لماذا الألم؟

الاخ ايهاب صادق

قال القديس  أوغسطينوس: “الله له ابن واحد على الأرض بلا خطية، ولكن ليس له ولا ابن بلا ألم”.  مقولة صحيحة تمامًا، ولكن هل هذه الآلام بلا هدف؟!  وهل هي لا تُنتج خيرًا لأصحابها؟!  الخمر تُنتَج من العنب المعصور، والبحار الهادئة لا تُخرج بحارة ماهرين.  والله – كما يقول س.  إس.  لويس – وعدنا بالألم؛ فهو جزء من برنامجه، ولكنه قال أيضًا: «طُوبَى لِلْحَزَانَى، لأَنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ» (مت5: 4).

إذًا هناك إجابة للمؤمنين عن هذا السؤال: لماذا الألم؟  وهي أن الرب يستخدم الألم للخير:

اولا- الله يستخدم الألم من أجل تقدم الإنجيل

كان بولس في السجن ظلمًا، ومع ذلك كتب رسالة فيلبي، وحثَّ فيها المؤمنين أن يفرحوا؛ فالله يعمل بطريقته العجيبة، ويستخدم الظروف المعاكسة لأجل تقدُّم الإنجيل (في1: 12-14).

ومرة أخرى في غلاطية 4: 13 نجد بولس يقول: «وَلَكِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي بِضَعْفِ الْجَسَدِ بَشَّرْتُكُمْ فِي الأَوَّلِ».  هنا يظهر بوضوح عمل الله من خلال ضعف الجسد الذي اعترى بولس؛ فلعلّه بسببه توقف في غلاطية، الأمر الذي أتى بالإنجيل إليها.

ثانيا- الله يستخدم الألم لإرجاع الإنسان إليه

الإنسان في غطرسته يختار أن يبتعد عن الله، ويمضي في طريقه، ولكن الله يستخدم الألم في إرجاعه؛ الابن الضال «ابْتَدَأَ يَحْتَاجُ …  وَكَانَ يَشْتَهِي أَنْ يَمْلأ بَطْنَهُ مِنَ الْخُرْنُوبِ الَّذِي كَانَتِ الْخَنَازِيرُ تَأْكُلُهُ، فَلَمْ يُعْطِهِ أَحَدٌ.  فَرَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ» (لو15: 14-17).

يقول الكتاب في 2كورنثوس 7 : 10 «لأَنَّ الْحُزْنَ الَّذِي بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ يُنْشِئُ تَوْبَةً لِخَلاَصٍ بِلاَ نَدَامَةٍ، وَأَمَّا حُزْنُ الْعَالَمِ فَيُنْشِئُ مَوْتًا».  إذًا أحيانًا ما تكون إرادة الله مِن جهتك هي أن تتألم.  لماذا؟  لأنها تُنتج توبة.

في كتابه “مشكله الألم” يقول سي.  إس.  لويس: “في أوقات سعادتنا يهمس الله لنا، ويتكلَّم إلى ضمائرنا، ولكنه يصرخ في وقت آلامنا.  والألم هو الميكرفون الذي يستخدمه الله لإنهاض العالم الأصم”.  فالألم إحدى طرق إيقاظ الناس، وإني أعتقد بصحة القول: “بعض الناس لن ينظروا إلى أعلى إلا إذا طُرحوا على ظهورهم.  والألم قادر على أن يصدم الناس بعيدًا عن حياتهم العبثية إلى الأمور الروحية”.

علينا أن نؤكِّد الآن على حقيقة أن الله قد يستخدم الألم للخير مع شخص ما، ولكن ليس دائمًا ما يكون ألم هذا الشخص متعلِّقًا بالخطية «كَثِيرَةٌ هِيَ بَلاَيَا الصِّدِّيقِ» (مز34: 19).  نعم حتى رجال الله المؤمنون السالكون بالاستقامة، يمكن أن يختبروا الألم؛ والمثال الواضح هو أيوب.

ثالثا- الله يستخدم الألم للتدريب على حياه البر

الألم كنتيجة للخطية والسلوك بدون استقامة من المؤمن، يستخدمه الله لتدريبنا في حياه البر.  فالألم آنذاك يكون له تأثير مُنقٍّ على الذين يتحملونه ويقبلونه من أجل هذا الغرض، فالشخص الذي يقضي وقتًا ما في إحدى المستشفيات نتيجة لخطية ما، سيفكِّر كثيرًا حين يرغب في العودة مرة أخرى إلى الخطية.  فالألم يدرِّبنا لكي نحيا حياه البِرِّ.  ويقول المرنم: «قَبْلَ أَنْ أُذَلَّلَ أَنَا ضَلَلْتُ، أَمَّا الآنَ فَحَفِظْتُ قَوْلَكَ …  خَيْرٌ لِي أَنِّي تَذَلَّلْتُ لِكَيْ أَتَعَلَّمَ فَرَائِضَكَ …  قَدْ عَلِمْتُ يَا رَبُّ أَنَّ أَحْكَامَكَ عَدْلٌ، وَبِالْحَقِّ أَذْلَلْتَنِي» (مز119: 67، 71، 75).

رابعا- الله يستخدم الألم ليحفظك في التواضع، وليضع المتكبرين

الكبرياء خطية تقود إلى خطايا أخرى كثيرة، والله يعرف خطورة هذه الخطية، لذلك سمح الله للشيطان أن يلطم بولس، لئلا يرتفع، بل يستمر في اتضاعه (2كو12: 7).

خامسا- الله يسمح بالألم للاستمرار في المثابرة والصبر

في روميه 5: 3، 4 نقرأ «نَفْتَخِرُ أَيْضًا فِي الضِّيقَاتِ، عَالِمِينَ أَنَّ الضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْرًا، وَالصَّبْرُ تَزْكِيَةً، وَالتَّزْكِيَةُ رَجَاءً».  فحين تحتمل الألم والضيق، فأنت تتدرب في الصبر، وتتغير شخصيتك، ويتقوى رجاؤك.  فالله مهتم بأن تعرفه، وهو مهتم بشخصيتك أكثر من راحتك، فالهدف الأعظم  للحياة المسيحية ليس هو السعادة والخلاص من الألم، ولكن معرفه الله والتغير إلى صورة المسيح.  الله سوف يصقل شخصيتك ويُشكّلها مِن خلال الضيق.

سادسا- الله يسمح بالألم ليُنشئ لدينا الرأفة واللطف تجاه الآخرين

نقرأ في 2 كورنثوس 1: 3-4 «مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الرَّأْفَةِ وَإِلَهُ كُلِّ تَعْزِيَةٍ، الَّذِي يُعَزِّينَا فِي كُلِّ ضِيقَتِنَا، حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نُعَزِّيَ الَّذِينَ هُمْ فِي كُلِّ ضِيقَةٍ بِالتَّعْزِيَةِ الَّتِي نَتَعَزَّى نَحْنُ بِهَا مِنَ اللهِ».  أثناء فترة آلامك، حسنٌ أن تخدم الآخرين المتألمين وأن تشارك الآخرين بالأشياء العظيمة التي أظهرها لك الله في وادي الألم.

سابعا- الألم يأتي بالحمد والمجد لله

في يوحنا 9 : 1-3 نقرأ في قصه شفاء الرب يسوع للأعمى: «وَفِيمَا هُوَ مُجْتَازٌ رَأَى إِنْسَانًا أَعْمَى مُنْذُ وِلاَدَتِهِ، فَسَأَلَهُ تلاَمِيذُهُ قَائِليِنَ: يَا مُعَلِّمُ، مَنْ أَخْطَأَ: هَذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى؟  أَجَابَ يَسُوعُ: لاَ هَذَا أَخْطَأَ وَلاَ أَبَوَاهُ، لَكِنْ لِتَظْهَرَ أَعْمَالُ اللهِ فِيهِ».

لقد سمح الله لهذا الإنسان بفترة من الألم لا لأنه أخطأ؛ فالجميع يُخطئون، «لَكِنْ لِتَظْهَرَ أَعْمَالُ اللَّهِ فِيهِ».  فمعرفة الرب يسوع كالمخلِّص الوحيد، هي أعظم شيء في هذه الحياة؛ فآلامك هنا قد تكون سببًا لإتيان الناس إلى المُخلّص، وإعطاء المجد للرب يسوع.

ثامنا- آلامك مِن الممكن أن تُجنب الآخرين الألم

يوسف مثال عظيم في هذا الأمر؛ لقد حسده إخوته، وألقوه في البئر، ثم باعوه كعبد، ونزل إلى مصر، واتُهم ظلمًا كمذنب مع أنه كان بريئًا، ولكن بعد مرور زمن ليس بالقليل يقول يوسف لإخوته: «الآنَ لاَ تَتَأَسَّفُوا وَلاَ تَغْتَاظُوا لأَنَّكُمْ بِعْتُمُونِي إِلَى هُنَا، لأَنَّهُ لاسْتِبْقَاءِ حَيَاةٍ أَرْسَلَنِيَ اللهُ قُدَّامَكُمْ…  فَقَدْ أَرْسَلَنِي اللهُ قُدَّامَكُمْ لِيَجْعَلَ لَكُمْ بَقِيَّةً فِي الأَرْضِ وَلِيَسْتَبْقِيَ لَكُمْ نَجَاةً عَظِيمَةً…  لَيْسَ أَنْتُمْ أَرْسَلْتُمُونِي إِلَى هُنَا بَلِ اللهُ»، وأيضًا: «أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرًّا، أَمَّا اللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْرًا، لِكَيْ يَفْعَلَ كَمَا الْيَوْمَ، لِيُحْيِيَ شَعْبًا كَثِيرًا» (تك45: 5-8؛ 50: 20).

وليس أعظم وأوضح من آلام ربنا يسوع المسيح، فأعظم جريمة في كل التاريخ البشري، صلب المسيح، عندما استهزأ الأشرار بخالقهم، واقتادوه ليموت أشنع ميتة، مُسمَّرًا على خشبة، ومتألِمًا آلامًا جسدية رهيبة، كان من نتيجتها أن أتى الخلاص العظيم، المُقدَّم لكل إنسان على وجه المسكونة.

أي إله هذا الذي نؤمن به!  ما أعظمه!  وما أجوده!

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *