روى أحد خدام الرب هذه القصة:
منذ بضع سنين مضت، كنت أنا وزوجتي وأولادنا مسافرين بالقطار. وكان ابني الأكبر – الذي كان حينذاك ولدًا صغيرًا – مُغرَمًا بالجري داخل القطار، فقال لي: “بابا، هل معك بعض النُبذ لأوزِّعها على المسافرين”. كان لديَّ بعض النُبذ، فأعطيتها له. أخذ الولد يُقدّم النُبذ للمسافرين، وفي لحظات كان معظم الناس يقرأونها. وبعد وقت قصير كنت أمُرّ داخل القطار، فأوقفتني إحدى السيدات كانت تجلس في مقعدها، وقالت: “عفوًا يا سيدي، أظن أن ابنك هو الذي أعطاني هذه النبذة، أَليس كذلك؟”. فقلت: “نعم، إنه ابني”.
فقالت: “ألا تجلس هنا لحظة؟” وعندئذٍ قدَّمت لها زوجتي، وجلسنا معًا.
فقالت: “إنك لا تستطيع أن تتصوَّر كم أنا مسرورة أن أجد أشخاصًا آخرين مُتديِّنين في القطار”.
فسألتها: “وهل أنتِ تهتمين بهذه الأمور؟” فقالت: “نعم، لقد كنت دائمًا مُتديِّنة كل حياتي”.
فسألتها: “أين ومتى وُلدتِ ثانية؟ وكيف تعرفتي على الرب يسوع المسيح مُخلِّصًا وفاديًا شخصيًا لكِ؟” نظرت إليَّ بتعجب، وبدا وكأنها لم تفهم سؤالي، وأجابت: “أوه. لقد كان أبي مسؤولاً عن الخدمة في كنيستنا، وعمي واثنان من إخوتي من رجال الدين”.
فقلت: “جميل، ولكن اسمحي ليّ أن أسألك ثانية: هل وُلدتِ ثانية؟”
فقالت: “يبدو أنك لم تفهمني. لقد كان أبي مسؤولاً عن الخدمة في الكنيسة، وعمي وأخواي من رجال الدين المعروفين”.
فقلت: “لكن لا تتوقعي أن تذهبي إلى السماء مُتعلقة بأهداب ثيابهم، حتى لو كانوا هم مولودين ثانية، فهل وُلدتِ أنتِ ثانية ولادة جديدة، وهل صرتِ ابنة لله بالحق؟”
أجابت: “كلا البتة، لكني ظننت أنك تُدرك أن الديانة تجري في عروقنا، وتسري في عائلتنا”.
فقلت: “قد تجري الديانة في عروقكم، وتسري في عائلتكم، لكن التديِّن والإيمان الحقيقي شيئان مختلفان. يوجد عدد كبير جدًا من الناس متدينون لأقصى حد، لكنهم غير مُخلَّصين. ويومًا ما كان ربنا المُبارك يتكلَّم مع إنسان مُتدِّين جدًا، ومع ذلك فقد قال له: «يَنْبَغِي أَنْ تُولَدُوا مِنْ فَوْقُ» (يوحنا3: 1-8).
ولاقيت صعوبة كبيرة وأنا أحاول أن أجعل تلك السيدة تفهم أن الخلاص ليس بالوراثة وليس أيضًا بالدّين ولا بالتديِّن. وبالكاد اقتنعت أن واحدة من عائلة كعائلتها كانت تحتاج إلى الخلاص عن طريق الإيمان بشخص الرب يسوع المسيح المُخلِّص والفادي، الذي «لَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ» (أعمال4: 12).
قارئي العزيز: ربما أنت أيضًا تفتخر بأنك وُلدت من أبوين مسيحيين، واعتبرت نفسك مؤمنًا مسيحيًا بالوراثة، ولكن الحقيقة أن هذا لا يجعلك مسيحيًّا حقيقيًا. أقرأ معي ماذا يقول الكتاب عن المؤمنين الحقيقين: «أَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللَّهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ، بَلْ مِنَ اللَّهِ» (يوحنا1: 12،13).
إن الرب يسوع المسيح يُقدّم نفسه، كالمُخلِّص والفادي – للبشرية جمعاء – مانحًا كل الذين يقبلونه بالإيمان، سُلطَانًا (امتيازًا أو مركزًا أو حقًا) أن يَصِيرُوا أولاد الله. وهذا المركز ينالونه ليس لأنهم أفضل من غيرهم، ولكن لأنهم آمنوا باسم المسيح، ووُلدوا من الله، وتمتعوا بعمل النعمة الإلهية بالإيمان. وهذا لا يتم عن طريق الأعمال الصالحة، ولا بالإنتماء إلى كنيسة ما، ولا ببذلنا قصارى جهدنا، إنما يحصل بقبولنا الرب يسوع المسيح، والإيمان باسمه.
وإذا كان على المرء أن يُولد قبل أن يُصبح إنسانًا بمعنى الكلمة، هكذا أيضًا يحتاج كل إنسان إلى ولادة ثانية من فوق، لكي يُصبح واحدًا من أولاد الله.
ويوحنا1: 13 يذكر لنا ثلاث طرق لا تحدث بها الولادة الجديدة، ويذكر لنا أيضًا الطريقة الوحيدة التي تحدث بها.
أولاً: الطُرق الثلاث التي لا تقودنا إلى الولادة الجديدة:
«لَيْسَ مِنْ دَمٍ»: هذا يعني أن الإنسان لا يُصبح مسيحيًا لمُجرَّد أنه وُلد في عائلة مسيحية. فحتى لو كان الوالدان مؤمنين حقيقيين فإن أولادهم لا يرثون الإيمان منهما، فالإيمان والخلاص لا ينتقلان من الوالدين إلى الطفل عبر مجرى الدم.
«وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ»: هذا يعني أن الإنسان لا يملك في جسده القوة اللازمة أو القدرة على إحداث الولادة الثانية. صحيح أنه يحتاج للرغبة في نوال الخلاص، إلا أن هذه الرغبة أو المشيئة الذاتية، غير كافية لتخليصه. ومهما حاول الإنسان – بإرادته الشخصية – أن يحصل على الولادة الجديدة، فإنه لا يستطيع. هَب أني لديَّ رغبة مُلحة لأن أكون ضمن أفراد العائلة الملكية الإنجليزية، وافترض أنني صنعت لنفسي ثيابًا ملكية، ولقَّبت نفسي بصاحب السمو الملكي أو ما شابه ذلك من الألقاب الرنانة؛ فهل مشيئتي الجسدية هذه تجعل مني أحد أفراد العائلة المالكة؟ بالطبع كلا. بل يجب أن أكون قد وُلدت في العائلة.
«وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ»: فما من إنسان آخر، مهما بلغ من التقوى والقداسة والاقتراب إلى الله، أن يفعل شيئًا لأجل شخص آخر، ليلده ولادة روحية، ليُصبح مسيحيًا حقيقيًا.
إذًا كيف تحدث هذه الولادة؟ وما هي الطريقة الإلهية الوحيدة التي يستطيع بها الإنسان أن يُصبح ابنًا لله؟
إن الجواب على هذا السؤال الهام والمصيري يكمن في العبارة «بَلْ مِنَ اللَّهِ». هذا يعني ببساطة أن القدرة على إحداث الولادة الجديدة لا تعتمد على أي شيء أو أي شخص، بل على الله وحده. إن تغيير الحياة عمل إلهي، يفعله روح الله للخاطئ المسكين الذي يأتي إلى المسيح بالتوبة والإيمان.
عزيزي القارئ: إن الرب يسوع ينتظرك الآن ليُخلّصك «آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ» (أعمال16: 31).
وعندما أكتب لك عن الخلاص بالإيمان لا أقصد مجرد تصديقك لقصة الإنجيل بطريقة عقلية، بينما تستمر كما أنت في نفس حياتك السابقة، ولكن إن كنت قد تحققت أنك خاطئ هالك، وتُريد أن تخلُص من عقاب وعبودية الخطية، فإني أناشدك أن تذعن لندائه، وتضع ثقتك في ذاك الذي مات لأجلك، وعندئذٍ لا بد أن يُجري الله معجزة التغيير في حياتك، وسوف تعلم علم اليقين أنك قد وُلدت ثانية «لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ، بَلْ مِنَ اللَّهِ» (يوحنا1: 13).