يرى البعض أن حصر طريق الخلاص بالإيمان الواعي في شخص يسوع المسيح وفدائه على الصليب هو أمر فيه الكثير من الظُّلم. ماذا يَحصل لمن لا يؤمن، أو لمن لا يستطيع أن يؤمن، وهو إنسان شريف ومُخْلص يسلك بتقواه وبحسب ما تعلّمه؟
يقول رونالد ناش في كتاب “هل يسوع هو المخلص الوحيد؟”:
“أدعو القارئ بأن يتأمل في حالة شاول الطرسوسي قبل تحوّله… هو لم يؤمن فقط أن الله موجود، بل كان يبحث عنه باجتهاد.
يوجد الكثير لنقوله عن غيرته الدينيّة. كان يهودي الجنس مجتهد اشترك باضطهاد وقتل أعداء الرب (أعمال 22). من اللائق أن نقرأ من جديد وصفَه الخاص لغيرته قبل التحوّل (أعمال 26 وفيلبي 3). مع أن شاول أرضى كلّ متطلبات المبادئ التي تقوم عليها نظريات عدم حصر الخلاص بالمسيح، كان حينها ما يزال خاطئًا هالكًا (1تيموثاوس 15:1).”
لا يمكن للبداية أن تكون إلا في تعريف صحيح للخلاص. فهل الخلاص هو أمل أو رجاء بمكان أفضل من الأرض بعد الموت، بناء على إيمان ما أو سلوك ما، أم هو عمليّة إنقاذيّة ضخمة يُنتشَل فيها الإنسان من تسلّط الخطية والشيطان عليه، للشركة مع الله التي تدوم إلى الأبد! إذا كان التعريف الصحيح للخلاص هو التعريف الثاني، وهذا ما تكرّر على صفحات الكتاب المقدس وعلى فم يسوع المسيح والرسل، فإن الغُموض يبدأ بالزوال. فتحديد طريق الخلاص لا يكون على مبدأ ما نستحسنه بُغية إيجاد أوْسَع فرصة للكثيرين، بل يُبنى على مبدأ يقول: من يستطيع أن يصنع خلاصًا كهذا؟ الخلاص هو شقّ طريق ليسلك الإنسان عليها للوصول للأمان. رغم وجود الكثير من الاقتراحات والنصائح والوعود فإنَّ واحدًا وحيدًا صنع خلاصًا كاملاً ودَعا الإنسان إليه.
إذا سلّمنا جدلاً أن الإنسان يستطيع أن يخلُص بسبب جهله، فعلينا أن نُسَلِّم هنا بأن الجهلَ صنعَ خلاصًا وإنقاذًا للإنسان! وإذا سلّمنا جدلاً أن الأعمال الصالحة تَصلُح بأن تكون سبب خلاص الإنسان، علينا أن نُسَلِّم أيضًا بأنه لا داعي لأن يموت المسيح على الصليب بتاتًا، إذ توجد طريق أسهل وأوسع. إن الحصرية تمنع التزوير والتلاعب والتجارة، وما أكثرها في عالم الدين والإيمان! الحصرية تضمن الجودة وتُسَهّل إيجادها. فالحصرية مفروضة لأن الخلاص هو خلاصه ومِن صُنعه وحده.
ماذا يتوقّع الإنسان الغريق في بحر الظلام والشر والضعف في هذا العالم من الله، عندما يصرخ إليه مُتألّمًا مُحتارًا؟ هل يتوقّع أن يطلب منه الله تنفيذ لائحة بالمطالب والشروط حتى يُخلّصه؟ هل يتوقّع أن يطلب منه الله أن يحاول إنقاذ نفسه، أو يطلب منه إيجاد وسيلة للخلاص؟ أليس من الطبيعي والبديهي والمنطقي أن يأتي الله القدير المحب ليُنقذه ويُخلّصه؟ أليس حَصْرِها فيه هو لتأكيدها، وضمانها ولاستحالة نجاحها بدونه؟
يرى البعض صعوبة كبيرة بالقول إنه لن يخلص أحد إلا بالمسيح يسوع. بالمقابل يرى البعض الآخر صعوبة أكبر بالقول بأنه يوجد طرق ووسائل أخرى للخلاص بغير يسوع، عندما يقول هو بنفسه: “أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي.” (يوحنا 6:14). لا عيب في أن لا نفهم كل شيء، بل من الطبيعي أن تكون أفكار الله وحكمة الله أعمق وأبعد من أفكارنا وقدراتنا المحدودة، إنما العيب والخسارة الكبرى هي أن نُفَوِّت علينا فرصة خلاصنا الواضحة والصريحة والقريبة، ونضع رهاننا على غير المسيح ونظنّ أننا بإمكاننا أن نخلص بدون الإيمان به “لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنْتَ بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت.” (رومية 9:10)
التشابه الكبير بين الأديان
التبسيط والخلط وفقدان التمييز كان وما زال من العلامات الكثيرة للانحطاط وبداية الهلاك. صرّح إدوارد جيبون أنه أثناء انحدار وهبوط الإمبراطورية الرومانية، تمّ اعتبار كل الأديان متساوية في الحق بالنسبة للناس، متساوية في الخطأ بالنسبة للفلاسفة، ومتساوية في المنفعة بالنسبة للسياسيين.
إن التشابه بين الأديان يؤسس للحِجَج التي ترفض حصرية الخلاص المرتبطة بحصرية معرفة الحق بيسوع المسيح، وحصرية الإعلان الإلهي بالكتاب المقدس. هذا التشابه قد يُستخدم للتأكيد أن جميعها من صنع البشر وبالتالي هي متساوية، أو للتأكيد أن كل دين يمتلك نسبة ما من الحق وبالتّالي فيه المنفعة. فحتّى لا نستنتج ما هو غير صحيح بناء على وجود هذا التشابه، علينا أن نفهم سببه.
أولاً، التشابه هو بسبب قِدم الحقّ ووجود الإيمان الصحيح منذ بدء الخليقة. كان الله في شركة مع آدم وحواء ومع نسلهما المؤمن قبل أن يُكْتَبَ أي شيء، بما فيه التوراة. كانت الوصايا والشرائع والتعاليم والوعود وإلى ما هنالك تُعلّم وتُنقَل شفهيًّا من جيل إلى جيل. في الوقت المعيّن كتب موسى والأنبياء، كما ائتمن الرب شعبه القديم على هذه الكتب المقدسة التي قادهم لكتابتها وجمْعِها وحِفْظها. بعد أن تفرّقت وابتعدت قبائل وشعوب كثيرة كتبت وألّفت وهي تملك الكثير أو القليل من التراث الشفهي الذي كان معلومًا. فكل ما كُتب، أكان قبل أو بعد الكتاب المقدس، ومهما كان فيه من تشابه، لا يعني أكثر من أن أصحابه كان لديهم تصوُّر ما أو تحليل ما لما حصل فعلاً. مثالاً على ذلك هو القصص القديمة التي تتحدّث عن فيضان كبير.
ثانيًا، عمل إبليس وأعوانه منذ البداية على التزوير والتقليد والتحوير. هم يمتلكون معرفة كبيرة عن الحقائق الإلهية والتاريخية، وعندما يعملون على الضلال يستخدمون معرفتهم وذكاءهم. للنجاح، يجب أن يكون المزوَّر والمَغشوش شبيهًا بالأصيل بقدر الإمكان. إله هذا العالم وإله هذا الدهر الذي يعمل في أبناء المعصية هو ماكر وحكيم.
ثالثًا، يوجد تشابه بين الأديان والفلسفات الروحية كنتيجة طبيعية لتشابه الإنسان نفسه في حاجاته وعقله وضميره ومُشاهداته. فالطبيعة والمنطق والمشاعر مُتشابهة عند البشر. عندما يخترع الإنسان، حتى ولو بدون تأثير إبليس، يُعبِّر ويَصِف ويتأمّل بنفس الأسلوب وتحت الظروف والحاجات نفسها.
رابعًا، كان وما زال للإنسان عبر التاريخ الخيار بأن يقبل الحق كما هو أو يرفضه أو يُعدِّل فيه أو يجتزئ منه. هذا بالتأكيد يقود البشرية مع الوقت إلى إيجاد مفاهيم ورسائل وأديان وطرق للخلاص تُشبه طريق الرب.
هذه الأسباب وغيرها الكثير، تمنعنا من أن نُساوي بين إعلان الله الخلاصي الواضح والصريح للإنسان وبين الإعلانات المُشابهة، مهما كانت أوجه الشبه. بما أن هناك عمليّة تزوير وتضليل واجتزاء تُصبح التفاصيل هنا أهم من الأساسيات.
قرب الخلاص
كم من المجهود على الإنسان أن يَبذُلَ حتى يحصل على الخلاص؟ هل الصعوبة فعلًا هي في إيجاد الخلاص المجاني المحصور بالمسيح، أم أنه بالحقيقة هو الواقع الصعوبة في تخطّي الموانع الكثيرة التي تقف كعائق في طريق الإنسان، وتمنعه من أن يطلب الخلاص القريب؟
“اِلتَفِتوا إليّ واخلصوا يا جميع أقاصي الأرض، لأني أنا الله وليس آخر.” (إشعياء 22:45) هل ممكن أن يُخفي مخلّص العالم خلاصَه ويجعلُهُ صعبَ المنال على من يحتاج خلاصًا وإنقاذًا أصلاً؟ من مزايا الخالق المُحِبّ أن يكون قريبًا وواضحًا وصريحًا ولا يُطالب بالمستحيل. إنه العارف القلوب والسيد على كل الظروف. “الرب قريبٌ لكُلِّ الذين يَدعونَه، الذين يَدْعونَه بالحقّ.” (مزمور 18:145)
إننا نرى عيون الإيمان أمجاد الصليب كما نرى محبة المسيح الذي تألَّم من أجلنا نحن البشر حتى يقرّبنا إليه. أطاع المسيح وأحبّ خاصّته حتى الموت. عُلِّق على خشبة أمام الجميع وسفك الدم الزكي ونحن بعد خطاة. هذا يعني أن المسيح اقترَبَ وصنع الفداء ويدعو خرافه إليه بصوته الذي يعرفونه. من أقوال لوتزر عن المسيح: “لا يكفي أن نُحِبَّه. لا يكفي أن نُعجَبَ به ونقدِّره. يجب أن نثق بأن نسلِّم نفوسَنا له، نفوسَنا الأبدية. يوجد أنبياء كثيرون، لكن مخلِّصٌ واحدٌ.”
الله المُعلَن في الكتاب المقدس، الله المتجسِّد، الله الذي مَعَنا، أي الأقرب، هو وحده الذي يستطيع أن يُخلّص. نرى في سفر رؤيا يوحنا أن من كانوا يحتفلون في السماء بالخلاص يُدركون بالتمام من هو المخلّص بالتحديد “وهم يصرخون بصوتٍ عظيمٍ قائلين: الخلاص لإِلهنا الجالِسِ على العَرْشِ ولِلْحَمَلِ.” (رؤيا يوحنا10:7)
الخلاص مرتبط بهوية الله وصفاته الفريدة، إذ هو وحده مركز الخلاص ومصدره أصلاً.
“وهذه هي الحياة الأبدية: أن يعرفوك أنت الإله الحقيقيّ وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته.” (يوحنا 3:17)