يا لها من عبارة رائعة أعلنها الروح القدس، على لسان الرسول بولس، لسجان فيلبي (أع16: 31)،ذلك الرجل الذي كان له شخصيته ونفوذه وجبروته وسلطانه المُعطى له من قِبَل الحكومة الرومانية، وربما كان لا يخاف الله ولا يخشى إنساناً، ولكنه انحنى أمام عظمة الله التي أُعلنت من خلال ما فعله في ظلمة الليل الحالك، وبالتحديد في منتصف الليل، بينما كان بولس وسيلا يصليان ويسبحان الله داخل السجن، والمسجونون كانوا يسمعونهما، إذ يقول الروح القدس «فحدث بغتة زلزلة عظيمة حتى تزعزعت أساسات السجن، فانفتحت في الحال الأبواب كلها، وانفكّت قيود الجميع» (أع16: 26).
لقد سقطت السلاسل، وتحطمت القلوب الصخرية، وتحولت إلى قلوب لحمية، وتبددت الظلمة، وأضاء نور المسيح فيها، فلم يهرب من داخل السجن ولا سجين واحد. وإذ ظن السجان أن المسجونين قد هربوا، شرع على الفور في التخلص من نفسه، ولم يفكر أبداً في خلاص نفسه. يقول الوحي:«ولما استيقظ حافظ السجن ورأى أبواب السجن مفتوحة، استل سيفه وكان مزمعاً أن يقتل نفسه ظاناً أن المسجونين قد هربوا» (أع16: 27). لقد ضاق به الأمر جداً ففكِّر في الانتحار. لكن الرب المُحب الحنّان، الذي جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك (لو19: 10)،لم يتركه يفعل ذلك، لذلك «ناداه بولس بصوت عظيم قائلاً: لا تفعل بنفسك شيئاً ردياً لأن جميعنا ههنا» (أع16: 28).
ولقد اخترق هذا الصوت قلبه، فما كان منهإلا أن أوقف المخطَّط الشيطاني الرهيب في تدمير نفسه وإهلاكها، وأسرع مندفعاً إلىداخل السجن ليصل إلى الصارخ إليه. لقد نسى مركزه والأبواب المفتوحة، والمساجين الذين في إمكانهم الهروب من السجن، وما يترتب على ذلك من محاكمة في الصباح. لقد نسي كل شيء، لكنه فكَّر في شيء واحد، لا التخلص من نفسه، بل خلاص نفسه. لذلك بعد أن خرَّ لبولس وسيلا وهو مرتعد، وبعد أن أخرجهما من السجن، سأل أجمل وأروع سؤال، وسمع أجمل وأروع إجابة. لقد كان سؤاله: «يا سيديَّ ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟»، وكان الجواب: «آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك» (أع16: 30،31).
يا له من سؤال «ماذا ينبغي..؟»! إنه يسأل عما هو ضروري وحتمي لخلاص نفسه، لايريد ضياع الفرصة والوقت المُتاح له، لم يُكثر من الكلام الذي لا لزوم له، ولم يُجرِ محادثة مطوَّلة أو تعارف مع الرسول بولس وسيلا، لكنه أسرع في سؤاله:«ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟».
والشيء الرائع أن الرسول بولس لم يقدِّم له الجواب عن سؤاله في عظة مطولة، بل في عبارة مختصرة ومُفيدة إذ قال له: «آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك». إنهاعبارة تحتوي على الإنجيل كله:
آمـن: هذههي الوسيلة واليد التي بها نتناول كل بركات الله، وعلى رأسها الخلاص. والإيمان هو الأساس الوحيد الذي به نتعامل مع الله، وهو لا يرضى بغير ذلك «لكن بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه» (عب11: 6).
بالرب: إعلان سيادة الرب يسوع وربوبيته على الحياة بجملتها، وقبوله قبولاً شخصياً باعتباره الرب والسيد.
يسوع: صانع الخلاص ومانحه من خلال موته على الصليب«وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلِّص شعبه من خطاياهم» (مت1: 21).
المسيح: إعلان مُلكه على الحياة، فلا يملك عليها آخرسواه.
فتخلص: هذه هي النتيجة الحتمية للإيمان بالرب يسوع.
أعتقد أنه لا يوجد أسهل وأروع من هذا.
لقد خلص السجان وكل مَنْ كان في بيته الذين سمعوا من بولس في تلك الليلة عن الخلاص والمخلِّص حتى أنه يذكر عنهم «وتهلل مع جميع بيته» (أع16: 32-34).
عزيزي القارئ .. لقد انتهت قصة السجان الذي خلص بالإيمان وهوالآن مع الرب، لكن قصتك أنت لم تنتهِ بعد، فكثيراً ما تسمع عن الخلاص وعن المخلِّص، لكنك إلى الآن لم تتخذ قراراً، بل في كل مرة تؤجِّل إلى وقت آخر، وأنت لا تعلم ماذا يحدث لك اليوم.
إلى متى تظل تؤجل، بينما الروح القدس يقول لك «هوذا الآن وقت مقبول. هوذا الآن يوم خلاص» (2كو6: 2)؟
«هوذاالآن» وليس غداً، أو بعد قليل. إن الوقت المضمون هو الآن، وليس بعد لحظات.
التأجيل ليس لصالحك نهائياً، ولكن هو لصالح عدوك الذي يكذب عليك ويُظهر أنه يحبك، فهو يريدأن تكون معه في النار الأبدية التي أعدها الرب له ولملائكته (مت25: 41). إن التأجيل هو أقوى سلاح يستخدمه الشيطان لإهلاك البشر، فكم من نفوس تأثروا بكلمة الرب، لكنهم أجّلوا إلى الغد، وللأسف جاءالغد، لكنهم هم مضوا بلا رجاء.
نعم،كم من نفوس تتحسر وهي في هاوية العذاب، لا بسبب ما فعلوه من خطايا فقط، لكن بسبب ضياع الفرصة والوقت الذي كان أمامهم، بالفعل «هناك يكون البكاء وصرير الأسنان»(لو13: 28).
أنت تعرف قصة الشعب القديم عندما تذمروا على الرب وعلى موسى (عد21: 5-9)، وقالوا عن المن، الخبز السماوي، إنه: «طعام سخيف»، وكانت النتيجة أن قضاء الرب وقع عليهم «فأرسل الرب على الشعب الحيات المُحرقة، فلدغت الشعب فمات قوم كثيرون من إسرائيل». لكن عندما أتوا إلى موسى وقالوا«قد أخطأنا»، تدخل الرب لخلاصهم بخطة غريبة وعجيبة «فقال الرب لموسى اصنع لك حية مُحرقة وضعها على راية، فكل مَنْ لُدغ ونظر إليها يحيا».
لقدفعل الله كل ما يلزم لخلاصهم. لكن ماذاكان عليهم أن يفعلون لكي يستمتعوا بهذا الخلاص؟ شيء واحد وهو أن يصدِّقوا الله، ويقبلوا ما فعله لهم بالإيمان. فكل مَنْ لدغته الحية المُحرقة، ما كان عليه إلا أن ينظر إلى الحية النحاسية المُعلَّقة على الراية فيحيا. الأمر لا يحتاج إلى فلسفة، فالله قال وهوصادق، فهو «ليس إنساناً فيكذب ولا ابن إنسان فيندم. هل يقول ولا يفعل، أو يتكلم ولا يفي» (عد23: 19).
والآن ما رأيك في شخص لدغته الحية المُحرقة، لكنه احتقر ما أمر به الله، واستهان بالنظر إلى الحية النحاسية لأن هذا الأسلوب في الإنقاذ هو فوق المنطق البشري: إذ ماذا تفعل نظرة من بُعد، إلى حية مصنوعة من نحاس، لِسُمٍّ سَرى وانتشر في جسم الإنسان، بسبب لدغة الحية المُحرقة؟! واضح لنا أن فلسفة ذلك الإنسان وعدم تصديقه لله سيهلكانه حتماً لا محالة!
وما رأيك في شخص يصدِّق الله، وربما ينصح الآخرين بالنظر إلى الحية النحاسية إذا لدغتهم الحيات المُحرقة، وعندما لُدغ هو بالحية المُحرقة، لم ينظر إلى الحية النحاسية، واكتفى بما يعرفه عنها؟ الإجابة: أنه يهلك لا محالة، فالمعرفة لا تكفي، لكن يجب أن ننظربالإيمان إلى الحية النحاسية.
وما رأيك في مَنْ لدغته الحية المُحرقة وهويعلم أن النظر إلى الحية النحاسية يعطي الحياة، لكنه لم ينظر إليها في حال لدغته! لكنه أجّل لوقت آخر؟ وهذا أيضاً لا بد أن يموت بسبب تأجيله.
وما رأيك في مَنْ لدغته الحية المُحرقة وبقلب مملوء بالثقة بالله وأقواله نظر إلى الحية النحاسية على الفور وبدون إبطاء؟ نعم، إنه حسب قول الرب يحيا.
عزيزي القارئ.. لقد قال الرب يسوع:«وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يُرفع ابن الإنسان لكي لا يهلك كلمَنْ يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية». فكما كانت الحية النحاسية المُعلَّقة على راية سبب حياة لكل مَنْ لدغته الحيات المُحرقة، هكذا المسيح الذي عُلِّق على صليب الجلجثة هو سبب حياة لكل مَنْ يؤمن به. وإن أمعنا التأمل في العينات التي ذكرناها في الكلام السابق عن الشعب القديم على ما هو حادث في المسيحية في العهد الجديد، سنجدها هي ذات العينات.
وأخيراً أسألك عزيزي القارئ:
من أي صنف أنت مما ذكرته؟
أرجو وأصلي أن تكون من العيّنة الأخيرة التي تصدق الله وتقبل الرب يسوع وعمله الكفاري على الصليب. يقول الكتاب: «آمنوا.. فتأمنوا» (2أخ20:20).
إن الرب يسوع يريد أن يقول لك كما قال للمرأة الخاطئة التي جاءت إليه في بيت سمعان الفريسي (لوقا7: 50) وكذلك الأبرص الذي طهر (لوقا17: 19)«إيمانك قد خلصك اذهب بسلام».. فهل تَقبَل وتُقبِل.