منذ وقت قصير كنت أعرف سيدة شابة حاولت الانتحار لفشلها في الحب. ونعرف قصة نجم السينما الشهيرة مارلين مونرو التي رفضت أن تواجه الحياة!… وقالوا إنها أقدمت على الانتحار… وإني أعتبر أن محاولات الإنسان للهروب من الحياة عملاً لا يدعو إلى الدهشة لأن الحياة عملاق قوي… الحياة صراع مرير ولكنها أيضاً المدرسة التي فيها نتعلّم أو لا نتعلّم كيف نواجه الحياة، ونحيا.
ويبدو أن بولس الرسول قد وجد السر العظيم الذي به نواجه الحياة إذ يقول: «إني قد تعلمت أن أكون مكتفياً بما أنا فيه» (فيلبي 11:4).
لم يدرك بولس الرسول كيف يواجه الحياة فقط ولكن أيضاً كيف يواجهها بابتسام.
ترى، هل هذا يعني أن بولس الرسول كان سلبياً؟ … ترك الحياة تجري دون أن يعيرها اهتماماً… إنه يقول: «فإني كنت أودّ لو أكون أنا نفسي محروماً من المسيح لأجل إخوتي أنسبائي حسب الجسد» (رومية 3:9).
إن من يقول هذا هو أبعد ما يكون عن أن يكون سلبياً تجاه العالم… إن بولس الرسول كان يملك ذلك الاكتفاء الداخلي. كان يملك السلام الذي يفوق كل عقل.. هذه الشجاعة التي مكّنته من مجابهة الحياة بروح إيجابية.
إن كلمة الله تعلمنا أن الحياة هي عبارة عن مجموعة من الظروف التي نواجهها. وإذا تمكّنا من مواجهة تلك الظروف فإننا نتمكّن من مواجهة الحياة. ويمكن تقسيم الظروف والأحوال التي حولنا إلى قسمين أساسيين:
الظروف العادية أو روتين الحياة
الظروف غير العادية أو مشاكل الحياة
والآن، كيف نواجه كلتا الحالتين؟ كيف نواجه الروتين… الظروف العادية؟
تتألف الحياة إلى حدّ بعيد، من مجموعة من العادات التي نكوّنها لأنفسنا؛ ونحن نُجبر على هذه العادات تبعاً لاحتياجاتنا الجسدية والمادية. فالتنفّس مثلاً، هو عادة بدونها لا نستطيع أن نحيا أو نعمل، ويدفعنا إلى روتين معيّن في سبيل الحصول على حاجاتنا المادية.
مما سبق، يبدو أن الروتين هو أمر خارج عن إرادتنا، ولكن يمكننا أن نخلق التجانس بين الروتين وكيفية مواجهتنا له.. فإن كنا نكره الروتين فبالتالي سنكره حياتنا وستكون النتيجة، تبعاً لذلك، هي عدم رضا، وعدم اكتفاء، وتعاسة مستمرة. يجب أن يكون موقف المسيحي تجاه الروتين كموقف المسيح شخصياً تجاهه. ومن الإنجيل نعلم أن المسيح كان له مجموعة من العادات. ففي لوقا 16:4 نقرأ: «ودخل المجمع حسب عادته يوم السبت وقام ليقرأ».
كان يسوع يحب روتين الحياة، وتبعاً لذلك وجد فرصة عظيمة لتمجيد الله وليعلن نفسه أنه المخلص المنتظر (لوقا 21:4).
لا شيء يستطيع أن يعمينا أكثر من الكراهية، ولا شيء يستطيع أن ينير سبيلنا أكثر من الحبّ.
في القرن السادس عشر، استجاب الأخ لورانس لنداء الله للخدمة… وانضمّ إلى نظام معيّن ليصبح راهباً.. لكنه شعر بالخيبة عندما طلبوا منه في الدير أن يعمل في المطبخ. لقد كان يظن أنه جاء ليبشر بإنجيل المسيح وليس ليخدم في المطبخ. وكره الروتين اليومي في المطبخ. وكانت النتيجة تعاسة مملة. وفي ذات يوم اكتشف أمراً عظيماً… اكتشف أن الله أيضاً كان في المطبخ. وأنه بغسيله الأطباق إنما كان يرضي الله ويخدمه. هذا غيّر نظرته تجاه روتين تلك الحياة وبدأ يحبّ الروتين ويستخدمه ليعبّر عن حبّه وإخلاصه لربّه. وكانت النتيجة تدعو إلى الدهشة، وتحوّلت حياته إلى سعادة فائقة، وصارت علاقته بالله من القوة حتى أنه أصبح يحادث الله كما يحادث أقرب أصدقائه. ووضع كتاباً عن اختباراته في المطبخ بعنوان «التدرّب على وجود الله» فكان سبب بركة لملايين.
لا حدود للسعادة التي تغمر حياة من يعتاد على مواجهة الروتين بروح المحبة، ويتعلم كيف يستخدمه ليعلن قوة المسيح المطهرة.
ولكن الخبرة تعلمنا أن الحياة لا تتكوّن فقط من روتين منسّق ولكن أيضاً من مشاكل طارئة.
كيف نواجه المشاكل والظروف غير العادية؟
عبّر أحد الكتاب الإنجليز عن رغبته في عالم مثالي ليس فيه مشاكل، وذلك من خلال كتاب عن جزيرة خيالية أسماها يوتوبيا حيث لم يكن هناك أي أخطاء.. وكثير من الناس يفنون أعمارهم بحثاً عن مثل هذا المكان بدون جدوى! المشاكل مثل ذرات التراب التي تصل إلى أي مكان في المنزل مهما أحكم إغلاقه. لا يوجد شخص يمكن أن يستثني نفسه من المشاكل بأي صورة، لكن السؤال الأساسي هو: كيف نواجه المشاكل؟
يقول بولس الرسول في فيلبي 12:4 «أعرف أن أتضع وأعرف أيضاً أن أستفضل. في كل شيء وفي جميع الأشياء قد تدرّبت أن أشبع وأن أجوع، وأن أستفضل وأن أنقص». أي إني أعرف كيف أواجه المشاكل. وعند مواجهة المشاكل يمكن للمرء أن يسلك أحد سبيلين:
الأول: وهو الطريق المنخفض وفيه يتجاهل المرء المشاكل ويحاول أن يقنع نفسه بعدم وجودها، وبذلك يصبح كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال عندما تحيط بها الأخطار محاولة لإقناع نفسها بعدم وجود أي خطر.
أما السبيل الثاني: والذي يمكن أن نسلكه في مواجهتنا للأخطار والمشاكل، هو الطريق المرتفع..
راقب شخص من فوق قمة جبل نسراً طائراً يواجه عاصفة قوية.. وكم كانت دهشة هذا الشخص عندما وجد أن النسر لم يطرْ هارباً من وجه العاصفة.. لكنه اندفع تجاهها بقوة فرفعته قوة العاصفة إلى أعلى ومرّت من تحته…
إننا إذا رفعنا أذرعنا أمام الله الذي يعتني بنا… فإننا نستطيع أن نواجه العواصف ونستخدمها لترفعنا إلى مستويات روحية أعلى.
هذا هو السبب الذي من أجله يسمح الله لنا بالمرور في مشاكل متنوّعة لنستخدمها فترفعنا إلى فوق حتى نكون قريبين منه.
تستخدم بعض النباتات أشعة الشمس لتكتسب حيوية وجمالاً.. بينما البعض الآخر يذبل من حرارة الشمس.
كيف تستخدم المشاكل؟
واجه الرسول بولس مشاكل مالية وجسدية متنوّعة. في 1كورنثوس 11:4، يقول: «إلى هذه الساعة نجوع ونعطش ونعرى ونُلكم وليس لنا إقامة». ويكتب إلى المسيحيين في غلاطية: «ولكنكم تعلمون أني بضعف الجسد بشّرتكم في الأول». إن الرسول في صعابه ربح الأمم للمسيح سيده… ما هو سر بولس؟ يتلخّص السر في كلمة واحدة. إنه شخص المسيح يسوع، إذ أعلن نفسه أنه هو الحياة.
إننا إن ابتعدنا عن المسيح فإننا لا نستطيع أن نواجه الحياة. وفي البعد عن المسيح نصبح كخرقة مهملة في سلسلة الحياة المملة. وبعيداً عن المسيح، لسنا سوى ورقة نبات تعصف بها الحياة في كل اتجاه. فالبالون، لو امتلأ بالهواء العادي لبقي في مكانه، أما إذا انتفخ بالهيليوم فإنه يرتفع عالياً في الفضاء. إنك عندما تقبل المسيح فإنك تحصل على قوة عظيمة من أعلى… تحصل على نوع جديد من الحياة… وإذ نقف عند المسيح يمكن أن يكون لروتين الحياة معنى وعنده فقط تصبح المشاكل من إحدى الوسائل التي بها نرتفع إلى فوق.
يقول الكتاب بأن الذي فيكم هو أعظم من الذي في العالم (1يوحنا 4:4أ) وبه فقط نجد الحياة.
“لأن الناموس بموسى أُعطي، أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا” (يوحنا 1:71).
يقول الناموس: “ادفع دينك”، ويقول الإنجيل: “المسيح قد دفعه”.
يقول الناموس: “أنت خاطئ، ولا بُدّ أن تُدان”، ويقول الإنجيل: “الله بيّن محبّته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة، مات المسيح لأجلنا”.
يقول الناموس: “أين برّك وصلاحك وقداستك؟”، ويقول الإنجيل: “المسيح برّك وقداستك وفداؤك”.
والفرق بين الناموس والإنجيل شاسع جداً… الناموس يحوّل وجهه نحوي، ويطلب مني أن أعمل ما أخلص به، ولكن الإنجيل هدفه المسيح: من هو؟ وماذا فعل؟ وماذا هو فاعل؟ وماذا سيفعله في المستقبل من أجل الإنسان المسكين؟
ولا يوجد في الإنجيل شيء مؤسس على الإنسان بل جميعه يدور حول المسيح.