الاحتمالات والمستحيلات

الاخ فايز فؤاد

الكثيرون يتخذون قرارات يومية بناءً على الاحتمالات؛ فإن كان هناك احتمال لسقوط أمطار بنسبة ١٠ ٪ نتجاهل الأمر، لكن إن كان الاحتمال بنسبة ٩٠ ٪ فسنحتاط للأمر ونأخذ مظلة معنا. وكلما زاد الاحتمال، كان له تأثير أكبر على تصرفاتنا، لأننا نرغب دائمًا أن نختار بحكمة، ونكون ناجحين.

ولكن الله يستطيع أن يعمل خارج الاحتمالات، لأنه كُليّ القدرة، ولا شيء يصعب عليه، ولا يستحيل عليه أمرٌ. فالذي يُحبنا، وبذل نفسه من أجلنا، هو المسؤول عن حياتنا في الظروف العادية البسيطة، وأيضًا في الحالات الحرجة المستحيلة. وهو – له كل المجد – يستطيع أن يكشف عن قوته، سواء كنا في ظروف النجاح والابتهاج، أم غارقين في الإحباط والحزن. وهكذا يجب أن ينتظر شعب الله أن يُلاقوا – من الله – مفاجآت سارة تفوق كل الاحتمالات والتوقعات.

إن الناس يتكلَّمون عن قوانين الطبيعة وعدم تغيّرها، كأن الله ليس له سلطان في عالمه الذي خلَّقه. ولكن يجب أن يرسخ في أذهاننا تمامًا أن الله – الذي نتكلَّم معه في الصلاة – يستطيع أن يفعل كل ما يشاء. إنه يستطيع، في كل حين، أن يجد طريقًا لمساعدتنا وخلاصنا عندما نقع في صعوبة. والإيمان يتوقع غير المُتوَّقَع، بل والمستحيلات التي خارج نطاق الاحتمالات.

والأصحاح الثاني عشر من سفر الأعمال يصف لنا إنقاذًا من خطر، بطريقة معجزية تفوق كل الاحتمالات. فقد عامل هيرودس بطرس كسجين خطر، فلم يكتفِ بوضعه في السجن المُحكَم، بل سلَّمه إلى حراسة أربعة أرابع من العسكر، أي ستة عشـر عسكريًا، مُوَّزعين عند نقطتي حراسة، يفصلانه عن باب السجن الحديدي الذي يؤدي إلى المدينة (أعمال١٢: ١٠). وكان مربوطًا دائمًا بسلسلتين مع عسكريين، كل سلسلة تربط يده من المعصم بأحد العسكريين، حتى لا يستطيع أن يتحرك بدون أن ينتبه له العسكري.

وهكذا كان مركز بطرس في نظر الجميع ميؤوسًا منه. ولكن بطرس كان نائمًا نومًا عميقًا مع أنه كان مزمعًا أن يُقتل في الغد. وكان نومه هادئًا وعميقًا حتى اضطر الملاك إلى ضرب جنبه لإيقاظه، وعندما استيقظ جاء الخلاص، بالرغم من تلاشي أي احتمالية لخروج بطرس من السجن حيًا!

وبينما بطرس في السجن كان المؤمنون يُصلون بدون توقف من أجل بطرس، وضد قوة هيرودس ومتانة جدران السجن والسلاسل وسهر الحراس. ولكنهم كانوا يُصلّون بإيمان ضعيف، حتى إنهم لم يستطيعوا أن يصدقوا الإجابة عندما أتت. ولكنهم على أي حال استخدموا قوة الصلاة الهادئة الفعالة، ولم يلجأوا إلى السلطات ليستعطفونها، ولا إلى استعمال أية قوة لإخراج صديقهم من السجن، بل اكتفوا بالصلاة. وما كان أعظم تأثيرها!

