ألتقيت بالكثيرين ممن ينادون بأنهم ملحدون، لأكتشف المفاجأة…
إنهم ليسوا كذلك..
هم ليسوا ملحدين!
فالملحد لا يؤمن بوجود الله، لكن كل من ألتقيت بهم وجدتهم يتكلمون عن الله، ربما أكثر من كلام المؤمنين بوجوده عنه. وجدتهم يهاجمونه، ويحاولون استفزازه بكلمات عنيفة، ويهاجمون كل من يؤمن به. تصفحت حساباتهم على صفحات التواصل الإجتماعي، فوجدت يكتبون، ويسخرون، ويتناقشون عن الله!!
هؤلاء ليسوا بملحدين، فكيف يؤمنون بعدم وجود الله، وفي ذات الوقت يتكلمون عنه، أو يتكلمون إليه!! يهاجمون صمته أمام الألم، والإضطهاد، والحروب، والقتل. ويحاولون إثبات عدم صدق ما جاء بكلمة الله، الذي هو الكتاب المقدس! كيف يهاجمون شخصًا غير موجود، وكيف يشككون في كلام شخص لا وجود له في نظرهم. تناقض غريب وغير مبرَّر.
لماذا يشغل الله بال أولئك الذين لا يؤمنون بوجوده؟ والغريب أنهم في كل حديث، وزيارة، ولقاء. لا موضوع لديهم إلا هذا الأمر! يحاولون جذب أكبر عدد من أصدقائهم، لذات الطريق!
أما ما يدعو للعجب فعلاً. أنهم أصبحوا أكثر شراسة، في أحاديثهم. ولا مانع من التفوه بكلمات بذيئة لا تليق، ولا مانع من جرح مشاعر من يحاول التواصل معهم، أو حتى إبداء أي مشاعر إيجابية نحوهم.
يهاجمون مشاعر المحبة، والكلمات الصادقة.
يهاجمون استجابة الصلوات.
أما عن التناقض الغريب في أفكارهم، وكلماتهم فحدِّث ولا حرج:
يهاجمون الله لأنه لا يستجيب الصلاة. وعندما يستجيب الصلاة يعلِّقون على ذلك بأنها مجرد أمور نفسية غير حقيقية!
يهاجمون الله الذي لا يتدخل في ظروف البشر، وعندما يتدخل يهاجمونه لأنه لا يترك لهم الحرية في الاختيار!
يهاجمون الله ويتهمونه كذبًا بأنه لا يتعامل مع البشر بذات المعاملة، وهم يسيئون معاملة كل من يحاول الحديث أمامهم عن عظمة الله، وروعة معاملاته!
يهاجمون الله الذي يسبِّب الألم للبشر، ولا يمنع قتلهم. ثم يغفلون صلابة وثبات أولئك الذين يتألمون أمام التجربة!!
هم يلاحظون فقط ما يؤكِّد قضيتهم ويتغافلون عن كل أمور أخرى تؤكد عكس ما ينادون به.
عزيزي يا من تقول إنك مُلحد، وطوال الوقت تسأل، ولا تسمح لأحد بأن يسألك. دعني أسألك، وأرجو أن تجيب عن أسئلتي بصدق بينك وبين نفسك:
لماذا تهاجم شخصًا غير موجود؟!
كيف تقول إنك وصلت للحق، وعرفت الحقيقة الغائبة عنك، ومع هذا فقد أزداد اضطرابك الداخلي، وصرت مفتقدًا للشعور بالأمان؟ بل وفقدت ثقتك في الجميع، حتى نفسك؟!
كنت أنتظر أن تزداد سعادتك بهذا الاكتشاف العظيم، وأن تعلو ضحكتك وتملأ يومك. إلا أنني للأسف لاحظت أن على وجوه المنادين بهذه الأفكار كآبة غريبة، وتجف ابتسامتهم، وتتوارى فرحتهم يومًا بعد يوم!
كنت أظن أن من يكتشف حقيقة كهذه، يصبح أكثر إقبالاً على الحياة، وأكثر قربًا من الناس. ويشعّ وجهه بالأمل والتفاؤل، إلا إنني أجدك تفقد أصدقاءك، وتعيش في وحدة مبتعدًا عن الجميع. بسبب شعور خفي لديك بالتشاؤم والخوف من كل شيء؟!
بم تفسِّر، التحول الذي حدث في طريقة كلامك، وحياتك. فصرت أكثر شراسة، وتتلفظ بكلمات لم تكن تتخيل أنك تقولها يومًا من الأيام؟!
أين الهدوء والسكينة والاتزان النفسي الذي يتميز بهم كل من يعرف الحق، ويكتشف أمرًا عظيمًا في حياته؟
بمَ تفسِّر هدوء وطمأنينة المؤمنين بالله أمام الظروف الصعبة والآلام التي يجتازون فيها؟ ربما تعرف منهم الكثيرين، الذين يزدادون صلابة وإيمانًا بالله بعد اجتيازهم في ظروف مؤلمة جدًا تفوق تخيلاتنا. بل ويكتبون عن الله أكثر، ويتغنون بصلاحه ومحبته وحنانه!
تقول إنك لا تؤمن بوجود الله، لأنك لم تجد إجابة شافية ووافية للكثير من الأسئلة. هل وجدتها بعد أن تركت إيمانك بوجود الله؟ أم إن أسئلتك وحيرتك ازدادتا. وصار ذهنك مشوشًا وفكرك مرتبك لدرجة أنك تحتاج لمهدئات حتى تنام!
تسخر من أعمال الله المعجزية، وتسخر من طريقة خلقه للكون. بينما أنت تؤمن بنظريات هزيلة تثير السخرية في نفس اللحظة.
تعتبر أن الله يهين الإنسان، ولا يهتم به. ثم تعلن أن الإنسان كان أصله قردًا!! من إذًا الذي يهين الإنسان ويقلل من شأنه.
عندما تحدث في حياتك أمور عظيمة، ومفاجآت لم تكن تخطر ببالك، إلى من تذهب لتشكره؟ وعندما تعاني وتشعر بالوحدة والاكتئاب والضيق، من يفهمك ويستطيع علاج ما بداخلك؟
أرجو أن لا تكون تنادي بإلحادك حتى تكون مختلفًا! أو لمجرد لفت الإنتباه إليك. أو ربما لتبدو فيلسوفًا، ومُفكرًا، ومثقفًا! فكل هذه التفاهات تحرمك من أعظم متعة في الحياة؛ متعة القُرب من الله، والحديث إليه. والاستماع لكلماته الحلوة التي تذيب كل خوف واضطراب وضيق داخلك.
أخي الفاضل، إن كان الله مجرد خدعة نوهم بها أنفسنا لنشعر براحة نفسية، فالخدعة كما تعلم لا تستمر آلاف السنين.
قصدت أن أتكلم معك بذات المنطق الذي تتحدث به، راجيًا من الله أن تنفتح بصيرتك لتعرف الحق، وتستمتع بعلاقة حقيقية مع إله يعرفك جيدًا، وفي يديه العلاج المناسب والحقيقي لك.
لا أكلمك عن إله مكتوب عنه في الكتب، لكن إله أشعر به في كل لحظة، أتحدث إليه، ويتحدث إليَّ.
أطلب منه، فيستجيب. ويطلب مني فأستمتع بطاعته.
معي في وقت الألم، قبل أن يكون معي في أفراحي.
أراه كل يوم يغير القلوب، أراه في المتألمين الذين يسبحونه ويترنمون بأعماله العظيمة في حياتهم.
أراه في دموع الفرح التي تملأ العيون، في التسبيح له وتمجيد اسمه.
أراه في توبة مدمني المخدرات، والزناة، والمستعبدين للشيطان.
هل تعرف..
إنني أراه بقوة في كل كلمة تنطق بها وأنت تهاجمه.
عزيزي، أشكرك لأن إيماني يزداد بكلماتك، وعزيمتي وثباتي يزدادان بإضطرابك وترددك وخوفك، ومحبتي تزداد لله كلما رأيت صمته أمام هجومك عليه، وكلماتك التي لا تليق عنه. وكلما سمعت أسئلتك بخصوص وجود الله في حياتنا، كلما ازددت شكرًا وحمدًا لهذا الإله القدير الذي يشاركني كل لحظة في حياتي، ويملأ حياتي بإحساناته ومراحمه.
فكِّر فيما قلته لك..
حتى تعود ابتسامتك، وهدوؤك، وراحتك وكل ما فقدته وأنت تبتعد عن الله الذي يحبك، ويبحث عنك.
هو لديه إجابة عن كل أسئلتك، تعال أسأله هو، وليس البشر. ولا تحكم عليه من خلال تصرفات الناس. اخضع له، لتختبر أعظم حرية، وأروع حياة.
وأخيرًا.. أشكرك لانك كنت سببًا في كتابة هذا المقال.