تُعتبر عملية زراعة القلب الجديد بواسطة جراحة الصدر من أعظم إنجازات الطبّ الحديث. ولعلّ سبب نجاح هذه العمليّة الجراحية يعود إلى إدراك الإنسان لعدّة حقائق علميّة وطبيّة ثابتة وهي التالية:
اولا: إن معالجة حالات قصور القلب الاحتقانيّ وأمراض القلب المتقدّمة بواسطة الأدوية لا تؤدّي إلى شفاء المريض بل تؤدي في أحسن الحالات إلى التخفيف من الأعراض مثل ضيق النفس والتورّم.
ثانيا: يجب أن يكون القلب الجديد قلباً لحميّاً بشريّاً غير مصنوع بأيدٍ بشرية؛ فالقلوب الاصطناعية المركّبة في مختبرات العلم الحديث تؤدي إلى مضاعفات خطيرة بعد العملية الجراحية، وتسبب في النهاية موت المريض.
ثالثا: يجب أن يكون القلب الجديد قلبَ إنسان مات من غير مرض، نتيجة حادثة فجائية، وأن يكون هذا الإنسان قد أوصى قبل وفاته بتقديم قلبه الصحيح لإنسانٍ مريض.
رابعا: يجب أن يدرك الإنسان المريض الذي يعاني من قصور القلب أنه بحاجة إلى جراحة، وأنّ كل المحاولات الأخرى غير الجراحية لا تفيد، وأنه مستعدّ أن يتعهّد بأنه سيتجنّب بعد جراحة القلب كل عوامل الضرر التي تعرّض القلب الجديد إلى الخطر مثل التدخين والكحول والمخدّرات، إلخ…
يخبرنا الكتاب المقدّس أن كل إنسان مصاب بمرض القلب الروحيّ المستعصي، فيقول في سفر إرميا النبيّ 9:17-10 “اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ، مَنْ يَعْرِفُهُ؟ أَنَا الرَّبُّ فَاحِصُ الْقَلْبِ مُخْتَبِرُ الْكُلَى لأُعْطِيَ كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ طُرُقِهِ”.
وقال السيد المسيح في إنجيل مرقس 21:7-23 “لأَنَّهُ مِنَ الدَّاخِلِ، مِنْ قُلُوبِ النَّاسِ، تَخْرُجُ الأَفْكَارُ الشِّرِّيرَةُ: زِنىً، فِسْقٌ، قَتْلٌ، سِرْقَةٌ، طَمَعٌ، خُبْثٌ، مَكْرٌ، عَهَارَةٌ، عَيْنٌ شِرِّيرَةٌ، تَجْدِيفٌ، كِبْرِيَاءُ، جَهْلٌ. جَمِيعُ هذِهِ الشُّرُورِ تَخْرُجُ مِنَ الدَّاخِلِ وَتُنَجِّسُ الإِنْسَانَ”.
فمشكلة الإنسان هي داخلية قلبية تتعلّق بالجوهر لا المظهر. القلب المشار إليه في الكتاب المقدّس هو جوهر الإنسان وطبيعته الساقطة، ولبّ الإصلاح هو إصلاح القلب، لذلك صرخ النبيّ داود في المزمور 10:51 قائلاً، “قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي”.
كذلك يأمرنا الرب في سفر يعقوب 8:4 بالتوبة ويدعونا إلى طهارة القلب بقوله، “نَقُّوا أَيْدِيَكُمْ أَيُّهَا الْخُطَاةُ، وَطَهِّرُوا قُلُوبَكُمْ يَا ذَوِي الرَّأْيَيْنِ”.
وأسباب نجاح جراحة القلب الروحية مشابهة تماماً لتلك التي تتعلّق بجراحة القلب من الناحية الطبية، فعلى الإنسان:
أولاً: أن يدرك أن التديّن، والعبادة الخارجية، والأخلاق الجيّدة، والأعمال الصالحة، والعقائد الأدبية لا تجعل الإنسان صالحاً. فالسيد المسيح يقول في إنجيل متى 35:12، “اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنَ الْكَنْزِ الصَّالِحِ فِي الْقَلْب يُخْرِجُ الصَّالِحَاتِ، وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنَ الْكَنْزِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشُّرُورَ”.
ثانياً: أن يدرك أن العلم والثقافة والطبّ النفسيّ وأحدث اكتشافات علم النفس لا يمكن أن تهذّب طبيعة الإنسان الروحية وقلبه.
ثالثاً: أن يؤمن أن الله قد أمّن له قلباً “جديداً طاهراً” بلا لوم ولا عيب إذ أرسل كلمته الأزليّ في شخص الإنسان يسوع المسيح الذي مات من أجل خطايانا. فعندما نقبل المسيح فنحن نقبل من الله طبيعة المسيح المقدّسة طالبين منه تعالى أن يُجري فينا أعظم عملية جراحية إذ ينزع قلبنا المريض ويزرع فينا القلب الجديد حسب وعده، “وَأُعْطِيكُمْ قَلْبًا جَدِيدًا، وَأَجْعَلُ رُوحًا جَدِيدَةً فِي دَاخِلِكُمْ، وَأَنْزِعُ قَلْبَ الْحَجَرِ مِنْ لَحْمِكُمْ وَأُعْطِيكُمْ قَلْبَ لَحْمٍ. وَأَجْعَلُ رُوحِي فِي دَاخِلِكُمْ، وَأَجْعَلُكُمْ تَسْلُكُونَ فِي فَرَائِضِي، وَتَحْفَظُونَ أَحْكَامِي وَتَعْمَلُونَ بِهَا” (حزقيال 26:36-27).
رابعاً: لكي تحصل على هذا القلب الجديد الذي هو طبيعة المسيح المقدسة ينبغي أن تأتي إلى الله بتوبة صادقة منكراً الفجور والشهوات والأهواء، طالباً من الرب أن ينزع قلبك الشرير ويعطيك هذا القلب الجديد الطاهر بفضل عطيته التي لا يُعبَّر عنها وهي أن المسيح مات لأجلك على الصليب وقام ليعطيك قلبه النقيّ مجاناً.
فهل تأتي إلى ربّك الذي خلقك وأحبّك؟ تعال وقل له: “يا ربّ، طهّر قلبي إكراماً لِمَنْ ذُبِح على الصليب من أجلي، وأعطِني قلباً نقياً جديداً واجعلْني واحداً من أولادك”.