الحريتــــان

في بداية هذه الرسالة أذكر الآيات التالية:

“أجابهم يسوع: [الحق الحق أقول لكم: إن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية… فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً]” (يوحنا 34:8 و36).

“فقال يسوع لليهود الذين آمنوا به: [إنكم إن ثبتّم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي، وتعرفون الحق والحقّ يحرّركم]”

(يوحنا 31:8-32).

تتحدّث هذه الآيات المنيرة عن حريتين:

اولا: حرية من عبودية الخطية

كلام المسيح في غاية الوضوح: “إن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية… فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً” (يوحنا 34:8 و36).  وقد قال بطرس الرسول: “لأن من انغلب منه أحد فهو له مستعبد أيضاً” (2بطرس 19:2). ويحيط بنا ملايين الناس، الذين يدّعون أنهم أحرار، وهم يرزحون تحت عبودية الخطية.

وتعني الخطية “التعدّي” على وصايا الله.. عصيان كلمة الله.. وتعني كذلك الأفكار الآثمة عن الله، والإنسان، والحياة.

وقد تكون أنت من “الأحرار” اجتماعياً.. وأنت في ذات الوقت عبد للخطية.. لا تستطيع التحرّر منها.

قد تكون عبداً للمخدرات.. أو المسكرات.. أو التدخين.. أو الشهوة الجنسية.. وهذه العبودية تقيّدك بقيود حديدية.

نقرأ في سفر الأمثال عن المستعبد للمسكرات: “لمن الويل؟ لمن الشقاوة؟ لمن المخاصمات؟ لمن الكرب، لمن الجروح بلا سبب؟ لمن ازمهرار العينين؟ للذين يدمنون الخمر، الذين يدخلون في طلب الشراب الممزوج. لا تنظر إلى الخمر إذا احمرّت حين تُظهر حِبَابَها في الكأس وساغت مرقرقة. في الآخر تلسع كالحية وتلدغ كالأفعوان. عيناك تنظران الأجنبيات وقلبك ينطق بأمور ملتوية. وتكون كمضطجع في قلب البحر أو كمضطجع على رأس سارية. يقول ضربوني ولم

أتوجَّع. لقد لكأوني ولم أعرف. متى استيقظ أعود أطلبها بعد!” (أمثال 29:23-35).

وما قيل عن استعباد الخمر للمدمنين عليها، يُقال عن مدمني المخدرات، والتدخين.. ويُقال أيضاً عن الغارقين في الشهوات الجنسية.

من يخلصك من هذه العبودية القاسية؟

يقول المسيح وهو الصادق في كلامه: “فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً”.. لقد حرر ويحرّر الكثيرين…

حرّر المرأة السامرية التي تزوّجت خمسة أزواج، وأخيراً عاشت مع عشيق من عبودية الشهوة الجنسية.

وحرّر زكا رئيس محصّلي الضرائب من عبودية محبة المال.

ويقول بولس الرسول عن هذه الحرية من عبودية الخطية التي يمنحها المسيح لمن يؤمن به ويتطهّر من خطاياه بدمه: “لا تضلوا! لا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون ولا مأبونون ولا مضاجعو ذكور، ولا سارقون ولا طماعون ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله. وهكذا كان أناس منكم. لكن اغتسلتم، بل تقدستم، بل تبررتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا” (1كورنثوس 9:6-11).

فهل آمنت بالرب يسوع المسيح، واختبرت الحرية من عبودية الخطية؟

ثانيا: حرية من عبودية الفلسفات، والديانات، والتقاليد الإنسانية

عندما أقام الرب يسوع لعازر من بين الأموات، “صرخ بصوت عظيم: [لعازر، هلمّ خارجاً]. فخرج الميت ويداه ورجلاه مربوطات بأقمطة، ووجهه ملفوف

بمنديل. فقال لهم يسوع: [حلّوه ودعوه يذهب]”

(يوحنا 43:11-44).

لقد خرج لعازر من قبره، ونال حياة جديدة، لكن يداه ورجلاه كانت مربوطات بأقمطة ووجهه ملفوف بمنديل..

احتاج “لعازر” إلى الحرية الثانية.. وهي الحرية التي أقول عنها حرية من الفلسفات، والديانات، والتقاليد الإنسانية. وهذه الحرية الثانية لا يمكن اختبارها بكمالها إلا بالتعمّق في معرفة الحق، “وتعرفون الحق والحق يحرّركم” (يوحنا 17:11).

فلكي تختبر الحرية الثانية يجب أن تقرأ الكتاب المقدس، وتفهمه، وتتعمّق في معرفة الكنوز التي فيه.. وترفض كل ما يخالفه.

قال بولس الرسول إلى القديسين في كولوسي: “انظروا أن لا يكون أحد يسبيكم بالفلسفة وبغرور باطل، حسب تقليد الناس، حسب أركان العالم، وليس حسب المسيح” (كولوسي 8:2). وكلمة “يسبيكم” تعني “يستعبد عقولكم”.

