لو خُيِّرت في انتقاء جنسك، فما الذي كنت ستختاره؟ ولمَ؟
سؤال طرحه والدي عندما كان يعلّم في معهد إعداد المعلمين الذي كان عدد الطالبات فيه يفوق عدد الطلاب الذكور بكثير. وقد غمر والدي حزنٌ عميقٌ عندما جَمَعَ الإجابات، ليجد الطالبات باستثناء طالبة واحدة أجبن بأنهنّ يفضّلن لو خُلِقن ذكوراً. وما هذا إلا تعبير صريح عن معاناة كلّ منهنّ والتي جعلتها تتمنّى لو لم تُخلَق أنثى.
افترض أنك أبٌ لثلاث بنات، وفي يوم واحد التقيت بعدة أشخاص للمرة الأولى. فكم واحداً منهم سيبادرك بعبارات التعزية حالما يعلم أن عندك ثلاث بنات. كلمات من قبيل: “معليش، البنات في هذه الأيام أحسن من الصبيان؛ البنت تحنّ عليك؛ البنت جيدة لشيخوختك”. حاولْ أن تلتقي بأشخاص آخرين، وقل لهم أن لديك ثلاثة أبناء، ستسمع عبارات من مثل، “ما شاء الله، الله يخلّيهم، إلخ”. قال النبيّ قديماً، “هَلْ يَقُولُ الطِّينُ لِجَابِلِهِ: مَاذَا تَصْنَعُ؟… وَيْلٌ لِلَّذِي يَقُولُ لأَبِيهِ: مَاذَا تَلِدُ؟ وَلِلْمَرْأَةِ: مَاذَا تَلِدِينَ؟“(إشعياء 9:45-10). فمن يطعن فإنما يطعن في الله الخالق.
يصلّي اليهوديّ علناً، “شكراً لك أيها القدوس لأنك لم تخلقني امرأة”. لكن الرجل الشرقي يقول ذلك كلّ يوم في الخفاء إن لم يكن في العلن، وفي الوقت الذي يظنّ فيه كثيرون بأنهم متحضّرون ومنفتحون فإنهم عندما يتعاملون عفوياً مع المرأة بطريقة دونية يثبتون بأنهم لا زالوا بعيدين جداً ليس فقط عن الحضارة العالمية، وإنما عن الإيمان وفكر الله حسبما أعلنه صريحاً في كلمته المباركة من جهة هذا الأمر.
تُرى ما الذي تعلّمه كلمة الله المعصومة في هذا الشأن وهي مرجعنا كما في كل الأمور؟
الرجل والمرأة خُلقا متساويَيْن أمام الله
“خَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ” (تكوين 26:1). فالإنسان، بوجهيه الأنثى والذكر، مخلوق على صورة الله. والمرأة متساوية مع الرجل في صورة التشابه مع الله. لاحقاً عندما رأى الله آدم وحيداً، قال، أصنع له معيناً “نظيره”. وكلمة “نظيره” (بالعبريّة كنجدو) تعني “مساوياً له متكاملاً معه”. وميّز الله حوّاء بأن بناها من ضلع آدم وليس كما جبله من التراب. لكنّهما متساويان في طبيعتهما البشريّة.
تسلّط الرجل على المرأة هو لعنة من لعنات السقوط
عاش آدم وحوّاء قبل دخول الخطيئة في حال من التناغم والتكامل المثاليّ. وكان لكلٍّ منهما دوره؛ آدم في علاقته بالأرض وما فيها، وحوّاء في علاقتها بالأحياء، كأمّ لكلّ حيّ. لكن بعدما سقط كلاهما في العصيان، قال الله لآدم، “مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ… بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا” (تكوين 17:3-19). وقال للمرأة، “بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَدًا. وَإِلَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ” (تكوين 16:3). وهكذا دخل التشنّج وتسرّب الخلل إلى العلاقة ما بين الرجل والمرأة، وهذا ما لم يكن في البدء. فتماماً كما أنّ الأرض لم تكن لتنبت شوكاً وحسكاً لو لم يقع آدم وحواء في الخطية، كذلك فإنّ تسلّط الرجل على المرأة لم يكن من تصميم الله، فالله دعا كليهما قائلاً، ”أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ“ (تكوين 28:1).
المسيح أعطى المرأة قيمتها وأعاد لها دورها الرياديّ
وكما تساوت المرأة مع الرجل في الخلق فقد تساوت معه في الفدية التي دُفِعت لخلاصها – دم المسيح الطاهر المنزّه عن كل عيب. فالقيمة الحقيقيّة للمرأة ليست من أبيها أو زوجها أو ابنها. وليست في ما يُعيّن في عقود الزواج من مهر. فهي لا تثمّن، لأنها اشتريت بدم الفادي القدّوس، وأصبحت كما قال الرسول بطرس وارثة لنعمة الحياة (1بطرس 7:3). وقد رفع المسيح شأن المرأة في حياته إذ إنّه لم يولد من زرع رجل، لكنّه تكوّن في الجسد في أحشاء العذراء مريم. وهكذا حقّق نبوّة الله في تكوين 15:3 بأنّ نسل المرأة سيسحق رأس الحيّة، ويزيل آثار اللعنة التي حلّت بالبشريّة نتيجة السقوط. ويظهر دور المرأة الرياديّ أيضاً في حياة المسيح وخدمته. فقد أبرز في سلسلة نسبه نساء كثيرات مستضعفات أو مستغلاّت أو مرفوضات (متى 3:1-6). كما قَبِل يسوع الدعم الماديّ من المرأة، فنساءٌ “كَثِيرَاتٌ كُنَّ يَخْدِمْنَهُ مِنْ أَمْوَالِهِنَّ” (لوقا 3:8). وفي مجتمع لم يكن يقبل شهادة النساء في المحاكم، أكرَمَ يسوع المرأة إذ جعلها أوّل من حمل أخبار القيامة لتشهد ببشارة الإنجيل (لوقا 10:24)!
التناغم ضمن تنوّع الأدوار متوقّع في الخدمة الكنسيّة
لطالما لفت نظري أن الكتاب لم يعْطِنا تفاصيل كثيرة بشأن عائلات تلاميذ المسيح أو(أعمال 9:21). ويظهر جليّاً أنّ مواهب الروح القدس قد أعطيت للنساء بالتساوي مع الرجال في الكنيسة، مع الإقرار باختلاف الوظائف والأدوار. فالموهبة شيء والدور الذي تمارس فيه الموهبة شيء آخر (راجع 1كورنثوس 4:11-12). والخضوع للترتيب الإلهيّ في الخلق والأدوار لا ينفي المساواة في الجوهر والاعتبار (فيلبي 5:2-6). وكما تتساوى المرأة مع الرجل في عيني الله في امتيازاتها فهي تتساوى معه في واجباتها. وهي مدعوّة لعبادته وخدمته واستخدام كل وزناتها لتمجيده. وقد قامت نساء كثيرات بأعمال رياديّة في مجال الخدمة الكنسيّة. ويمكننا أن نذكر، على سبيل المثال لا الحصر، بريسكلاّ التي نشطت في التعليم والخدمة (أعمال 26:18)، وفيبي خادمة الكنيسة التي في كنخريا (رومية 1:16-2)، ولوتي مون التي خدمت كمبشّرة في الصين لمدّة أربعين سنة، وآمي كارميكل التي أسّست إرساليّات في الهند حيث عملت لمدّة 55 سنة.
التناغم ضمن تنوّع الأدوار متوقّع في الحياة اليوميّة
وكما ينبغي في الكنيسة أن يكون الجميع رجالاً ونساءً خَاضِعِينَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ (1بطرس 5:5)، كذلك يجب أن تكون هذه الحال في البيوت المسيحيّة بوصفها كنائس مصغّرة. توجد مشكلة في مجتمعنا العربي تتجلّى في استمداد الرّجل لقيمته من الأعمال التي يعملها. وهكذا فهو يتحاشى القيام بالأعمال “الوضيعة” في المجتمع. ويمنعه هذا الفكر أيضاً من المساعدة في بعض الأعمال المنزليّة من تنظيف، وعناية بالأطفال، وغيرها. وبما أنّ المسيحيّ هو ابن مجتمعه فإنّ هذه الظاهرة تؤثّر على البيوت المسيحيّة. وهكذا نشاهد خلافات جديّة وعميقة مبنيّة على الفشل في إدراك الأساس الحقيقي لقيمة الفرد. فعوضاً عن التناغم والمحبّة في مشاركة العمل في البيت يسود الخصام والقسر. لكنّ المسيح بفدائه أعطى الإنسان قيمته الحقيقيّة في نظر الله في الصليب. وهكذا لم تعد كرامتنا متوقّفة على ما نفعله، بل على مركزنا في الرب. هل الرجل المسيحيّ اليوم مستعدّ للتمثّل بتواضع المسيح الذي أخذ دور العبد وسط تلاميذه، وغسل أرجلهم عالماً بأن هويته الحقيقية لا ينتقص منها بالعمل الوضيع؟ (يوحنا 13). قد يكون ذلك من أبلغ الوسائل التي نشهد فيها عن المسيح في بيوتنا إذ نعيش بالحقّ كمسيحيّين مفديّين بثمن كريم، هو وحده أساس اعتبارنا ورفعتنا.
عندما تكون التقاليد مخالفة لشرائع الله فهل نسير مع التيّار أم نتبنّى مواقف تتناسب مع التعليم الصحيح؟
لقد ثار المسيح على التقاليد الاجتماعية البالية فتحدّث مع المرأة السامرية العطشى إلى ماء الحياة طالباً منها أن يشرب، وتعجّب التلاميذ لأنه كسر العوائد وها هو يدعونا لاتّباع خطاه. لذا ينبغي أن نحاسب أنفسنا ونقيس أفكارنا على مقياس كلمة الله الصحيحة التي تعلّم، “لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ” (غلاطية 28:3).
لنفحص عاداتنا وتقاليدنا الاجتماعيّة، ولا سيّما في ما يتعلّق منها بالتمييز المُجْحِف بين الرجل والمرأة، فننبذ كل ما يتعارض مع فكر المسيح من أجل تكوين بيت مثاليّ وكنيسة ناجحة ومجتمع راقٍ.