ألقت قوات الأمن القبض على اثنين من الخدام الأتقياء، بإيعاز من الوالي ومعاونيه، بتهمة التبشير في إحدى البلاد غير المسيحية. وبعد أن قام الأمن بتعذيبهما بالضرب، أودعهما السجن بين العتاة والمجرمين دون محاكمة، مع أن قانون تلك البلاد كان يمنع أن يتم القبض على أحد دون إذن النيابة، ولا يوضع أحد المواطنين في السجن دون محاكمة أمام القضاء المدني، ولكن مسؤولي الأمن ضربوا بكل مواد الدستور والقانون وحقوق الإنسان عرض الحائط، فلم يكتفوا بالضربات بل أوصوا مأمور السجن أن يوضعهما في حبس خاص مقيدي اليدين والرجلين. وهو إذ كان رجلاً فظًا غليظ القلب متبلد المشاعر شخصية سادية، قام هو الآخر بتعذيبهما ووضع أرجلهما في المقطرة التي في السجن الداخلي، وتركهما يتجرعان الآلام المبرحة الناتجة عن الضرب بالعصي والسياط والدماء تسيل من جراحاتهما في كل جزء من جسديهما.
لكن ما كان من الخادمين إلا رفع صلاة وتضرعات إلى الرب لكي يمنحهما نفوسًا داخل السجن سواء مسجونين أو سجانين. وبعد فرصة الصلاة التي استمرت إلى نصف الليل فاض قلب الخادمين بالشكر والتهليل والتسبيح للرب، ومع سكون الليل كان صوتهما يعلو وصداه يتردد بين أرجاء السجن، ترنيمة تلو الأخرى، والمسجونون يسمعونهما؛ إلى أن ختما الفرصة المباركة (وكانت الساعة حوالي الثانية عشر ليلاً) بترنيمة
لم ترَ عين إلهًا غيرك يفتح السجن وينزع القيود
وبمجرد أن بدأ التسبيح بهذه الترنيمة المباركة، إذ بزلزال عظيم حدث وأصوات كأنها صليل سيوف مع وقع حوافر خيول، فتزعزعت أساسات السجن، مما أدى إلى فتح الأبواب بسب انفصال المصراعين بالقائمتين، أيضًا القيود الحديدية المثبَّتة في الحوائط تفككت من جراء تصدُّع حوائط المبنى. فعَلَت صراخات المسجونين وساد الذعر المكان، وهنا علا دوي صافرات الإنذار، وأسرع الحراس صارخين في الطرقات والفناء مهرولين بصوت عال (حرس سلاااااااح حرس سلااااااح). وتم رفع درجة الاستعداد إلى الدرجة القصوى، فأسرع الضابط النوبتجي إلى سكن مأمور السجن الذي كان ملحَقًا بالسجن لكي يبلغه بما حدث، وإذ به يجده نازلاً مسرعًا يطوي درجات السلم طيًا، وبملابس النوم، وسيفه في يده وهو يصرخ قائلاً: “بيتي خرب عيالي أصبحوا أيتام”. واستل سيفه لا ليطعن أحدًا بل نفسه.
وإذ ببولس، أحد الخادمين المسجونين، يصرخ من آخر الطرقة الطويلة، وهو يراه، على ضوء خافت، وهو مقبل على الانتحار بالسيف؛ فيصرخ بأعلى صوته قائلاً “حاسب يا باشا حاسب يا باشا. أوعى تنتحر وراك عيال وكل المساجين هنا متخافش”. وإذ بالضابط يسأل عن مصدر الصوت ويطلب إنارة الطرقات المظلمة والفناء الخارجي، ويجري مسرعًا إلى مصدر الصوت. وإذ به يندهش عندما يجد نفسه أمام اثنين من المساجين ملطخة ملابسهما بالدماء، وعندما تحقق من شخصيتيهما وعرف إنهما الخادمان بولس وسيلا الذين قام بتعذيبهما منذ ساعات قليلة، لم يتمالك الرجل نفسه ولم يضبط أعصابه؛ فاجهش بالبكاء مرتعبًا منكسًا رأسه للأرض قارعًا على صدره قرعات الندم قائلاً لهما: «يا سيدي ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟» فكانت الإجابة القاطعة الساطعة الجامعة المانعة «آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ» (أعمال١٦: ٣١).
وعلى التو أخرجهما من السجن وأخدهما إلى بيته وغسلهما من الجراحات فكلَّماه مع جميع بيته وشرحا للضابط وزوجته وأولاده عن الأخبار السارة التي في المسيح يسوع، وأنه يحبهم ولا فرق بين يهودي وأممي بل الكل محتاج للخلاص. وأثناء الحديث عن الرب يسوع وموته لأجل الخطاة وقيامته لأجل تبريرهم، كانت زوجة الضابط تُعد لهم مائدة من الأطعمة الشهية، ولكن قلبها وحواسها كانت منتبهة جدًا لكلام بولس وسيلا. وبعد تناول الطعام عملوا فرصة صلاة وتسبيح، آمن فيها كل أفراد البيت. وطلب الضابط أن يعتمد على اسم يسوع المسيح فاعتمد هو والذين له أجمعين. فتهلل الرجل مع جميع بيته إذ كان قد آمن بالله.
ولكن مأمور السجن لم يكتفِ بذلك، بل أرسل رسالة تفصيلية إلى رئيس المدينة الذي طلب منه معرفة ملابسات الحدث وما أسفر عنه زلزال السجن والوقوف على آخر المستجدات. ولكن عندما عرف الوالي رئبس مدينة فيلبي خاف جدًا واستدعى مشيريه. وبعد مشاورات كثيرة أرسل خطابًا في الصباح بالإفراج عن هذين المسجونين فورًا. وعندما جاء الأمر بالإفراج عنهم وقف أحد الضباط في ساحة السجن ونادى بصوت عظيم قائلاً: السجين بولس والسجين سيلا إفراج. فأجاب أحد الحراس قائلاً: دول بيشربوا شاي في مكتب البيه المأمور يا باشا. وعندما وصل الخبر إلى بولس وسيلا اعترض بولس قائلاً: ضربونا جهرًا أمام الناس بدون محاكمة ونحن رجلان نتمتع بالجنسية الرومانية والآن يطلقوا سراحنا سرًا، ليأتوا هم بأنفسهم ويطلقوننا. ولما سمع الوالي ومشيريه أن هذين الرجلين حاصلين على الجنسية الرومانية خافوا جدًا وجاءوا مسرعين مقدمين لهما اعتذارًا رسميًا أما الجميع. «فَخَرَجَا مِنَ السِّجْنِ وَدَخَلاَ عِنْدَ لِيدِيَّةَ، فَأَبْصَرَا الإِخْوَةَ وَعَزَّيَاهُمْ ثُمَّ خَرَجَا» (أعمال١٦: ٤٠).
عزيزي القارئ، مهما كانت شخصيتك أو ظروفك أو أفعالك، أود أن يصلك اليوم نفس ما سمعه سجان فيلبي «لاَ تَفْعَلْ بِنَفْسِكَ شَيْئًا رَدِيًّا! … آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ»، وليتك تفعل!