…! لا إكـراه فـي الـدين الصحيـح
… لماذا نعبـد اللـه؟
… كيـف تنـعم بالرفقـة الروحيـة؟
…! أسرع باللـحاق بطـريق النجـاة
لقد خلق الله الإنسان على صورته تعالى، ووهبه القدرة ليتسلط على الأرض كلها. لم يُعطَ هذه السلطة ليسود على مخلوقات الدنيا فحسب، بل ليسود على أفعاله الذاتية، ومنحه حرية الاختيار… بهذه الحرية يمكنه أن يتخذ القرارات ليعمل ما هو صالح أو ما هو سيّئ.
لقد كان سوء استعمال هذه السلطة هو ما أدّى إلى سقوط آدم بعد أن أوصاه الله ألا يأكل من الشجرة المحرّمة. صحيح أن الشيطان قد أغواه بهمسات خادعة، لكن آدم كان بوسعه أن يلجأ إلى قوة الله الكامنة فيه فيقول:” لا“! لكنه عوضاً عن ذلك، اختار أن يأكل الثمرة المحرّمة.
لقد اختار أن يخضع لنزوته الطبيعية بدلاً من الروح الذي فيه؛ فعصى ربّه بتعمّد، وكانت النتيجة أنه عانى من العواقب الصارمة لقراره بالانفصال عن الله والموت.
! لا إكراه
ينبغي أن نتذكر دائماً أن الله تعالى لا يجبر أحداً على عبادته، ولا يجب أن تغيب عن أذهاننا بأنه لا إكراه في الدين الصحيح.
الإنسان حرّ في اختيار من يعبد. والله الخالق، عزّ وجلّ، يرغب فقط في أن يعبده الإنسان من قلب محب! هذا هو المبدأ الأساسي في العبادة: المحبة. لنعتبر مثلاً علاقة ابن بوالده: إذا كان الأب سيرغم ابنه على أن يحبه ويطيعه بسيفٍ ذي حدين، لا شك في أن ردّ فعل الابن لن يكون عن محبة وطاعة حقيقيتين. لأنه سيطيع ليس عن رغبة قلبية بل بإكراه وعن خوف من أن يفقد حياته أو مقوّمات هذه الحياة. هكذا أيضًا بالنسبة لعلاقتنا بالله: إن أساسها هو الحب الحقيقي النابع من القلب، الذي يودّ الله أن يراه في عبادتنا له. ونقدر أن نستجيب لذلك بأعمق مشاعر الحب والتقوى لسبب واحد فقط، وهو أننا خُلقنا على صورة الله تعالى. وبكل تأكيد، الله يريدنا أن نعبده ونجلّه ليس عن إكراه بل لأننا نريد ذلك بإخلاص. لأن قلوبنا تودّ تلقائيًا أن تستجيب لرحمة الله ومحبته.
الله أظهر محبته لنا
إن كنت لا تشعر الآن بهذه المحبة نحو الله، إلا أن الله يحبّك!” ولكن الله بيّن محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا“.
نعم، لقد أظهر الله محبته لنا عندما مات المسيح لأجلنا لكي يفدينا من الخطايا والأوزار والذنوب. وقد أحبنا بالرغم من موقفنا منه تعالى. فصار المسيح الذبح العظيم لفداء البشرية. مات المسيح لأجلنا وبديلاً عنا.
لماذا الفداء؟
كان الفداء بدافع محبة الله للجنس البشري التي جعلت المسيح يموت اختياريًا ويستوفي عدالة الله التي استوجبت الموت للإنسان الخاطئ، كما هو مكتوب: ”لأن أجرة الخطية هي موت“ (رومية 23:6)، تماماً كما حصل مع آدم وحواء حين أكلا من الشجرة المحرّمة إذ قال الله لآدم: ”لأنك يوم تأكل منها موتًا تموت“ (تكوين 17:2)، وأيضاً في حزقيال 20:18 أن ”النفس التي تخطئ هي تموت“.
هذه المحبة مقدمة للجميع مجانًا، ”لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية“. فكل خاطئ محكوم عليه بالموت، عندما يؤمن بفداء المسيح يخلص من الهلاك وتكون له الحياة الأبدية.
كيف تحصل على فداء المسيح؟
إن الإيمان بالمسيح يضمن لك غفران الخطايا، وحياة النعيم في الآخرة، ويملأ قلبك بالسلام والفرح والحب لمن أحبك ومات على الصليب لفدائك. ولكن عليك أن تقرر ما إذا كنت ستصل إلى اليد الممتدة لك وتستلم منها هبة الفداء والخلاص، أم أنك ستنأى بعيداً وتحرم نفسك من العطية الإلهية، الرب يسوع المسيح.
تذكر أن لديك حرية الاختيار، ولكن مع هذه الحرية ستتأتى مسؤوليتك عن نتائج الاختيار: إما إلى النعيم أو إلى الجحيم؛ إذ على المرء أن يقرر لنفسه أي طريق يسلكه؛ إما طريق ”الذات“ أو طريق ”الله“ بارئ الوجود.
لقد كانت مسألة الاختيار هذه هي ذات المسألة التي أضحت في غاية الأهمية أيام نوح النبي، حين أنذر قومه بقضاء الله إنذاراً واضحاً وهو: قريباً سيأتي الطوفان الشامل. وحثّ النبي نوح الناس على أن يتخذوا قراراً. واختار الناس في عهد نوح أن يرفضوا تدبير رحمة الله، وأبوا أن يدخلوا الفلك؛ فهلكوا. أما نوح فاختار أن يؤمن بكلمة الله؛ فنجّاه الرحمن هو وأهله من هول القضاء الإلهي.
واليوم، يجابه الجنس البشري وضعاً مشابهاً: فنحن نعلم أن يوم الدين آتٍ لا محالة. وفيه ستُحاسَب كل نفس على القرار الذي أقدمت عليه في موقفها تجاه الإيمان بشخص الرب يسوع المسيح.
الرفقة الروحية
لقد سبق أن لاحظنا كيف أن الله قد عيّن آدم وكيلاً له، ليدير شؤون الأرض، ولاحظنا اهتمام الله العميق بخير الإنسان. فالخالق يعتبر الإنسان أحسن المخلوقات؛ إذ هو الكائن والمخلوق الوحيد الذي يقدر أن يختبر لغز محبة الله. ومردّ ذلك إلى أنه المخلوق الوحيد الذي جُعل على صورة الله تعالى.
إن غاية هذه المحبة الجاذبة هي توثيق صلة الإنسان بالله. هكذا خلق الله آدم، لكي يتلقى – سبحانه وتعالى – من قلب الإنسان عبادة نقاء ومحبة. بالإضافة إلى ذلك، كان لهذه العبادة أن تتميّز بطاعة تامة ناجمة عن ثقة كاملة بالخالق العلي المجيد، وليس مجرّد ممارسة شعائر العبادة الخارجية والطقسية.
هذه الرفقة الروحية هي التي قادت النبي نوح عبر الدرب الإلهي للرحمة، وأدّت إلى زيادة ونمو اتصاله الروحي بربه. فشيّد الفلك على أساس هذه العلاقة الحميمة، وأطاع الله واتّبع – عن حب وطاعة – جميع التعليمات التي أدّت إلى نجاته هو وأسرته.
سفينة نجاتك
ترمز سفينة نوح لصلة الإنسان بربه. وهي صلة العبادة والتقوى التي يرغب الله في أن تقوم في حياة كل واحد منا.
وكما كان الفلك هو وسيلة النجاة من مياه الطوفان المُغرقة، كذلك تكون هذه العلاقة مع الله هي سبيل النجاة من الحساب العظيم الآتي.
وبالطبع، فقد أنشأ الله معايير وقواعد لبناء هذه الصلة، هي مُجملة في الإيمان والطاعة، وهي لا بدّ من تحقيقها بحرص في حياتنا.
لقد تحتّم على النبي نوح أن يدخل الفلك. إذ لم يكن كافياً أنه أمضى عاماً بعد عام في بناء السفينة وإعدادها على نحوٍ يضمن صلاحها للملاحة. ومع ذلك، حينما انتهى من بنائه، كان محتماً على نوح وأسرته أن يدخلوا الفلك لكي ينجوا ويبقوا على قيد الحياة.
بالمقارنة، يُقبل كثير من الناس على إقامة بناء خارجي لدين قوي. فينفقون السنين تلو السنين في ممارسة طقوس وشعائر لعبادة شكلية أو رسمية. ويتعلمون كيف يؤدون صلواتهم ويتمسكون بفرائض أخرى. لكنهم ويا للأسف، لا يجدون أي سعادة أو سلام داخل أنفسهم؛ بل لا يلقون إلا شعوراً متنامياً بالفراغ واللامبالاة… ولا تلتهب في قلوبهم شعلة الإيمان والتعبّد. لقد أخفق هؤلاء في تذوّق العلاقة الروحية الحية مع الله، وهي العلاقة الوحيدة التي تنقذ النفس البشرية من الهلاك.
إن الله يرغب في أن يقيم عهد الصلة الروحية الحميمة مع كل واحد منا. وبكل تأكيد يودّ ربنا الصبور الكريم ألا يضلّ أي امرءٍ عن الصراط المستقيم: ”لا يتباطأ الرب عن وعده كما يحسب قوم التباطؤ، لكنه يتأنّى علينا، وهو لا يشاء أن يَهلك أُناس، بل أن يُقبل الجميع إلى التوبة“ (2بطرس 9:3).
ويودّ كذلك أن يستمع لصراخ معاناتنا، وينقذنا من أحزاننا. فهو وحده القادر على أن ينعم علينا بقوة وسلام روحيين، ويقيم علاقة حية تنقذنا من هلاك الجحيم. ينبغي أن نعقد رجاءنا وتوكّلنا بالإيمان على شخص الرب يسوع المسيح وحده، وليس على أعمال برّنا أو حسنات نقدّمها.
”هوذا عين الرب على خائفيه الراجين رحمته، لينجّي من الموت أنفسهم، وليستحييهم في الجوع. أنفسنا انتظرت الرب، معونتنا وترسنا هو. لأنه به تفرح قلوبنا، لأننا على اسمه القدوس اتكلنا“ (مزمور 18:33-21).
إن الله لم يهتم فقط برعاية صنع الفلك فحسب وإنما اهتمّ كذلك برعاية طوافه وسيره وسط الأمواج.
وهذه حقيقة بالغة الأهمية، لأنها تطمئننا، وتكفل لنا أننا حالما نستهلّ تلك العلاقة الحميمة، سيكون الله معنا دائماً يحمينا ويهدينا.
لا شك أنه ستواجهنا أمواج ضخمة في ظروف حياتية صعبة تكاد لا تُحتمل، وستصيبنا بقطرات صغيرة أو كبيرة، بيد أن عين الرحمة ستحفظ سفينتنا من شتى الأمواج وستدرأ عنها خطر الغرق.
هكذا كان الفلك آية من الله للناس جميعاً؛ كما أنه كان عطية منه تعالى لقاء ثبات نوح في إيمانه رغم سخرية قومه منه.
كان الفلك نجاة وبركة تعبران أصدق تعبير على رحمة الله. وأولى بنا ألا يغيب عن بالنا، أن رحمة الله للإنسان إنما هي عطية منه، فلا يمكن لأحد أن يشتريها بذهب أو بفضة، بل يحصل عليها بتواضعه ورضوخه التام لإرادة الله وإيمانه بالرب يسوع المسيح.
! والآن، لك حرية الاختيار
هل ستدخل سفينة النجاة التي صنعها لك الله؟