إن الكثيرين من إخوتنا في الديانات الأخرى يأخذون على المسيحيين بوصف السيد المسيح، له المجد، على أنه ابن الله معتبرين ذلك تأليهاً للإنسان ”يسوع“ الذي يعتبرونه أحد الأنبياء أو مجرّد إنسانٍ ليس إلا.
ورغم كل الأقاويل، فإن اعتراف كتبهم بالنواحي التي تفرّد بها شخصه الكريم عن بقية البشر، وآراء كبار فقهائهم تكفي وحدها لتجعل اعتراضهم هذا غير ذي موضوع، إن أرادوا أن يدرسوا تلك النواحي بإتقان وبأمانة الباحث المتفحّص للحقائق دون تحيّز أو تشيّع لما تمليه عليهم ظواهر عقيدتهم ومنطق بعض أتباعها!
إن البحث عن الحقائق اللاهوتية هو حق مشروع بل واجب مقدّس مفروض على كل إنسان عاقل ليس إنصافاً للحق فحسب وإنما لمنفعة نفسه بإخراجها من غياهب الجهل، ولاستجلاء طريقه حيث أنه مسؤول عن ذاته وعن حرية إرادته وقراراته لا سيما فيما يخصّ مصيره الأبدي. ”لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه، أو ماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه؟“ (مرقس 36:8-37).
والذين لم تُعلَن لهم هوية السيد المسيح إلا لماماً منعتهم من ذلك أسباب كثيرة شخصية، أو وراثية، أو تعليمية، ومعظمها تعصّبية، خوفاً من تأثير تلك الأفكار الجديدة على ولائهم لعقيدة لُقِّنت إليهم مع تحذيرات مشدّدة بعدم محاولة تفسيرها أو فهمها أو حتى التساؤل بشأنها!!! ولذا فيعسر عليهم حتى مجرّد البحث في حقائق أخرى أو مجرّد التحدّث عنها، إلا الذين قيّض الله لهم إعلاناً ساطعاً أو ضياء روحياً بقوة غير اعتيادية تزيح ستائر الظلمة وتُخرج خفيّاتها إلى نور الحقيقة!
ويحتدم الجدال أحياناً في الصحف والمنشورات أو في البرامج المسموعة والمرئية حول إمكانية ظهور الله في الكائنات، ومؤيدات ذلك في كتب الآخرين إلى ما هنالك من المشابهات والمقارنات التي لا طائل تحتها ولا يمكنها أن توصل الباحث في كتب المعتقدات وتفسيراتها إلى ما يقنع العقل المفكر الواعي بهكذا قضية هامة ومحورية بهذا الوزن. وهنا تكمن المشكلة التي تغلق على الكثيرين باب الإعلان المقنع، وتغلّف الحقيقة التي تحويها كتب الوحي الإلهي عن مجيء السيد المسيح إلى هذا العالم.. ما هي حقيقة ذلك، واعتباراته، ونتائجه على نماذج عظيمة الكثرة من الناس الذين أثبتوا صحة معتقدهم بواقع الحياة التي عاشوها بالتضحية والتواضع والتسامح حتى مع المسيئين، والمحبة للأعداء، والعفة الكاملة في السلوك، وبالإجمال في القدوة الصالحة التي لا تشوبها شائبة ولا يمكن أن تكون هذه جميعها من مصدر غير حقيقي!
فالتشبيه ما هو إلا تشويه للحقائق وطمس لمعالمها حين يُبنى على معطيات متضاربة وأسس مفترضة لأغراض ذاتية!! فالسيد المسيح ليس مثلاً من أمثلة كثيرة واضحة ومتشابهة، بل هو حالة خاصة فريدة من نوعها لا ثاني لها في تاريخ البشرية بشهادة كتب الأصدقاء والأعداء على حدّ سواء. فهي تعتبر المسيح، له المجد، آية في مولده، وفي حداثته، وفي رسالته، وفي آخرته، وفي ارتفاعه حياً إلى السماء، وفي يوم الدين أيضاً، الأمور التي لا يمتلكها أحد غيره على الإطلاق ومنها:
عدد النبوات التي أشارت إليه بوضوح وبتفصيل يفوق الإدراك البشري
وقد تمّت فيه بكل دقة إلا ما بقي منها؛ وهو يشير إلى مجيئه الثاني وملكه ودينونته لجميع الشعوب. فقد شملت كل مراحل وجوده على الأرض بدقائقها منذ البشارة به وولادته في بيت لحم وحياته الطاهرة وأقواله الباهرة ومعجزاته الفائقة التصوّر حتى صلبه، ودفنه، وقيامته، وصعوده إلى السماء حياً، وسلطانه في حكمه ودينونته الكبرى ومن شاء فليراجعها فعددها كثير في الكتاب المقدس.
قوة كلامه وسلطان تعاليمه
فلم يتكلم أحد من البشر قط بمثل ما تكلم به السيد المسيح ولا يستطيع أحد أن يفوه بمثل أقواله لأنها كانت بسلطان إلهي واضح؛ ”أنا هو نور العالم، من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة“
(يوحنا 12:8)، ”أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي“
(يوحنا 6:14)، ”أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فسيحيا“ (يوحنا 25:11). ومن استطاع أن يقول: ”أنا هو الألف والياء البداية والنهاية“ (رؤيا 6:21)؟
وقال أيضاً: ”تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيليّ الأحمال وأنا أريحكم“ (متى 28:11). وفي معرض تناوله الوصايا العشر التي كتبها الله لموسى على لوحي الحجر، كان يقول في كل مرة: ”سمعتم أنه قيل للقدماء… وأما أنا فأقول لكم“ معلناً بذلك أن له كامل السلطان لكي يعطي تلك الوصايا الإلهية بُعدها الروحي ويوسّع مفهومها الأدبي!! وجميع كلامه كان بسلطان إلهي واضح.
قداسة حياته
لم نقرأ أو نسمع عن إنسان ما مهما كانت روحانيته عاش حياة كاملة كما عاشها السيد المسيح؛ وهو الذي سُمي ”قدوساً“ من قِبل الملاك الذي بشّر العذراء بحملها به وقبل أن يتم ذلك الحمل. ولم يستطع أي كتاب معترف به أن ينسب له أية خطيئة أو نقيصة، وهو وحده المعصوم عن الأخطاء والأوزار، ولم يستطع الشيطان أن ينخسه فريداً عن بقية البشر، وقد قال: ”من منكم يبكتني على خطية“. وقال أيضاً: ”إن رئيس هذا العالم [الشيطان] يأتي وليس له فيّ شيء“!
معجزاته الباهرة
لم يقف المسيح، له المجد، كغيره من البشر عاجزاً حائراً أمام حوادث الطبيعة، فقد انتهر الرياح وأمواج البحر فسكتت حالاً؛ ولا أمام العلل والأمراض، فقد جعل الكسيح يمشي والأعمى يبصر، والأبرص يطهر؛ ولا أمام الموت، فقد أقام الموتى من قبورهم؛ وكذلك فإنه قهر الأرواح الشريرة وطردها صارخة هاربة، وكل ذلك بقدرة لاهوته وسلطان كلمته.
قوة قيامته وصعوده حياً إلى السماء
لقد قهر قوة الموت وانتصر عليه وصعد حياً إلى السماء، ومهما تكن الأفكار المستندة إلى هرطقات نصرانية ظهرت في القديم واندحرت جميعاً أمام قوة حقيقة القيامة الساطعة، فجميع الكتب تشهد لصعوده حياً إلى السماء وتتوقّع مجيئه لكي يدين الأمم كحكم مقسّط ”ديّان عادل“ في حين أنه ليس لأحد من البشر حق الدينونة لأنهم جميعاً تحت الضعف البشري!!
لهذا، الذي نعلم جميعاً أنه غيض من فيض من الحقائق التي لا تدع مجالاً للشك، جاءت عبارة ”ابن الله“، ولها ما يؤيدها: ففي النبوءات سُمّي ابن الله من قِبل الحضرة الإلهية بقوله: ”إني أُخبر من جهة قضاء الرب قال لي: أنت ابني. أنا اليوم ولدتك. اسألني فأعطيك الأمم ميراثاً لك وأقاصي الأرض مُلكاً لك“ (مزمور 7:2-8). وعبارة ”ولدتك“ لا تعني ما يفسرها به الذين لا يعرفون من أمر الروح شيئاً لأنها ولادة روحية في صميم الذات الإلهية. وفي معموديته صرّح الله بقوله: ”هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت“. وتعني ظهور الروح الذي انبثق من الله وأخذ جسداً بشرياً ظاهراً بين الناس ليعلن لبني الإنسان حكمة الله ونعمته الفيّاضة، ويصوّر الحب الإلهي لبني البشر الذين أضلّهم الشيطان فرقّت لهم عوامل الخير والعدل والكمال التي يمتلكها الله القدير، فكان المسيح إذا صحّ التشبيه سفير السماء إلى الأرض، ينطق بقوة وحكمة وسلطان السماء. لقد جلّ الخالق في عظمة روحانيته عن المشابهات الجسدية، فهو لم يلد المسيح ولادة جسدية بل انبثق منه كانبثاق النور من المصباح.
أولاً، المسيح هو ابن الله نسبة
فالشخص ينسب إلى من كان سبب وجوده أباً وأماً. أما المسيح ، له المجد، فليس من نطفة رجل ولا من بويضة امرأة أو اتحاد لهذين العنصرين، ولكنه نشوء روحي من الله اتخذ جسداً من امرأة عذراء حسب النبوءات ليصبح بشراً قادراً على عمل الفداء، ”نسل المرأة الذي يسحق رأس الحية“ (تكوين 15:3).
ثانياً: هو ابن الله مَقاماً
كما هو واضح في نبوءة إشعياء ”لأنه يولد لنا ولد ونُعطى ابناً وتكون الرياسة على كتفه ويُدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام“ (إشعياء 6:9).
ثالثاً: هو ابن الله في أزليته وأبديته
كما تقول النبوة: ”من قدم أسست الأرض والسموات هي عمل يديك. هي تبيد وأنت تبقى…“ (مزمور 7:102).
رابعاً: هو ابن الله ولاية
كما تقول النبوة في مزمور 7:2 ”اسألني فأعطيك الأمم ميراثاً لك وأقاصي الأرض ملكاً لك“.
خامساً: هو ابن الله سلطوياً
كما تقول النبوة: ”فأُعطيَ سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبّد له كل الشعوب والأمم والألسنة، سلطانه سلطان أبديّ…“ (دانيآل 14:7).
سادساً: هو ابن الله صدوراً
كما تصدر الكلمة من الذهن. قال المسيح لتلاميذه: ”لأن الآب نفسه يحبكم لأنكم قد أحببتموني وآمنتم أني من عند الله خرجت…“ (يوحنا 27:16-28).
سابعاً: هو ابن الله قداسة وكمالاً
لم نقرأ أو نسمع قط عن حياة اتصفت بالعصمة والكمال الذي لا تشوبه شائبة ولم يستطع الشيطان مسّه إلا يسوع. فقد عاش الحياة الكاملة منذ ولادته حتى صعوده حياً إلى السماء حيث تمم في تجسده ومن خلال حياته وصفاته وتواضعه ومحبته وموته الكفاري كل مشيئة السماء على الأرض.
ويقول الرسول بولس بالروح: ”وبالإجماع عظيم هو سر التقوى، الله ظهر في الجسد…“ (1تيموثاوس 16:3). وقال المسيح عن نفسه: ”وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء“ (يوحنا 13:3).
ويشرح الرسول بولس رسالة الرب يسوع بتركيز قائلاً: ”الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ. لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ“ (فيلبي 6:2-12).
وبعد كل تلك الإعلانات، فهل يوجد من يستحق هذا الاسم الكريم المبارك ”ابن الله“ إلا شخص المسيح؟!!!