ما هي نظرتك إلى الحياة؟ ما هي فلسفتك في الحياة؟ ما هي توقعاتك في هذه الحياة؟
يستهل الوحي المقدس سفر أيوب بهذه الكلمات: ”كان رجل في أرض عوص اسمه ايوب، وكان الرجل كاملاً ومستقيماً يتقي الله ويحيد عن الشر، ووُلد له سبعة بنين وثلاث بنات… كان هذا الرجل أعظم كل بني المشرق“ (أيوب 1:1-3).
هذا الرجل، التقي، المسرور بأولاده، الغني بماله، العظيم في قومه، بعد أن اختبر الحياة بحلوِّها ومرّها، عبّر عن رأيه في الحياة فقال: ”أليس جهاد للإنسان على الأرض وكأيام الأجير أيامه؟“ (أيوب 1:7). وأضاف: ”الإنسان مولود المرأة قليل الأيام وشبعان تعباً“ (أيوب 1:14).
وليوحنا الحبيب نظرته إلى الحياة فيقول: ”لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظّم المعيشة… والعالم يمضي وشهوته“ (1يوحنا 16:4-17). أما داود وآباء كثيرون يرون أن الحياة غربة، فقال: ”غريب أنا في الأرض، لا تخفِ عني وصاياك (مزمور 19:119). وهناك من يقول: لنأكل ونشرب لأننا غداً نموت.
عفواً أيها القارئ الكريم، فإن المجال لا يتسع لنعرض رأي الفلاسفة والعلماء في ماهية الحياة، بل أحصر كلامي في دائرة الكتاب المقدس، لذلك أذكر في هذه السلسلة أربع شخصيات كتابية لكل منهم فلسفته ونظرته في الحياة، أبدأها في هذه الحلقة.
أولاً: نظرة الغريب المتألم
هناك رجل شيخ جليل، اختبر الحياة في حلوها ومرّها، وقف – يعقوب – منحنياً ومقوّس الظهر يستند على عكازه ويساعده ابنه المحبوب يوسف للانتصاب أمام فرعون ملك مصر، ويخيّل إليّ أن فرعون عندما رآه على هذه الحالة، والشيب غطى رأسه وزيّن لحيته الطويلة، وعاين بنيته الهزيلة، سأله هذا السؤال: ”كم هي سني حياتك؟“ وأتخيّل أيضاً أن يعقوب صمت قليلاً مفكراً ثم قال: ”أيام سني غربتي مئة وثلاثون سنة قليلة وردية كانت أيام سني حياتي ولم تبلغ إلى أيام سني حياة آبائي في غربتهم“ (تكوين 8:47-8).
وأتخيّل الحوار الذي جرى بين فرعون ويعقوب إذ قال فرعون: يا أبا يوسف، كيف تقول إن أيامك قليلة وردية، وأنت الذي أنجبت يوسف البطل العظيم الذي أنقذ حياة مصر والبلاد المجاورة من المجاعة العظيمة، أنت رجل عظيم، ولك هذا الابن العظيم، فإن هذا الشبل من هذا الأسد.
وهنا ابتسم يعقوب وانفرجت أساريره وقال لفرعون:عش أيها الملك، إن قصتي مع الحياة أليمة، واختباري مع الأيام طويل، وقد اختصرته لسموّك في هذه الكلمات: غربة قليلة وأيام رديّة. وهنا قال فرعون: يا أبا يوسف، اشرح لي قصتك واختبارك. وهنا استطرد يعقوب قائلاً: لقد عشت غربة مرة لأكثر من عشرين سنة عند خالي لابان… قاسيت فيه آلاماً كثيرة. هناك صُدمت عدة صدمات قاسية، وجُرحت في أعماق نفسي بجروح عميقة لا زلت أعاني منها حتى الآن. زواجي من ليئة بدلاً من راحيل التي أحببتها كانت صدمة بالغة الأثر في قلبي، وعندما تزوجت راحيل، فوجئت أنها لا تنجب كأختها ليئة، وقد عانيت لسنين حتى جاد الرب علينا بالابن الأول منها، يوسف! ولم تكتمل الفرحة طويلاً فماتت راحيل عند ولادتها بنيامين الابن الثاني لها. وهنا توقف يعقوب قليلاً عن الكلام وتنهّد وأكمل حديثه وقال: أما ظلم خالي لابان لي فكان صدمة لم أتوقّعها، فقد غيّر أجرتي عشرة مرات. أما الصدمة العظمى التي كادت أن تقضي على حياتي فهي عندما أحضر أولادي قميص يوسف الملوّن ملوّثاً بالدماء وقالوا لي: قد وجدنا قميص يوسف ويبدو أن وحشاً رديئاً قد افترسه. هذا أحنى ظهري وأضعف بصري. وماذا أقول عما رأيته في صباي من خلافات طاحنة بين أبي إسحق وأمي رفقة بسبب تربيتنا أنا وأخي عيسو مما نتج عنه أمور مرّة في حياتي، دفعتني للخداع والكذب. فاغتصبت البكورية والبركة من أخي، فتسبّب هذا في تركي البيت وهروبي إلى بيت خالي لابان. أعتقد يا جلالة الملك هذا يكفي أن يبرهن عن صدق ما قلته لك. إن حياتي غربة وأيامي رديئة.
