تجتاح العالم اليوم تيارات فكرية وفلسفية تتصادم في عراك عنيف على مسرح الوجود. والإنسان هو بطل الصراع ولولبه، مرد الأمور إليه، ومرجع التقرير عنده. فهو ينتهج السبيل الذي يريد، ويستقي من سيل الفلسفات ما يشاء. إنما عنف التيارات خلّفت الإنسان الضعيف ساقطاً في بالوعة سريعة الدوران، إن تخلّص من دائرتها نجا، وإلاَّ لفَّته إلى القعر العميق، وزجَّته في أغوارها. فالإنسان في وجوده حياً عاقلاً ومريداً يتخذ نهجاً واضحاً لنفسه يسعده في زمان وجوده على الأرض ويريحه مما يعتور البشرية اليوم من رعب واضطراب وعدم سلام.
حيرة التساؤل: يلتجئ الإنسان إلى الفلسفات في شتى مجالاتها لينال أجوبة عن كل الأسئلة التي تختلج في كيانه. فيراها قاصرة كل القصور عن إشباع رغبته الملحة. فترتسم في مخيلته علامات الاستفهام، وتشغل أغوار فكره مضارب الشكوك ومزالق الحيرة. فيقف مشدوهاً حائراً، متألماً، ويتساءل: ما معنى وجودي؟ هل للأكل والشرب فقط؟ ما معنى الحياة؟ ماذا بعد الموت؟ ماذا عن الخلود؟ ماذا؟ وماذا؟ وتظل هذه الأسئلة تتردد في مخيلته دون أن يلقى لها جواباً صريحاً من كل ما حوته بطون الكتب من أجوبة وردود.
ويبقى الإنسان وحيداً في وحشة المتضاربات، غريباً عن حتمية الاختيار. وعلى عتبة الريبة الرهيبة هذه وقف آلاف الناس بل ملايينهم. فمنهم من زلت بهم القدم فغاصوا في الكفر والإلحاد غوص الغريق المحشرج، ومنهم من تريث بالأمر واعتمد الروية نهجاً، والانتقائية والاستقصاء مذهباً، وراح يدقِّق في جوهر الوجود ويبحث ماهية الخلق وذاتية الله والإنسان، وما شاكل من أمور خطيرة وأساسية، فقادته دروب المناهج هذه إلى تل اليقين الكامل، وارتاح نهائياً من التردد المرير. وكذلك أنت مدعو – عزيزي القارئ، يا من يلفّك دولاب الزمن ويطويك بعد لحيظات إلى الأبد – لأن تختار سبيل الحق وجادة الصواب.
الهدف الصائب: في وسط ظلمات الشكوك، وعتمة المبهمات، تقف أشباح الفلسفة غامضة المعالم، مبهمة السبيل، ضيقة الأفق، محصورة ضمن دائرة الوجود الأرضي. وطالما منظار الإنسان متجه نحو الأرضيات، فإنه لن يرى إلا ما ينتجه أهل الأرض. ولكن ما إن يحوِّل نظره إلى كتاب الله الصريح تتجلى أمامه شخصية بهية، كاملة الصفات، تقدم ذاتها للعالم علاجاً للخلاص والراحة.. فتهيم نفس الناظر في هذا الشخص الفريد الذي جاء عالمنا مرة وغيَّر مجرى التاريخ. أرسل النور شعاعاً، فأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل!!! فبدت الحياة خلواً من المبهمات، نيرة السبيل، وتجلى الخلود واضحاً بهياً رغم تساؤل المتسائلين وافتراء المفترين. فالرب يسوع المسيح كشف عالم الغيب، وأعلن سرائر الخلود والمصائر بصراحة لا تدانيها وضوحاً أية أدلة مهما كثرت، وفسَّر معنى الحياة وغاية وجود الإنسان على الأرض، وبيّن أن سبيل السعادة الإنسانية هي وقت رجوع الإنسان إليه والسير حسب وصاياه.
وعند مشارف الأعتاب المقدسة تطأ أرجل المؤمنين بثبات، وتنظر إلى الحياة بمنظار الحق الواضح، فإذا بها مكشوفة بوضوح لأن الرب قال: ”أنا هو الطريق والحق والحياة“. وتنظر إلى الخلود فإذا به معلن بجلاء كامل.
فيا من تدور في دوامة الفراغ الهائل، يا من تنهشك براثن الحيرة، وتحطمك صخور الشكوك، يا من تقف في مهاوي الظلمة تتلمس النور، وتتسكع في دياجير الفلسفة تبتغي الصواب. ارفع أنظارك بالإيمان إلى الرب فيكشف لك الحق الكامل من الكتاب المقدس، فتعرف الرب يسوع الذي يخلّص كل من يُقبل اليه، فهو أسمى مثل يصبو إليه الإنسان الطموح على هذه الأرض.