في هذا الموقف أراد الله أن يُعلّم الكنيسة أن الصلاة تستطيع أن تعمل أكثر جدًا مما نطلب أو نفتكر. فكل شيء مستطاع بالصلاة، على الرغم من أن بعض الطلبات تبدو مستحيلة، ولكن علينا التيقن قبل أن نرفع إحدى هذه الطلبات التي تبدو مستحيلة في نظرنا، أن تكون هذه الطلبات مُتفقة مع مشيئته. فكثيرًا ما نطلب من الله طلبات مستحيلة ولا نجد الاستجابة المنتظرة، والله لا يتدخل بالاستجابة هنا، ليس لصعوبة الاستجابة، فليس شيء مستحيل لديه، ولكن لأن هذه الاستجابة ستكون غير متوافقة مع مشيئته وخطته في حياتنا. فالصلاة ليست تنفيذ إرادتي في السماء، ولكن إخضاع إرادتي لمشيئة السماء.

وها أمامنا إحدى هذه الصلوات التي يبدو من المحال – من منطلق المنظور البشري – تنفيذها، ولكنها كانت متفقة تمام الاتفاق مع مشيئة الله وخطته لبطرس، فالرب كان قد وعده سابقًا أنه لن يموت إلا متى شاخ، وأعلن له أيضًا طريقة الموت (يوحنا٢١: ١٨، ١٩). فلا التوقيت ولا الأسلوب كان يتفق مع ما أراده هيرودس، كما أن قصد الله كان أن يحفظ بطرس لأجل خدمة باقية بعد (لوقا٢٢: ٣٢)

فبطرس كان محروسًا بحراسة مشددة جدًا، لأن هيرودس أعد العدّة جيدًا ليمنع أي تدخل يحول دون تحقيق هدفه، ولكنه لم يكن يتوقع أن الله نفسه سيتدخل، وحتى لو وضع ذلك في حساباته، فماذا عساه أن يفعل؟ مَنْ يستطيع أن يمنع ملاك من الدخول؟! وبواسطة ملاك واحد استطاع الله أن يُحرِّر بطرس من السلسلتين اللتين كان مُقيَّدًا بهما، وأن يسير به في وسط العسكر، وكأن سبات قد وقع عليهم، وحتى الباب الحديدي الخارجي المؤدي إلى المدينة انفتح أمامهما من ذاته، حتى أن بطرس ظن إنه يرى رؤيا، وكذلك الإخوة المجتمعون للصلاة لم يصدقوا “رَوْدَا الجَاريَة” حينما أخبرتهم أن بطرس واقف بالباب.

حينما نراقب استجابات الصلاة المعجزية مثل هذه، ونرى كيف أن يد الرب الرفيعة تدخَّلت لإنقاذنا من ضيقات وكروب، خلاف توقعات البشـر، وبأسلوب لا يخطر على بالنا، لا يسعنا إلا أن نشكر الرب ونعظم قدرته. ولسان حالنا هو: «عِنْدَمَا رَدَّ الرَّبُّ سَبْيَ صِهْيَوْنَ، صِرْنَا مِثْلَ الْحَالِمِينَ. حِينَئِذٍ امْتَلأَتْ أَفْوَاهُنَا ضِحْكًا، وَأَلْسِنَتُنَا تَرَنُّمًا. حِينَئِذٍ قَالُوا بَيْنَ الأُمَمِ: إِنَّ الرَّبَّ قَدْ عَظَّمَ الْعَمَلَ مَعَ هؤُلاَءِ» (مزمور١٢٦: ١، ٢). وهكذا كان الحال مع بطرس الذي ظن إنه يرى رؤيا، ومع رودا الجارية التي تركت بطرس على الباب ولم تفتح له من الفرحة، بل وأيضًا الكنيسة التي نعتت رودا بالهذيان. ولكن هذه هي الاستجابة المباشرة لقديسين لهم لجاجة في الصلاة متوافقة تمام التوافق مع مشيئته، فلقد كان خلاص بطرس بالنسبة لهم أقرب إلى الحلم منه للحقيقة، ولكنها الصلاة التي تحول الحلم إلى حقيقة، والمستحيل إلى واقع حقيقي.

يا رب ساعدنا أن نثق بأنك معنا، مُمسك بزمام أمورنا دائمًا، فيكون لنا الإيمان الذي يتوقع غير المُتوَقَّع، بل والمستحيلات التي خارج نطاق الاحتمالات.

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *