يأتي فجأة ويأخذ صاحب البيت على غفلة، وهذا هو السر في نجاح السارق في مهمته. وكثيراً ما استخدم المسيح صورة اللص ليتحدّث عن مجيء شخص على غفلة منا، ولذلك فإنه يطالبنا أن نسهر حتى لا ندخل في تجربة. وأودّ أن نتأمّل في فجائية مجيء التجربة علينا.
اولا: التجربة في حالة الإجهاد والتعب
تأتينا التجربة في وقت غير متوقّع من جانبنا، فتجدنا فريسة سهلة ونسقط بغير مقاومة. ولكي نتدارك أمرنا، ولكي نكتشف متى يجدنا الشيطان في غفلة من أمرنا، دعونا نرجع للكتاب المقدس لندرس تاريخ قوم مثلنا، كانوا غافلين وهاجمهم الشيطان.
أول حالة يجدنا فيها الشيطان فريسة سهلة، يفاجئنا فيها بالخطية، هي حين نكون متعبين. ولعلّنا نستطيع أن نجد مثالاً لذلك في ”عيسو“. فقد كان رجل صيد قوياً، قضى يوماً في صيد مضن متعب، فشعر بالتعب والجوع والعطش، وجعل يحدّث نفسه عن رجوعه للبيت ليجد راحة وطعاماً وشراباً. ودخل عيسو البيت متعباً جائعاً، وإذا به يشتمّ رائحة طعام كان أخوه يعقوب يعدّه – لم يكن الطعام أكثر من عدس – لكن رائحته كانت في أنف عيسو الجائع أزكى من أي طعام آخر. في حالة التعب والجوع والإجهاد فوجئ بتجربة لم تكن على باله، وكان الثمن باهظاً. طالبه أخوه أن يبيعه البكورية مقابل الأكلة، فاشترى طبق العدس بثمن غال جداً.. ببكوريته!
ولو كان عيسو على غير هذه الحالة من الإجهاد، لما وجد في العدس تجربة مفاجئة له تسقطه هذه السقطة، لكن بسبب إجهاده وجوعه فضّل هذه الأكلة على البكورية.
لعلّنا نتذكّر نصيحة الله لشعبه: ”اذكر ما فعله بك عماليق في الطريق عند خروجك من مصر. كيف لاقاك في الطريق وقطع من مؤخرك كل المستضعفين وراءك، وأنت كليل، ومتعب ولم يخف الله“ (تثنية 17:25-18). لقد انتهز فرصة تعبك وإجهادك وعرف أنه في هذه اللحظة يمكنه أن يدخل قلبك، وهذا ما يفعله الشيطان معنا.
كما نقرأ أيضاً عن الخطة التي وضعها أخيتوفل لينتصر على داود، ولم يكن أخيتوفل يتمتّع بقوّة يستطيع بها أن ينتصر على داود، فهو أضعف وأقلّ مقدرة منه. ”وَقَالَ أَخِيتُوفَلُ لأَبْشَالُومَ: دَعْنِي أَنْتَخِبُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ رَجُل وَأَقُومُ وَأَسْعَى وَرَاءَ دَاوُدَ هذِهِ اللَّيْلَةَ، فَآتِيَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُتْعَبٌ وَمُرْتَخِي الْيَدَيْنِ فَأُزْعِجُهُ، فَيَهْرُبَ كُلُّ الشَّعْبِ الَّذِي مَعَهُ، وَأَضْرِبُ الْمَلِكَ وَحْدَهُ“ (2صموئيل 1:17-2). هذه خطة الشيطان في كل زمان.
ونحن متعبون، يسهل على الشيطان جداً أن يهاجمنا.. ألسنا نلقي باللائمة على متاعبنا حين نخطئ، حين نفقد السيطرة على أعصابنا، ونحتدّ على من حولنا؟ ولما يعاتبوننا يقول كل منا: ”كنت متعباً، لم أستطع أن أكتم غيظي أو أتحكّم في أعصابي“.
يدخلنا الشيطان في دوامة الحياة في أعمال متعاقبة (هذه الأعمال ليست شراً) ولكنها تشغلنا وتكدّنا وتتعبنا. حتى العمل في كرم الرب يمكن أن يكون وسيلة تلحق بنا التعب، فيأتي إلينا الشيطان ليجرّبنا… أحياناً كثيرة يكون خادم أو واعظ قد أُجهد في خدمات متكررة في يوم واحد، وإذا به لا يجد وقتاً للحديث مع عائلته، فيسكتهم إن أرادوا أن يتحدّثوا إليه، ويتعلّل بأنه متعب بعمل الرب. ولكن، متى كان عمل الرب سبباً في ضيق صدرنا؟!
ثانيا: التجربة في حالة الفرح والبهجة
والحالة الثانية التي يأتينا فيها الشيطان على غرة هي في حالة البهجة. ولعلنا نجد مثالاً لذلك في هيرودس عندما كان يحتفل احتفالاً عظيماً، والطرب والرقص في كل مكان. ودخلت ابنة هيروديا لترقص، ووعدها أن يعطيها كل ما تطلب حتى إلى نصف المملكة. وطلبت الفتاة رأس يوحنا المعمدان. ولأن الرجل ظن نفسه شريفاً، ولا بد أن يحفظ القسم، قدّم لها ما طلبت – رأس يوحنا المعمدان. لم يتوقّع منها أن تطلب هذه الطلبة، فجاءه هذا الطلب على غفلة منه وهو في قمة الفرح والبهجة.
ألم نسمع عن أفراح وأعياد فيها يتنازل المسيحيون عن مبادئهم، فيمكنهم أن يستمتعوا بالكؤوس ويشربوا الخمر، لأنه فرح أو حفلة، ومن حقهم أن يفرحوا… فقد شرب كثيرون الخمر لأول مرة في أفراح مثل هذه، ولم تكن هي المرة الأخيرة، وإذا بهم يدمنون الخمر فيما بعد. لعل هذا يعطينا تفسيراً للمزمور 11:2 الذي يقول: ”اعبدوا الرب بخوف واهتفوا [أي افرحوا] برعدة. حين تفرحون كونوا على حذر، لأنه حين تفرحون وتبتهجون يأتيكم الشيطان على غفلة منكم فتسقطون. وما أكثر أولاد هيرودس في هذا الزمان، الذين في أفراحهم يكسرون كل الوصايا ويسقطون فريسة أمام الشيطان.
ثالثا: التجربة في حالة الكآبة والفشل
هناك حالة ثالثة يجدنا فيها الشيطان هدفاً سهلاً، هي حالة الفشل والكآبة. ولعل بطرس تلميذ المسيح مثال لذلك، فقد عاش مع المسيح ثلاثة أعوام وعلى قرب منه، ولكنه فوجئ بالمسيح يسلَّم للقادة ورؤساء الكهنة ويُحكم عليه بالصلب. يا لخيبة الأمل! عاش في كآبة في تلك اللحظات. وفيما هو في هذه الحالة من الكآبة والحزن كان سهلاً على الشيطان أن يسقطه. جاءته جارية وقالت: ”أنت منهم!“ وحلف ولعن لكي يؤكد أنه لا يعرف المسيح، فسقط بطرس وهو في حالة خيبة أمل وفشل. وما أكثر أولاد بطرس في هذا الزمان!
ما أكثر ما نفشل ويخيب أملنا في شخص نحترمه ونقدّره، أو في مشروع عمل كنا نضع آمالنا فيه وإذا بالمشروع قد فشل وخسرنا خسارة كبيرة. وهنا يسهل على الشيطان أن يدخل قلوبنا، وتأتينا الخطية – نظنها على غفلة – لكنها تأتينا بتدبير محكم من الشيطان وإذا بنا كرب البيت الذي ترك بيته يُنقب ولم يسهر ليمنع السارق من الدخول.
رابعا: التجربة في حالة الانتصار
تأتينا التجربة أيضاً بعد الشركة الروحية والاختبار الكبير. ولعلّ المثل الواضح في ذلك هو إيليا الذي قتل أنبياء البعل جميعاً، وأعلن أمام الشعب أن الرب هو الله، ونزلت النار والتهمت الذبيحة التي قدمها، ولكنها لم تنزل على ذبيحة أنبياء البعل. انتصار عظيم… بعده مباشرة نقرأ عن إيليا مهزوماً… هارباً… يائساً يطلب من الله قائلاً: ”خذ نفسي لأنني لست خيراً من آبائي“.
انتصر بطرس على بقية التلاميذ وعلى الجميع حين قال للمسيح: ”أنت هو المسيح ابن الله الحي“. وامتدحه المسيح وقال له: ”إن لحماً ودماً لم يعلن لك، لكن روح الله هو الذي أعلن لك هذه الحقيقة، ”وعلى هذه الصخرة – صخرة الإيمان بأني أنا المسيح ابن الله الحي – أبني كنيستي“. بعدها مباشرة سقط بطرس وقال للمسيح: ”حاشاك يا رب أن تُصلب“. وقال له المسيح: ”اذهب عني يا شيطان لأنك تهتم بما للناس وليس بما لله“.
حين نكون في انتصار أو في اختبار روحي عظيم تأتينا الخطية على غفلة، لأننا نظن أننا محصّنون.
للتجربة مقدّمات
ولكن ما من خطية بلا مقدّمات أو بلا تاريخ. ولو أن الشيطان جاءنا ولم يجد في قلوبنا تجاوباً لما انتصر علينا.
رأينا أمثلة لقوم سقطوا على غفلة كعيسو الذي لم تأته الخطية بصورة فجائية. كان عيسو لا يكترث كثيراً بأخيه يعقوب، وكان مغروراً بقوته وقدرته، يحتقر إمكانيات أخيه. هذا هو الأساس الذي بنى عليه الشيطان تجربته لعيسو.
ونأتي لهيرودس. نعم جاءه طلب ابنة هيروديا مفاجأة له، لكننا نعلم أنه لم يكن يحب يوحنا المعمدان، لأن يوحنا كان يبكّته ويقول أن ليس له الحق في زوجة أخيه. كان في قرارة نفسه يتمنى أن يتخلّص من يوحنا المعمدان، وإن كان الطلب قد جاءه فجائياً إلا أنه وجد تجاوباً في نفسه فسقط هيرودس.
أما بطرس فجاءته التجربة على غفلة وهو في مرحلة، حين كان يقول لنفسه: ”إن المسيح قد فشل في رسالته. بعد أن تركت الشباك وتبعته – كيف أواجه الناس وأعود خائباً لأن سيدي قد فشل؟ ولما جاءته الجارية وسألته: ”أنت من أتباع ذاك؟“ وجدها فرصة ليعلن – ولو عن غير وعيٍ منه – ما يكنّه في داخله: ”أنا لا أعرفه“.
ما من خطية تأتينا فجائية، لكننا نحن الذين نجهّز نفوسنا للتجربة، وإن كنا لا ندري. ليتنا نعيش ساهرين حتى وإن جاءنا الشيطان فجأة، فإنه لن يستطيع أن ينتصر علينا.
إن فجائية الخطية لا ترفع عنا المسؤولية، فالغفلة من جانبنا هي تفكير في الخطية وتمهيد للسقوط. ونحن لا نستطيع أن نتنصّل من المسؤولية بدعوى أن التجربة جاءتنا على غفلة منا.
الجوع الذي أحسّ به عيسو ليس خطية، والفرح ليس خطية، والكآبة ليست خطية وقد تكون مرضاً. وقد يقول قائل: هذه كلها أدخلت صاحبها في الخطية. أية مسؤولية على…؟ المسؤولية أنه لم يكن ساهراً، ولم يعرف أن يعيش في شركة مع المسيح تدفع عنه فجائية الخطية.
قبل أن يكون لنا ولاء للأهل أو للعمل، ليكن ولاؤنا الأول للمسيح وحده، حتى حين يأتينا المجرّب بالتجربة لا يجدنا غافلين بل ساهرين. لنكن مكرسين له، لا نترك جزءاً غير مزروع بنعمة الله في حياتنا، لأن هذا الجزء غير المزروع تنبت فيه السموم والأشواك التي تقتل النباتات الجميلة في حياتنا ستهاجمنا الخطية من أي جزء في حياتنا غير مكرّس للمسيح.
دعونا نعيش في سهر دائم حتى لا يفاجئنا اللصوص.