وقال للقديسين في فيلبي: “وهذا أصليه: أن تزداد محبتكم أيضاً أكثر فأكثر في المعرفة وفي كل فهم، حتى تميّزوا الأمور المتخالفة، لكي تكونوا مخلصين وبلا عثرة إلى يوم المسيح” (فيلبي 9:1-10).

إذا أحببت الكتاب المقدس.. وقرأته بتدقيق وشوق إلى معرفة إعلاناته، فستميّز الأمور المتخالفة.. ستميّز الفرق بين تعليم الكتاب المقدس، وتعاليم وتقاليد الكنيسة

التي تتبعها.. وسيقودك الحق الإلهي المعلن في الكتاب المقدس إلى الحرية الكاملة من عبودية تقاليد الكنيسة وفلسفات الفلاسفة. ستجد نفسك كالنسر الذي كان حبيساً في قفص تقاليد وتعاليم الكنيسة المخالفة لكلمة الله، ثم انطلق ليطير في الأجواء العليا في أعالي الجبال.

لقد وبّخ المسيح بشدة الفريسيين المتمسكين بتقاليد الآباء، فتعال معي لتقرأ كلامه النقي الكريم

“واجتمع إليه الفريسيون وقوم من الكتبة قادمين من أورشليم. ولما رأوا بعضاً من تلاميذه يأكلون خبزاً بأيد دنسة، أي غير مغسولة، لاموا – لأن الفريسيين وكل اليهود إن لم يغسلوا أيديهم باعتناء لا يأكلون، متمسكين بتقليد الشيوخ. ومن السوق إن لم يغتسلوا لا يأكلون. وأشياء أخرى كثيرة تسلموها للتمسك بها، من غسل كؤوس وأباريق وآنية نحاس وأسرّة. ثم سأله الفريسيون والكتبة: [لماذا لا يسلك تلاميذك حسب تقليد الشيوخ، بل يأكلون خبزاً بأيدٍ غير مغسولة؟] فأجاب وقال لهم: [حسناً تنبأ إشعياء عنكم أنتم المرائين، كما هو مكتوب: هذا الشعب يكرمني بشفتيه، وأما قلبه فمبتعد عني بعيداً، وباطلاً يعبدونني وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس. لأنكم تركتم وصية الله وتتمسكون بتقليد الناس: غسل الأباريق والكؤوس، وأموراً أخر كثيرة مثل هذه تفعلون]. ثم قال لهم: [حسناً! رفضتم وصية الله لتحفظوا تقليدكم. لأن موسى قال: أكرم أباك وأمك، ومن يشتم أباً أو أماً فليمت موتاً. وأما أنتم فتقولون: إن قال إنسان لأبيه أو أمه: قربان، أي هدية، هو الذي تنتفع به مني فلا تدعونه في ما بعد يفعل شيئاً لأبيه أو أمه. مبطلين كلام الله بتقليدكم الذي سلمتموه. وأموراً كثيرة مثل هذه تفعلون]” (مرقس 1:7-13).

لقد أعلن المسيح بكلماته إن العبادة المؤسسة على تعاليم الناس عبادة باطلة، وإن التمسك بالتقاليد هو إبطال لكلام الله.

فإذا كنت في شوق للحرية الثانية، هات كتابك المقدس، وفتّش كلماته، وافهم ما يقوله عن معمودية الماء، وعشاء الرب، وشفاعة من ماتوا من القديسين، وحقيقة كهنوت المؤمنين، ومن هو الذي له سلطان الغفران، ومعنى الخلاص، والطريق الوحيد للحصول على الخلاص، والضمان الأبدي لخلاص المؤمن الحقيقي.. وكل ما يختص بهذه التعاليم.

ثم اعرف كيف تسلك السلوك الصحيح بعد أن تنال الخلاص. واسأل الرب أن يقودك إلى الأعمال الصالحة التي أعدّها لك لتسلك فيها (أفسس 8:2-9)، واسلك في هذه الأعمال.. ذلك لأن الأعمال الصالحة ليست هي أن تصوم جميع الأصوام، أو أن تعطي عطايا للفقراء والمحتاجين، أو أن تزور الأماكن التي تُدعى مقدّسة، وإنما هي أعمال الإيمان التي أعدّها لك الله كما أعدّها للمؤمنين في الأصحاح الحادي عشر من الرسالة إلى العبرانيين. فاقرأ كلمات هذا الأصحاح في مكانها.

أكرر في ختام حديثي إن هناك حريتين

حرية من عبودية الخطية يمنحها لك المسيح لحظة إيمانك به إيماناً قلبياً.

وحرية من عبودية التقاليد والتعاليم الكنسية والإنسانية، وهي حرية تنالها بدراسة الكتاب المقدس، دراسة فاهمة، وطاعة إعلاناته طاعة كاملة…

أصلي أن تتمتع بالحريتين.

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *