يتناول هذا المقال موضوعًا يخص أهم وأعظم وأخطر حدثٍ سيفاجأ به العالم عن قريب، وهو المجيء الثاني للمسيح.
ولا بد من التذكير هنا أن هذا الحدث المتوقع، عند لحظة حدوثه، ستتغير مفاهيم كثيرة كانت قد استولت على أذهان الكثيرين، وستسقط أوهامٌ ومعتقدات كان يُظن أنها عين الحق، وستُلقى كتبٌ بل ومكتباتٌ برمتها في النار للحريق وبأيدي أصحابها، لأن الحدث سيكشف بطلانها فيما نشرته بين الناس من أوهام.
ومن ناحية أخرى فالحدث الذي نشير إليه سيذهل العالم كله، وسيربكه بصورةٍ لم يعرفها من قبل، وسيكون مدار الحديث عنه على ألسنة جميع سكان الأرض، وستتجنّد له كل وسائل الإعلام في العالم للتحدث عما جرى ويجري من أخبارٍ مذهلة خلفها الحدث بين كافة شعوب الأرض.
وهنا أُأَكِّد لكل قارئ أن موضوع المجيء الثاني للمسيح ليس مجرد رواية تقال، أو خبرية تُنشر، بل هو حدث حقيقي آتٍ لا محالة وله علاقة شخصية بكَ وبكِ وبمصير كل إنسانٍ على وجه الأرض.
وسيجد القارئ الكريم أن موضوع المجيء الثاني للمسيح موضوع شيق للغاية، وفيه الكثير من المفاجآت المذهلة، ونعتمد في كل ما نقدمه على كلام الله في الكتاب المقدس، هذا الكتاب الذي يقف شامخًا كالطَّود في وجه الأعاصير والزوابع المُفْتَعَلة التي عبثًا تحاول النيل منه.
لعلنا نقف اليوم على العتبات الأولى لهذا البحث تمهيدًا للدخول في قدس أقداسه خطوة خطوة بدراسةٍ متأنية نأمل من القارئ لهذا المقال إبداء رأيه فيه، أو أن يستوضح عما يجول في خاطره لو شاء… وليكن في ذلك نوعًا من الحوار نتفاعل فيه… نتفق… نختلف لكن في حوار حر يقبل كل منا الآخر كما هو.
وفي مسيرتنا هذه دعنا نتذكر قارئي الكريم بأن المجيء الثاني للمسيح هو مكملٌ لمجيئه الأول… فالمجيء الأول كان الأساس لمجيئه الثاني. وفي علمنا أن المجيء الثاني للمسيح يتفق عليه المسيحيون والمسلمون على حدٍ سواء، ولو اختلفوا في بعض تفاصيله.
وهنا السؤال الذي يطرح نفسه: المسيح الذي جاء قبل ألفي عام بمعجزة ولادة تفوق العقل وقام بما قام به من تعاليم ومعجزات وأفعال، لماذا يعود ثانية إلى الأرض دون غيره ممن مروا أو غابوا من أنبياء وأولياء وصالحين؟ ولماذا تُضاف إلى كل ما امتلكه من معجزات، معجزة أخرى خارقة ومذهلة للعقل فيأتي ثانية إلى أرض العالم رغم مرور ألفي عام على مغادرتها
لا بد من سرٍ كامنٍ وراء كل ذلك
أين نجد كشف السر؟
للإجابة عن هذا لا بد من الرجوع إلى الكتاب المقدس، فالجواب هناك واضح، وهو سهل على من يمارسون قراءة الكتاب المقدس وخاصة في أسفار العهد الجديد الذي هو الإنجيل. وهناك سرٌ آخر يتعلق بهذا الأمر وهو أن المسيح في قدومه إلينا ثانية بعد غياب مدة ألفي عام كان فيها حيًّا طوال الزمن الذي غاب فيه، والحي حرٌّ يتنقل كما يشاء يذهب ويجيء، وقراره بيده…
فكل الأجيال التي عاشت على هذه الأرض من يوم آدم حتى اليوم يسكنون القبور وأجسادهم قد تحللت إلى عناصرها الأولى التي أُخذت منها وهي التراب، إلا هذا الذي يُدعى المسيح فهو حي لا بروحه فقط بل وفي جسده الذي عاش به على الأرض، وبجسده ذاك سيأتي إلى أرضنا ثانية، ومجيئه قريبٌ على الأبواب، وطوبى لمن ينتظره بإيمان واستعداد.
قارئي الكريم،
هل صارحت نفسك يومًا بسؤالٍ يقول: ما سر هذه المعجزات المذهلة التي تحيط بشخص المسيح دون أن يماثله بها أحد؟ ميلاد من عذراء لم تعاشر رجلاً… معجزات إقامة موتى بكلمة يطلقها فيسمع الموتى صوته ويمتثلون لأمره… ثم صلبٌ وموتٌ ودفنٌ وقيامة، ثم صعودٌ إلى السماء أمام أحد عشر شاهدٍ من تلاميذه الحواريين… وفوق كل هذا وذاك مجيءٌ ثانٍ عجيب بعد غياب طويل وصل إلى ألفي عام أو يزيد! ما السر وراء كل هذا؟
أما من جهتي فتساءلت قبلك وتصارعت مع نفسي بين التصديق والرفض، وفي صراعي مع ذاتي عانيت الكثير إلى أن عرفت الجواب، وقبلت الحقيقة كما هي، فانفرد وجهي وارتاحت نفسي فرست على شاطىء الأمان في لحظةٍ عرفت فيها هوية صاحب المعجزات وأنه هو الحي القيوم المقتدر الذي لا يستحيل عليه أمر!
وعندها غمر قلبي دفق موجٍ من الابتهاج، فقلت لنفسي باعتزاز:
“لو لم أكن من شعبه لوددت أن أكون!”
قارئي الكريم،
قلت إن المجيء الثاني للمسيح هو مكمّل لمجيئه الأول وأن المجيء الأول قبل ألفي عام كان الأساس لمجيئه القادم، وهذا يعني أن المسيرة واحدة مستمرة تعتمد خطة ربانية مقررة لها بداية ولها خاتمة، ولتوضيح هذا أقول: عندما جاء المسيح في مجيئه الأول قبل ألفي عام غرس غرسًا سقاه بدمه الطاهر الذي رشح على الصليب، ثم غادر الأرض بعد أن هيأ لهذا الغرس كل أسباب الحياة لينمو ويثمر عبر السنين حتى يعود… وأوصى عبيده وخدامه ليرعوه ويعتنوا به إلى أن يجيء فيكافئهم على ما قاموا به. وتنامى الغرس، واتسع ولم يترك بقعة في الأرض إلا ونشط فيها وأثمر، وحان وقت قطافه أو كاد.
والكل الآن ينتظر عودة صاحب الحقل ليَحْتَفِل بقطف ثماره فيجمعها ويأخذها إلى حيث هو يسكن في سماء مجده… أما التبن وكل عشب لم تغرسه يمينه ولم يسقه هو من ينبوع دمه فسيُلْقى في النار للحريق.
وهذا يعود بنا إلى قول المسيح القدوس وهو بين تلاميذه على الأرض يتحدث إليهم في إنجيل يوحنا أصحاح 14 إذ يقول:
“لا تضطرب قلوبكم… في بيت أبي منازل كثيرة… أنا أمضي لأعد لكم مكانًا، وإن مضيت وأعددت لكم مكانًا آتي أيضًا وآخذكم إليَّ حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا”.
فالمسيح في مجيئه الأول قدّم دمه فدية لكل من يؤمن به ويفتح قلبه له، وبذر بذار تعاليمه في الأرض، وكلَّف أتباعه من بعده أن يواصلوا العمل في بذر البذار حتى يجيء، وفي مجيئه الثاني سيجمع إليه مختاريه الذين قبلوا فداءه، ويأخذهم ليسكنوا معه في مجده، لا في جنةٍ أرضية كما كان في زمن آدم، فجنة آدم لوثها آدم بسقطته، فبديلها صارت سماء الخلود، مسكن الله مع الناس، وملائكته تحف به، والسماء حيث عرش الله لا يدخلها سوى الأبرار الذين تطهروا واغتسلوا بدم المسيح.
وسفر الرؤيا في أصحاحاته الأخيرة يصف هذا المكان الجميل [السماء] ويقول فيه: وسَمِعتُ صَوتًا جَهيرًا مِنَ العَرشِ يَقول: «هُوَذا مَسكِنُ اللهِ مع النَّاس، فسَيَسكُنُ معهم وهم سيَكونونَ شُعوبَه وهو سيَكونُ «اللهُ معَهم». وسيَمسَحُ كُلَّ دَمعَةٍ مِن عُيونِهم. ولِلمَوت لن يَبْقى وُجودٌ بَعدَ الآن، ولا لِلحُزنِ ولا لِلصُّراخِ ولا لِلأَلَمِ لن يَبْقى وُجودٌ بَعدَ الآن، لأَنَّ العالَمَ القَديمَ قد زال.»’ رؤيا يوحنّا 21: 3 -4