قارئي الكريم، إنني أعتقد أن نظرة يعقوب للحياة كانت نظرة صادقة، فهو الغريب المتألم. فهذه حقيقة لا نستطيع أن ننكرها. فالاختبار والأيام يؤكدان أن الحياة تعب، ومشقة، وصعاب، وضيقات، وآلام متنوّعة، أمراض وأحزان، ومشاكل وقضايا وحروب وموت واضطهاد، إلخ…
لكن أخي وأختي، تختلف النظرة إلى الألم من شخص إلى آخر، فبالنسبة للمؤمن المستند على الرب في كل حين، يرى في الألم بركة، تدريب وتعلّم، تهذيب، وتقويم، وتنقية، وتطهير، شهادة ورسالة للآخرين، اقتراب أكثر من محضر الله في الصلاة. يقول الرسول بولس في (2كورنثوس 7:4-10): ”ولكن لنا هذا الكنز في أوان خزفية ليكون فضل القوة لله لا منا، مكتئبين في كل شيء لكن غير متضايقين. متحيّرين لكن غير يائسين. مضطهدين لكن غير متروكين. مطروحين لكن غير هالكين. حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع لكي تظهر حياة يسوع في جسدنا“.
ومعنى هذا أن الألم في حياة المؤمن بركة ورجاء وتعزية وثقة أكثر في الرب. أما بالنسبة للأشرار الخطاة، فإن الألم يأس وبؤس، اكتئاب وتشاؤم، تذمّر وتبرّم، سخط وغضب، ظلم وكفر، وقد يقودهم إلى التخلص من الحياة بالانتحار.
أغنى أغنياء إيطاليا، عميد أسرة ”إنيللي“ التي تمتلك شركة سيارات ”فيات“ في مدينة ”تورينو“، وهو في الثمانين من عمره، وقد ورث من أبيه الكثير، وأضاف الكثير جداً إليه. كان له ولد مدلّل تخصّص في الآداب الأفريقية والآسيوية، رفض أن يكون له مكتب في إمبراطورية أبيه، وأدمن على كل أنواع المخدرات. اعتقلوه في نيروبي بتهمة إحراز الهيروين، وفي إحدى الليالي استدعى البوليس والده ليدلّهم إن كانت الجثة التي وجدوها في النهر لابنه، وقد كانت. وقبل ذلك بثلاث سنوات كان قد انتحر الابن الوحيد لأخيه. وتلفّت الغني إلى حفيده الذي يدرس في باريس ليكون الوريث الوحيد لألوف الملايين، لكنه رفض أن يترك دراسته وعيادة الطب النفسي من أجل الإمبراطورية العظمى لجده. طلب هذا الرجل الغني من الطبيب أن يساعده أن يبكي فلم يجد دموعاً يذرفها، ودفع الملايين ولم يستطع أن يذرف دمعة واحدة. وفجأة أعلنت الصحف قوله: اليوم أمشي حافياً على الشوك كأفقر الفقراء!!!
هل تأملت عزيزي ما هي الحياة؟
الحاجة هي إلى شخص يستطيع أن يضمن لك حياة سعيدة هنا، وحياة أبدية في النهاية. إنه الرب يسوع المسيح المخلص الوحيد الذي يحوّل تعبك إلى راحة، ودموعك إلى فرح، وآلامك إلى بركة، ويحمل كل همومك. فسلّم له الحياة بالكامل وألقِ عليه كل همومك واتكل عليه.