الرب يسوع معه يمكن أن نرى الهدف من رفض يسوع لطلبة هذا الرجل؛ “اذهب إلى بيتك وإلى أهلك، وأخبرهم كم صنع الرب بك ورحمك”. ويعجبني أن الرجل توسّع من دائرة من تحدّث إليهم بأن ذهب إلى عشرة مدن مخبراً إياهم بكم صنع الرب به ورحمه (مرقس 18:5-20).

وتقدم لنا السامرية درساً في منتهى الأهمية؛ بعد أن انتهى الرب يسوع له كل المجد من حديثه معها، “تركت المرأة جرتها ومضت إلى المدينة وقالت للناس … إنساناً قال لي كل ما فعلت. ألعلّ هذا هو المسيح؟… فآمن به من تلك المدينة كثيرون من السامريين بسبب كلام المرأة“ (يوحنا 28:4 و39).

 

ثانياً: الأوقات الضائعة في حياة الخطاة البعيدين

 

الوقت الذي يُقضى في الاهتمام بالجسد الفاني

لست أدري كم من الوقت قضاه الرجل الغني الذي أخصبت كورته من التفكير مهتماً بجسده. وكم من الوقت كان سيقضيه ليحوّل فكره إلى عمل؛ “أهدم مخازني وأبني أعظم، وأجمع هناك جميع غلاتي وخيراتي، وأقول لنفسي: يا نفس، لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة. استريحي وكلي واشربي وافرحي” (لوقا 18:12-19). اعلموا يا أعزائي أن “اهتمام الجسد هو موت… اهتمام الجسد هو عداوة لله” (رومية 6:8-7). ماذا تقول عن إنسان يهتم بجسده الفاني الزائل الذي أُخذ من التراب وإلى التراب سيعود، ولا يهتم بروحه الخالدة التي سوف يعطي عنها حساباً؟ “استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضيء لك المسيح” (أفسس 14:5).

 

الأوقات التي تعاملوا فيها بسلبية مع كلمة الرب

 أ- عدم الاستماع إليها والتهرب منها

الإنسان يرفض الذهاب إلى الكنيسة ليتهرب من الاستماع إلى كلمة الرب.. وعندما يزوره خادم الرب ويتكلم في الأمور العامة يجلس مستمعاً ومستمتعاً يشارك في الحديث في يقظة وانتباه جيدين، ولكن ما أن يفتح خادم الرب كتابه المقدس حتى يقوم الرجل بتصرفات غريبة كأن يطلب من زوجته أن تحضر له كوباً من الماء، أو يجلس شارداً بشكل ملحوظ، أو يقدم سؤالاً تافهاً ليضيّع به الوقت…أو يتثاءب وقد داعب النوم جفنيه كأن له أياماً لم يذق فيه طعم النوم، وتصرفات أخرى كثيرة إن دلت على شيء فهي تدل على رغبة في عدم الاستماع إلى كلمة الرب.

ب- الازدراء بكلمة الرب

دخل الرسول بولس مدينة أثينا ووقف في آريوس باغوس يتحدث بكلمة الرب، وبالرغم من أن بولس في حكمته العظيمة استخدم كلمات بعض الشعراء المحبوبين لدى الأثينويين إلا أن البعض استهزأوا وازدروا بكلامه (أعمال 32:17). ولأمثال هؤلاء يقول سليمان الحكيم: “الحكمة تنادي… إلى متى أيها الجهال تحبون الجهل، والمستهزئون يسرون بالاستهزاء، والحمقى يبغضون العلم؟ ارجعوا عند توبيخي. هئنذا أفيض لكم روحي. أعلمكم كلماتي“ (أمثال 20:1-24).

جـ – التأجيل

البعض يقولون إن موقف المؤجلين أفضل من الذين لا يريدون الاستماع إلى كلمة الرب التي يحتقرونها. لكني أقول إن موقفهم أسوأ. فالتأجيل خطر جداً على الإنسان. والتأجيل خطة من أنجح الخطط الشيطانية؛ فليس فيها تشكيك في صدق كلمة الله، وليس فيها إنكار لقوة دم المسيح، ولا لإشعار الإنسان بأنه ليس في حاجة للخلاص لأنها تؤيد هذا كله، ولكن تقنعه بأن الوقت للتوبة لم يحن بعد… ويمكنه في المستقبل القريب أن يقوم بالاعتراف والتوبة. تحدث الرسول بولس مع فيلكس الوالي عن البر والتعفف والدينونة، فتأثر فيلكس تأثيراً شديداً، ولكن لم يهتم باغتنام الفرصة وقال لبولس: اذهب الآن ومتى حصلت على وقت أستدعيك” (أعمال 15:24).

في ختام كلمتي أقول لأخي المؤمن: أقضِ وقتاً أكثر في الصلاة، وقراءة الكلمة وواظب على الحضور  في بيت الرب. تحدث لكل من يمكنك الوصول إليهم عن المسيح. وأقول لصديقي الخاطئ: ”اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم“ (عبرانيين 7:3-8). ”من يسمع أقوالي هذه ويعمل بها أشبّهه برجل عاقل بنى بيته على الصخر“ (متى 7:24).

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *