بعد أن قدّم الرب يسوع نفسه بأنه هو القيامة والحياة وأن كل من يؤمن به ولو مات فسيحيا وينال الحياة الأبدية، سأل مرثا سؤالاً مهماً جداً، وذلك لأن الجواب عن هذا السؤال يتحتم عليه مصير كل انسان. والسؤال الذي وجّهه المسيح لمرثا هو “أتؤمنين بهذا؟” فقالت له: نعم يا سيد. أنا قد آمنت أنك أنت المسيح ابن الله الآتي الى العالم” (يوحنا 25:11-27).
كثيراً ما نقرأ كلمة الله، ونسمع عظات وتعاليم كتابية، ولكن هل نحن نؤمن بما نقرأه وبما نسمعه من كلمة الله؟ فمثلاً، عندما نسمع عظة عن العشور، فهل فعلاً نؤمن بها؟ وان كنا كذلك فلماذا لا نطيع الكلمة؟
لقد قال الرب يسوع عن نفسه بأنه هو القيامة والحياة وأن كل من يؤمن به ينال الحياة الأبدية، ولكن هل نؤمن حقا بهذا؟
وأريد أن أقدم لك أولاً – عزيزي القارئ – عن الايمان الذي لا يخلص:
النوع الأول من الايمان الذي لا يخلص هو إيمانَ المعرفة الفكرية
يمكن لكل انسان أن يعرف عن شخص ما، ولكنه لا يعرفه شخصياً. فأنا مثلا أعرف عن رئيس الولايات المتحدة ولكنني لا أعرفه شخصيا. وأقصد بذلك أن الكثيرين من الناس يعرفون كلمة الله معرفة عقلية بدون أن تخترق هذه الكلمة الى القلب لتغيّره وتجدده، فهم مشغولون بأمور هذا العالم! هؤلاء الناس هم الذين وصفهم الرب يسوع بأنهم يسمعون الكلمة، ولكن همّ هذا العالم وغرور الغنى يخنقان الكلمة فتصير بلا ثمر. إن المعرفة العقلية بدون الايمان القلبي الحقيقي – الذي يغيّر الكيان والجنان ويدفع الانسان الى الايمان الحقيقي العملي – هو ايمان لا يخلص. فعندما قال الرب لمرثا: “أنا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا “أردف قائلاً: “أتؤمنين بهذا؟” وهنا بيت القصيد! لأن المعرفة العقلية بدون الايمان القلبي لا ينفع شيئاً. يجب أن نؤمن بأن الرب يسوع هو بالفعل القيامة والحياة والذي يؤمن به ولو مات فسيحيا.
النوع الثاني من الايمان الذي لا يخلص هو إيمانَ الدموع العاطفية
أن بكاء مريم ومرثا لم يدفعهما للإيمان العملي المُغيّر للظروف والأحوال. كثيرون يبكون ويتأثرون من قصة موت المسيح على الصليب لفدائنا، لكنهم سرعان ما ينسون ولا يتغيّرون؛ كالمرأة غير المسيحية التي شاهدت فيلم صلب المسيح وتأثرت وصارت تبكي لكنها لم تؤمن بموته الكفاري عنها. وما أكثر الذين يبكون عندما يشاهدون الأفلام السينمائية! فهذا النوع من الايمان لا يخلص.
النوع الثالث من الايمان الذي لا يخلص هو إيمانَ التبعية والطائفية
كثيرون اليوم يَدّعون بأنهم يتبعون المسيح، لكنهم يتبعونه طائفياً بدون أن يفتشوا الكتب. بل يقولون نحن نؤمن كما آمن أجدادنا، بدون الانتماء الشخصي للمسيح وهم يتبعون المسيح حسب الطقوس والعادات التي تعوّدوا عليها منذ صغرهم دون أن يدرسوا كلمة الرب بأنفسهم. فهم كمن يسقي المريض الذي لا يقدر أن يرفع كأس الماء ليسقي نفسه.
النوع الرابع من الايمان الذي لا يخلّص هو الايمانَ الذي يتكل على الشعور وليس على كلمة الله الحية
قال اليهود عن المسيح: “ألم يقدر هذا الذي فتح عيني الأعمى أن يجعل هذا أيضاً (لعازر) لا يموت؟ “
” فانزعج يسوع أيضاً في نفسه وجاء إلى القبر، وكان مغارة وقد وُضع عليه حجر. قال يسوع: ارفعوا الحجر. قالت له مرثا، أخت الميت: يا سيد، قد أنتن لأن له أربعة أيام. قال لها يسوع: ألم أقل لك إن آمنت ترين مجد الله؟ فرفعوا الحجر حيث كان الميت موضوعًا، ورفع يسوع عينيه إلى فوق، وقال: أيها الآب، أشكرك لأنك سمعت لي، وأنا علمت أنك في كل حين تسمع لي، ولكن لأجل هذا الجمع الواقف قلت، ليؤمنوا أنك أرسلتني. ولمّا قال هذا صرخ بصوت عظيم: لعازر هلم خارجًا فخرج الميت” (يوحنا 39:11-44).
الايمان الذي يخلص
الايمان الذي يخلص يجب أن تسبقه التوبة الحقيقية. الايمان بدون توبة حقيقية لا يخلص! اننا نعيش في عصر “آمن فقط”. عندما قال الرب يسوع هذه الكلمات لم يكن يتكلم عن الايمان الخلاصي بل الإيمان الشفائي بقوة المسيح على الشفاء. أما الايمان الخلاصي فيجب أن تسبقه التوبة الحقيقية والايمان في شخص الرب يسوع. “فَاللهُ الآنَ يَأْمُرُ جَمِيعَ النَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا… لأَنَّهُ أَقَامَ يَوْمًا هُوَ فِيهِ مُزْمِعٌ أَنْ يَدِينَ الْمَسْكُونَةَ بِالْعَدْلِ، بِرَجُل قَدْ عَيَّنَهُ، مُقَدِّمًا لِلْجَمِيعِ إِيمَانًا إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ“(أعمال 30:17-31).
الايمان الذي يخلص هو الإيمانَ النابع من روح الله القدسية
قال السيد المسيح لنيقوديموس في إنجيل يوحنا 3: “لا تتعجب أني قلت لك: ينبغي أن تولدوا من فوق. الريح تهب حيث تشاء، وتسمع صوتها، لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب. هكذا كل من ولد من الروح”. إن الإيمان الذي يبدأ بعمل الروح القدس في قلب الإنسان، فيجدّده ويلده من فوق، ولادة سامية سماوية بقوة روح الله. هذا الايمان نقدر أن نسميه” الايمان الذي يخلص“ لأنه كما الريحُ العاصفة عندما تهب تقلع الأشجار من جذورها كذلك روح الله يقلع الخطية من جذورها ليحل المسيح بالإيمان في قلوبنا.
يسأل نيقوديموس: كيف يكون هذا؟ فيجيبه الرب يسوع “كما رفع موسى الحية في البرية، هكذا ينبغي أن يُرفع ابن الإنسان، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه لم يرسل الله ابنه الى العالم ليدين العالم، بل ليَخلُص به العالم. الذي يؤمن به لا يدان، والذي لا يؤمن قد دين، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد” (يوحنا 14:3- 18).
الايمان الذي يخلص غير مؤسس على المنطق والفلسفة البشرية
“وَأَنَا لَمَّا أَتَيْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَتَيْتُ لَيْسَ بِسُمُوِّ الْكَلاَمِ أَوِ الْحِكْمَةِ مُنَادِيًا لَكُمْ بِشَهَادَةِ اللهِ، لأَنِّي لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئًا بَيْنَكُمْ إلاَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوبًا. وَأَنَا كُنْتُ عِنْدَكُمْ فِي ضَعْفٍ، وَخَوْفٍ، وَرِعْدَةٍ كَثِيرَةٍ. وَكَلاَمِي وَكِرَازَتِي لَمْ يَكُونَا بِكَلاَمِ الْحِكْمَةِ الإِنْسَانِيَّةِ الْمُقْنِعِ، بَلْ بِبُرْهَانِ الرُّوحِ وَالْقُوَّةِ، لِكَيْ لاَ يَكُونَ إِيمَانُكُمْ بِحِكْمَةِ النَّاسِ بَلْ بِقُوَّةِ اللهِ (1كورنثوس 1:2-5).
الايمان الذي يخلص هو الايمان الذي ينبع من أعماق القلب الذي أضنته الخطية
عندما كان بولس وسيلا في السجن يسبحان ويصليان، حدث بغتة زلزلة عظيمة حتى تزعزعت أساسات السجن، فانفتحت في الحال الأبواب كلها، وانفكت قيود الجميع. فجاء حافظ السجن وقال لبولس وسيلا: “يا سيديّ، ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟ فقالا له: آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص”. لم يقولا له آمن بيسوع بل آمن بالرب يسوع… بربوبية المسيح على الحياة. “لأنك أن اعترفت بفمك بالرب يسوع (وهذا يعني ربوبية المسيح على الحياة) وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت. لأن القلب يؤمَن به للبر والفم يُعترَف به للخلاص” (رومية 9:10-10).
الايمان الذي يخلص هو الايمان الذي تتبعه الحياة العملية
“وَلكِنْ كُونُوا عَامِلِينَ بِالْكَلِمَةِ، لاَ سَامِعِينَ فَقَطْ خَادِعِينَ نُفُوسَكُمْ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ أَحَدٌ سَامِعًا لِلْكَلِمَةِ وَلَيْسَ عَامِلاً، فَذَاكَ يُشْبِهُ رَجُلاً نَاظِرًا وَجْهَ خِلْقَتِهِ فِي مِرْآةٍ، فَإِنَّهُ نَظَرَ ذَاتَهُ وَمَضَى، وَلِلْوَقْتِ نَسِيَ مَا هُوَ. وَلكِنْ مَنِ اطَّلَعَ عَلَى النَّامُوسِ الْكَامِلِ نَامُوسِ الْحُرِّيَّةِ وَثَبَتَ، وَصَارَ لَيْسَ سَامِعًا نَاسِيًا بَلْ عَامِلاً بِالْكَلِمَةِ، فَهذَا يَكُونُ مَغْبُوطًا فِي عَمَلِهِ“ (يعقوب22:1-25)
مَا الْمَنْفَعَةُ يَا إِخْوَتِي إِنْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّ لَهُ إِيمَانًا وَلكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ، هَلْ يَقْدِرُ (هذا النوع من) الإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟ إِنْ كَانَ أَخٌ وَأُخْتٌ عُرْيَانَيْنِ وَمُعْتَازَيْنِ لِلْقُوتِ الْيَوْمِيِّ، فَقَالَ لَهُمَا أَحَدُكُمُ: امْضِيَا بِسَلاَمٍ، اسْتَدْفِئَا وَاشْبَعَا، وَلكِنْ لَمْ تُعْطُوهُمَا حَاجَاتِ الْجَسَدِ، فَمَا الْمَنْفَعَةُ؟ هكَذَا الإِيمَانُ أَيْضًا، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْمَالٌ، مَيِّتٌ فِي ذَاتِهِ. لكِنْ يَقُولُ قَائِلٌ: أَنْتَ لَكَ إِيمَانٌ، وَأَنَا لِي أَعْمَالٌ أَرِنِي إِيمَانَكَ بِدُونِ أَعْمَالِكَ، وَأَنَا أُرِيكَ بِأَعْمَالِي إِيمَانِي. أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللهَ وَاحِدٌ. حَسَنًا تَفْعَلُ. وَالشَّيَاطِينُ يُؤْمِنُونَ وَيَقْشَعِرُّونَ! وَلكِنْ هَلْ تُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ الْبَاطِلُ أَنَّ الإِيمَانَ بِدُونِ أَعْمَال مَيِّتٌ؟“ (يعقوب 14:2-20).
فهل تؤمن فعلاً؟ اذا “أرني إيمانك بأعمالك. وكن عاملا بالكلمة وليس سامعاً فقط.