هل الصليب هو الطريقة الوحيدة لخلاص البشرية؟

راديو مياه الراحة

ليس الصليب الطريقة الوحيدة لخلاص العالم وحسب… بل هو التعبير الوحيد لمحبة الله الفائقة، وفقًا لقول المسيح: “لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. ” (يوحنا 16:3).

فالصليب هو المذبح الذي قدم عليه المسيح ذاته ذبيحة إثم ليرفع خطية العالم. وبدون هذه الذبيحة الكفارية، كان لا بد للبشر أن يرزحوا تحت ثقل الحكم القائل: “اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ” (حزقيال 20:18). ولشرح هذا الأمر، ينبغي أن نذكر أن الإنسان فطر على حالة تلزمه التأمل في المستقبل. لأن ضميره يخبره بأن كل أعماله سترفع إلى ديان عادل. وأن المخالفات التي ارتكبها تحمله على الشعور بالذنب والخوف من القصاص الذي يعكر سلامه، ويهدد سعادته المرجوة في العالم الآتي.

 وقد أجمع المؤمنون بالله من كل الطوائف، على أن الإنسان، الذي مارس الخطية في حياته دون كفارة، لا يستطيع أن يواجه الله، لأن الخطية جعلته عدوًا لله. ومع ذلك فهذا الإنسان الذي جعلته خطاياه عدوًا لله، لا يمكن أن يكره رحمته. وقد سمعنا من أشرار كثيرين أقوالاً تؤكد بأنهم يطمعون في رحمة الله، ويرجون أن ينالوا صفحه بطريقة ما. صحيح أن الله، يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون. وقد أعرب الرب الإله عن إرادته هذه، بالقول: “قُلْ لَهُمْ: حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ، بَلْ بِأَنْ يَرْجعَ الشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا.” (حزقيال 11:33).

ولكن إن غفر الله للمذنب لكي يحييه روحيًا، فيجب أن يكون هناك سبب كافٍ للغفران. وهذا الوجوب يملي علينا الحاجة إلى وسيط صلح، يكفر عنا خطايانا، ويلبسنا بره لنظهر أمام الله قديسين وبلا لوم في المحبة. وهذا الوسيط ينبغي أن يكون:

إنساناً لا ملاكاً

لأن الوساطة حتمت أن يكون فادياً، يتألم ويموت نيابة عن الخطاة، ليزيل حكم الموت الأبدي الذي حُكم به عليهم بسبب الخطية التي قال الكتاب إن أجرتها موت. ولعله بوحي من هذه الحقيقة، قال الرسول بولس: ” فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُولئِكَ الَّذِينَ – خَوْفًا مِنَ الْمَوْتِ – كَانُوا جَمِيعًا كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ. لأَنَّهُ حَقًّا لَيْسَ يُمْسِكُ الْمَلاَئِكَةَ، بَلْ يُمْسِكُ نَسْلَ إِبْرَاهِيمَ. مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيمًا، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِينًا فِي مَا ِللهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ. لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ.” (العبرانيين 14:2-18)

أن يكون بلا خطية

لأنه يستحيل أن يكون الفادي المخلص من الخطية خاطئًا. لأن الخاطئ لا يستطيع الدخول إلى أقداس الله، لكي يشفع في المذنبين. نقرأ أيضًا في الرسالة إلى العبرانيين: “لأَنَّهُ كَانَ يَلِيقُ بِنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ مِثْلُ هذَا، قُدُّوسٌ بِلاَ شَرّ وَلاَ دَنَسٍ، قَدِ انْفَصَلَ عَنِ الْخُطَاةِ وَصَارَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ اضْطِرَارٌ كُلَّ يَوْمٍ مِثْلُ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ أَنْ يُقَدِّمَ ذَبَائِحَ أَوَّلاً عَنْ خَطَايَا نَفْسِهِ ثُمَّ عَنْ خَطَايَا الشَّعْبِ، لأَنَّهُ فَعَلَ هذَا مَرَّةً وَاحِدَةً، إِذْ قَدَّمَ نَفْسَهُ. فَإِنَّ النَّامُوسَ يُقِيمُ أُنَاسًا بِهِمْ ضَعْفٌ رُؤَسَاءَ كَهَنَةٍ. وَأَمَّا كَلِمَةُ الْقَسَمِ الَّتِي بَعْدَ النَّامُوسِ فَتُقِيمُ ابْنًا مُكَمَّلاً إِلَى الأَبَدِ.” (عبرانيين 26:7-28).

أن يكون إلهاً

لأن الإنسان الاعتيادي لا يستطيع أن يبيد الشيطان، الذي سمّاه الكتاب المقدس “رئيس هذا العالم” (يوحنا 21:12)، و”إله هذا الدهر” (2كورنثوس 4:4). لذلك استوجب أن يكون الوسيط شخصًا إلهيًا، لينقذ البشر الذين سباهم إبليس إلى ناموس الخطية والموت. وهذه الصفات الإلهية، لم تتوافر إلا في شخص الرب يسوع. وشكرًا لله لأن يسوع، قام بالوساطة، إذ تجسّد وصُلب لكي يصالحنا مع الله بدم صليبه. فصارت الكلمة الرسولية القائلة: ” أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعًا فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ. ” (2كورنثوس 19:5). وإذا أردتَ أدلة على أن المسيح هو الوسيط الوحيد بين الله والناس، فالكتاب المقدس غني بها جدًا، منها:

نص الكتاب الصريح: ” لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً لأَجْلِ الْجَمِيعِ،” (1تيموثاوس 5:2).

قيام يسوع بكل ما تستلزمه الوساطة، في ما يختص بالكفارة والشفاعة، على الأرض وفي السماء. كما هو مكتوب: ” يَا أَوْلاَدِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَيْ لاَ تُخْطِئُوا. وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ. وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضًا. “(1يوحنا 1:2-2). ” فَمِنْ ثَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضًا إِلَى التَّمَامِ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ إِلَى اللهِ، إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ. (عبرانيين 25:7).

قيام يسوع بجميع ما يترتب على وساطته، إلى درجة الكمال. حتى أنه لم يبق ِ مجالاً لدخول غيره في ذلك: “لأَنَّهُ بِقُرْبَانٍ وَاحِدٍ قَدْ أَكْمَلَ إِلَى الأَبَدِ الْمُقَدَّسِينَ.” (عبرانيين 14:10).

 كونه المخلص الوحيد المعيّن منذ الأزل. فقد جاء على لسان الرب الإله أن نسل المرأة يسحق رأس الحية إبليس الرجيم. ونسل المرأة، هو يسوع المسيح. لأنه الوحيد الذي وُلد على أرضنا من الروح القدس ومن مريم العذراء (تكوين 15:3). وبوحي من هذه الحقيقة، قال الرسول: ” وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ.” (أعمال الرسل 12:4). ثم نقرأ هذه الآية: ” فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ” (1كورنثوس 18:1).

ومعنى هذه الآية أن البشارة بالصليب التي يحسبها غير المؤمنين جهالة وحماقة، هي حكمة الله وقوة الله للخلاص. فالإله القدير، يجدِّد بيسوع المصلوب الناس، ويقدّسهم، ويخلصهم إلى التمام. فإذًا، كلمة الصليب قوية وفعّالة، وهي الكلمة التي كرز بها رسل المسيح في العالم.

 ويقينًا، إن تعليم الصليب هو جوهر الإنجيل ورسالته إلى العالم. فقد قال الرسول بولس للكورنثيين: ” وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِالإِنْجِيلِ الَّذِي بَشَّرْتُكُمْ بِهِ، وَقَبِلْتُمُوهُ، وَتَقُومُونَ فِيهِ، وَبِهِ أَيْضًا تَخْلُصُونَ، …  فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضًا: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ، ” (1كورنثوس 1:15-5)، وقال لهم أيضًا: “وَأَنَا لَمَّا أَتَيْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَتَيْتُ لَيْسَ بِسُمُوِّ الْكَلاَمِ أَوِ الْحِكْمَةِ مُنَادِيًا لَكُمْ بِشَهَادَةِ اللهِ، لأَنِّي لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئًا بَيْنَكُمْ إلاَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوبًا. ” (1كورنثوس 1:2-2).

 فالمسيح حصّل لنا هذه الامتيازات نتيجة لطاعته حتى الموت موت الصليب. (فيلبي 8:2) الواقع أن المسيح حمل في جسده خطايانا على الصليب. فتم ما قيل بإشعياء النبي: ” أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحَزَنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلاً تَطُولُ أَيَّامُهُ، وَمَسَرَّةُ الرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ. مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى وَيَشْبَعُ، وَعَبْدِي الْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ، وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا. لِذلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ الأَعِزَّاءِ وَمَعَ الْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ، وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ. “. (إشعياء 10:53-12)

https://www.vopg.org

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *