ثلاثة ثعالب صغيرة

“خذوا لنا الثعالب، الثعالب الصغار المفسدة الكروم” (نشيد الأنشاد 15:2)

لا يخفى على القارئ العزيز أن الثعالب الصغيرة لا تبقى صغيرة على مدى الزمن ولكنها تنمو كل يوم. وإذ هي تفسد الكروم تصبح ثعالب كبيرة. أما الثعالب التي نتكلم عنها في هذا المقال فهي لا تنمو فقط، بل أيضاً تتحوّل إلى وحوش مفترسة فتّاكة. والكروم بلا شك تشير إلى حقل الخدمة – خدمة الرب كما هو واضح من أمثال المسيح في الإنجيل. هناك أنواع كثيرة من الثعالب المفسدة للكروم، ولكننا سنكتفي بالكلام عن ثلاثة أنواع من الثعالب التي سبّبت أضراراً كثيرة لبعض خدام الرب.

ثعلب الخطايا الجنسية

الثعلب الأول هو الخطايا الجنسية، فهي تقضي تماماً على نجاح الخدمة، كما أنها تقطع شركة الخادم مع الرب، وتجلب عاراً على اسم الرب وعلى جماعة المؤمنين. لذلك حين أعطى الرسول بولس نصائحه لابنه في الإيمان تيموثاوس، أخبره كيف يتعامل مع الشيوخ كآباء له، ومع الأحداث كإخوة، ومع العجائز كأمهات، ومع الحدثات ”كأخوات بكل طهارة“ (انظر 1تيموثاوس 1:5-2). حقاً قال سليمان عن الزانية وخطية الزنا: ”لا يمل قلبك إلى طرقها، ولا تشرد في مسالكها. لأنها طرحت كثيرين جرحى، وكل قتلاها أقوياء“ (أمثال 25:7-26)، ولعله رأى عواقبها في تاريخ داود أبيه والمصائب التي حلّت عليه وعلى عائلته. ومع أن المؤمن قد يستردّ شركته مع الرب متى اعترف بخطيئته بندم وحزن شديدين وتعهّد من قلبه أن يكون حريصاً فيما بعد، لأن له الوعد الكتابي: ”إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم“ (1يوحنا 9:1)، إلا أنه من جهة صلاحيته للخدمة فإنها تعرّضه للضرر الذي قد يلازمه إلى النهاية. لذلك قال الرب يسوع المسيح: ”قد سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تزنِ. وأما أنا فأقول لكم: إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها، فقد زنى بها في قلبه“ (متى 27:5-28). فالنظرة التي تؤدي إلى الشهوة هي أول خطوة في الطريق المنزلق، ”ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية، والخطية إذا كملت تنتج موتاً“ (يعقوب 15:1). والتاريخ يثبت هذه الحقيقة؛ فهي مأساة أصابت بعض خدام الرب، فقضت على صلاحيتهم للخدمة.

الاهتمام بالمادة أو محبة المال

الثعلب الثاني هو الاهتمام بالمادة أي محبة المال. نشكر الله من أجل خدام الرب الذين خدموه بأمانة وبإيمان واثقين أنه هو يسدد حاجاتهم. لا شك أن المؤمنين مسؤولون عن العناية المادية بخدام الرب، ”لأنهم من أجل اسمه خرجوا وهم لا يأخذون شيئاً من الأمم“ (3 يوحنا 7). ولكن خادم الرب عليه أن يخبر الرب باحتياجاته. عرفت واحداً من خدام الرب قال له أحد المؤمنين بنية حسنة: ”هل أنت في احتياج مادي؟ أخبرني إن احتجت“. فأجابه خادم الرب: ”لا يا أخي، إذا احتجت فلن أخبرك أنت بل سأخبر الرب“. هناك كثيرون في أيامنا هذه ممن يظنون أن التقوى تجارة. نحن لا نتكلم الآن عن هؤلاء المدّعين أنهم خدام الرب ولكنهم في الحقيقة ”لا يخدمون ربنا يسوع المسيح بل بطونهم. وبالكلام الطيب والأقوال الحسنة يخدعون قلوب السلماء“ (رومية 18:16)، ولا نتكلم عن الذين يقدمون مواعظهم كلها لكي يحصلوا على أموال واعدين الناس بالصحة والرفاهية والغنى، وإنما نتكلم عن الخدام الحقيقيين الذين يريدون خلاص النفوس وبنيان المؤمنين. هؤلاء يجب أن يكونوا حريصين ضد الاهتمام بالمادة، بل أن يكونوا حريصين على عمل إرادة الرب الذي وعد أن يسدد حاجاتهم. فلا يبحثون عن مجال الخدمة الذي يوفّر لهم دخلاً مالياً كبيراً، بل لسان حالهم: ”هأنذا أرسلني“، واثقين أن الرب الذي يرسلهم إلى حقل الخدمة هو الذي وعد قائلاً: ”لا أهملك ولا أتركك“. كم من التعزيات والأفراح ننالها حين نقرأ عن سِيَر رجال الله الذين ”تركوا كل شيء وتبعوه“، مثل هدسون تايلور في الصين، وويليام كاري في الهند، وروبرت موفات، ودافيد لفنجستون في أفريقيا، وبنيامين بنكرتون في الشرق الأوسط، وغيرهم كثيرون. هؤلاء لم تستطع الثعالب الصغيرة أن تفسد كرومهم. لنتذكّر قول المسيح ”لا تقدرون أن تخدموا الله والمال“.

الذات وحب الظهور

الثعلب الثالث هو أخطرهم جميعاً لأنه يبدو صغيراً وبريئاً، بل لطيفاً يحلو للطبيعة البشرية، ولكنه مفسداً للكروم. هذا الثعلب الثالث هو الذات، هو حب الظهور والرغبة في مديح الناس. هو لئيم وخبيث جداً، فهو لا يتكلم كلاماً رديئاً قبيحاً وإلا لكان من السهل اكتشاف حقيقته. بل يتكلم بلغة التقوى وقد يقتبس كثيراً من الكتاب المقدس، لا يريد أن يشوّه سمعته، وهو مثابر ولجوج، يحاول بكل الطرق أن يجعل المؤمن، ولو بكلمة أو تلميح خفيف، أن يلفت النظر إلى نفسه وإلى تقواه أو سخائه أو خدماته. يريد أن يعمل اسماً لنفسه بدل أن يعظّم اسم يسوع الذي هو فوق كل اسم، والذي وحده يستحق الإكرام والتعظيم، إذ ”ليس لعظمته استقصاء“. فقد يقول كلمة ليستنتج الناس أنه رجل صلاة، قد يقولها بتواضع ظاهري ولكن وراءها الكبرياء. قد يذكر أن الرب ساعده في ربح نفوس لكي يُعجب به الآخرون. هذا لا يعني أن كل من يخبر بما عمله الرب بواسطته هو شخص غير مخلِص في حديثه لأن الرب يعرف القلوب، ولكن إذا قلنا أو عملنا شيئاً ليمدحنا الناس لا بد أن ينطبق علينا ما قاله الرب يسوع المسيح في موعظته على الجبل: ”الحق أقول لكم: إنهم قد استوفوا أجرهم“ (متى 2:6). وهذا يذكرنا بما قاله المسيح في نفس المناسبة: ”وأما أنت فلا تعرِّف شمالك ما تفعل يمينك“، وأيضاً ”فلا تصوّت قدامك بالبوق كما يفعل المراؤون في المجامع والأزقّة لكي يُمجَّدوا من الناس“. هذا هو سرّ الداء – الرغبة في مديح الناس – وهو أمر خطير ومضرّ ومفسد للكروم. وسببه عدم الإيمان الذي ينظر إلى المستقبل، إلى اليوم الذي فيه سيكافئ الرب خدامه الأمناء. قال الرب يسوع المسيح موبِّخاً لليهود الذين لم يؤمنوا: ”كيف تقدرون أن تؤمنوا وأنتم تقبلون مجداً بعضكم من بعض، والمجد الذي من الإله الواحد لستم تطلبونه“ (يوحنا 44:5). ليتنا جميعاً، الكاتب والقارئ، نكون حريصين متيقّظين لكيلا تفسد هذه الثعالب كرومنا، بل نصغي إلى النصائح الإلهية ونطيعها.

بخصوص الثعلب الأول: ”اهربوا من الزنا“ (1كورنثوس 18:6).

بخصوص الثعلب الثاني: ”وأما أنت يا إنسان الله فاهرب من هذا [محبة المال]“ (1تيموثاوس 11:6).

بخصوص الثعلب الثالث: ”اهربوا من عبادة الأوثان [وأخطرها الذات]“ (1كورنثوس 14:10).

https://www.vopg.org/

9 thoughts on “ثلاثة ثعالب صغيرة”

  1. يا رب احمينا من الثعالب الخطية واحمينا من فخ ابليس
    ربنا يباركم

  2. ربنا يبارك كلماته ونصلي كي يحمينا من فخاخ ابليس

  3. Fisher Man

    موضوع مهم وعلينا ان نكون حذرين من الثعالب الصغيرة الخطيئة وتبعاتها

    ربنا يباركم

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *