إذا كنت مفكراً، فأنا أدعوك أن تصير مسيحياً، لأن المسيحية دين المفكرين.
ولكي أثبت لك أن المسيحية دين المفكرين، سأذكر من الكتاب المقدس، الكتاب الموحى به من الله هذه الآيات:
“حِينَئِذٍ كَلَّمَ مُتَّقُو الرَّبِّ كُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ وَالرَّبُّ أَصْغَى وَسَمِعَ وَكُتِبَ أَمَامَهُ سِفْرُ تَذْكَرَةٍ لِلَّذِينَ اتَّقُوا الرَّبَّ وَلِلْمُفَكِّرِينَ فِي اسْمِهِ”(ملاخي 16:3).
“كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ كَلِمَةَ الْمَلَكُوتِ وَلاَ يَفْهَمُ فَيَأْتِي الشِّرِّيرُ وَيَخْطَفُ مَا قَدْ زُرِعَ فِي قَلْبِهِ”(متى 19:13).
“فَتَفَكَّرُوا فِي الَّذِي احْتَمَلَ مِنَ الْخُطَاةِ مُقَاوَمَةً لِنَفْسِهِ مِثْلَ هَذِهِ لِئَلاَّ تَكِلُّوا وَتَخُورُوا فِي نُفُوسِكُمْ” (عبرانيين 3:12).
“تَفَكَّرْتُ فِي طُرُقِي وَرَدَدْتُ قَدَمَيَّ إِلَى شَهَادَاتِكَ. أَسْرَعْتُ وَلَمْ أَتَوَانَ لِحِفْظِ وَصَايَاكَ”(مزمور 59:119-60).
وتعلن لنا هذه الآيات أن المسيحية دين المفكرين والفاهمين في عدة دوائر:
المسيحية دين المفكرين في اسم الله
ذكر ملاخي النبي جماعة من الأتقياء وصفهم بأنهم المفكرون في اسم الرب. وأول خطوة في الديانة الحقيقية هي خطوة معرفة اسم الرب. كتب أجور ابن متقية مسّا بالوحي الإلهي الأسئلة الآتية:
“مَن صَعِدَ إِلَى السَّمَاوَاتِ وَنَزَلَ؟ مَن جَمَعَ الرِّيحَ في حُفْنَتَيْهِ؟ مَن صَرَّ الْمِيَاهَ في ثَوْبٍ؟ مَن ثَبَّتَ جَمِيعَ أَطْرَافِ الأَرْضِ؟ مَا اسْمُهُ وَمَا اسْمُ ابْنِهِ إِنْ عَرَفْتَ؟” (أمثال 4:30). ما اسم هذا الخالق العظيم؟ وما اسم ابنه؟
كان أول ما قاله موسى النبي للرب حين لاقاه الرب عند العليقة المتوقدة بالنار:
“[هَا أنَا آتِي إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَأقُولُ لَهُمْ: إلَهُ آبَائِكُمْ أرْسَلَنِي إلَيْكُمْ. فَإذَا قَالُوا لِي: مَا اسْمُهُ؟ فَمَاذَا أقُولُ لَهُمْ؟]… وَقَالَ اللهُ أيْضاً لِمُوسَى: [هَكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: يَهْوَهْ إلَهُ آبَائِكُمْ إلَهُ إبْرَاهِيمَ وَإلَهُ إسْحَاقَ وَإلَهُ يَعْقُوبَ أرْسَلَنِي إلَيْكُمْ. هَذَا اسْمِي إلَى الأبَدِ وَهَذَا ذِكْرِي إلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ]” (خروج 14:3-15).
وفي المزمور الذي كتبه آساف نقرأ: “ويعلموا أنك اسمك يهوه وحدك العلي على كل الأرض” (مزمور 18:83). فاسم الرب هو “يهوه”.
و”يهوه” هو الإله الأزلي.. الموجود بذاته.. الذي رفع موسى النبي له هذه الصلاة : “من قبل أن تولد الجبال أو أبدأت الأرض والمسكونة منذ الأزل إلى الأبد أنت الله” (مزمور 2:90).
هذا الإله الأزلي الأبدي مكتفي بذاته عن مخلوقاته.. هو خالق السموات والأرض والبحر.. هو خالق الملائكة… وهو الكائن قبل مخلوقاته.. قال عنه داود النبي: “لا مثل لك بين الآلهة يا رب” (مزمور 8:86). وقال متحدثاً عن ذاته: “فبمن تشبهونني فأساويه يقول القدوس” (إشعياء 25:40). ولأنه لا شبيه له، فعلينا أن نُخضع عقولنا لإعلانه عن ذاته، ولا نحاول أن نضع غير المحدود، في عقولنا المحدودة. وقد أعلن الله عن ذاته، أنه جامع في وحدانيته: الآب، والابن والروح القدس.. ويتحتم أن يكون جامعاً في وحدانيته لكي يكون مكتفياً بذاته عن مخلوقاته، فيتكلم، ويحب، ويسمع، ويبصر، وهذا هو الإله الذي يجب أن نعرفه لننال الحياة الأبدية.
“وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته” (يوحنا 3:17). والطريق الوحيد لمعرفة الإله الحقيقي هو المسيح ابن الله الذي قال: “وليس أحد يعرف الابن إلا الآب. ولا أحد يعرف الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له” (متى 27:11). فليس أحد يعرف حقيقة الابن إلا الآب الموجود معه منذ الأزل. لذلك حين سأل المسيح تلاميذه: “من يقول الناس إني أنا ابن الإنسان… وأنتم من تقولون إني أنا؟ فأجاب سمعان بطرس وقال أنت هو المسيح ابن الله الحي. فأجاب يسوع وقال له: طوبى لك يا سمعان بن يونا إن لحماً ودماً لم يعلن لك لكن أبي الذي في السموات” (متى 13:16 و15-17).
الآب الذي عرف الابن أعلن حقيقة المسيح لبطرس. والابن الذي يعرف الاب يعلن الآب لمن يريد.
فائقة هذه الوحدانية الجامعة! هي فوق العقل.. لكنها ليست ضد العقل.. لهذا قلت إن المسيحية دين المفكرين في اسم الله.
المسيحية دين المفكرين في كتاب الله
رفع كاتب المزمور للرب هذه الصلاة: “اكشف عن عينيّ فأرى عجائب من شريعتك” (مزمور 18:119). فكلمة الله الحقيقية بها أمور عميقة وعجيبة. والديانة الإلهية مؤسسة على فهم الكلمة الإلهية. ولذا فلا بد أن يكون أساسها المتين، كتاب موحى به من الله، كتاب لا ينسخ الله بعض أجزائه بعد أن ينطق بها، فهو قال: “لا أغيّر ما خرج من شفتي” (مزمور 34:89).. وتقوم كل الأدلة لتؤكد أن الكتاب المقدس هو كتاب الله الوحيد الموحى به منه.
فهناك الدليل النبوي الذي يعلن أن كل نبوات الكتاب المقدس تمت، وتتم، وسوف تتم.
وهناك الدليل العلمي. فقد قال الكتاب أن الأرض كروية، ومعلقة على لا شيء (إشعياء 22:40) قبل أن يقول كوبرنيكوس وجاليليو بذلك بمئات السنين. بينما يقول كتاب ديني آخر: “أفلا ينظرون إلى الأرض كيف سُطّحت”.
وهناك الدليل الأدبي: فالوصايا والأحكام الموجودة في الكتاب المقدس كلها لخير الإنسان، وتثبيت العدالة والحق في الأرض.
وهناك الدليل التاريخي والأثري. فهناك مخطوطات قديمة للكتاب المقدس تعود إلى سنة 325م، وهي موجودة في مكتبة الفاتيكان، ومتحف لندن، ومكتبة فرنسا، ومكتبة جامعة كمبردج… وكل الآثار التي اكتُشفت وتُكتشف تؤكد صدق وحي هذا الكتاب العظيم.
وهناك الدليل الاختباري: فالذي يقرأ الكتاب المقدس ويؤمن بالمسيح الذي هو مركز نبواته تتغيّر حياته، ويمتلئ قلبه فرحاً وسلاماً. فاقرأ الكتاب المقدس ولا تصدق الذين قالوا بتحريفه. فهو كالذهب النقي يحوي دليل صدقه في داخله.. اقرأه بفهم لأنك إذا لم تفكر بدقة في محتوياته وتفهم إعلاناته يأتي الشيطان ويخطف من ذهنك ما قرأته. فليكن الكتاب المقدس مصدر راحتك وقت تعبك، ومصدر فرحك وقت نجاحك، ومصدر قيادتك وقت حيرتك.
المسيحية دين المفكرين في حكمة الله
ظهرت حكمة الله في إرساله ابنه المسيح ليموت على الصليب ليخلص الإنسان، والمسيح ليس مجرد إنسان.
ألا تقف حائراً ومتسائلاً: كيف يؤمن المسيحيون بإله ترك نفسه في يد السلطات الأرضية حتى صلبوه؟ وكيف يفتخر المسيحيون بالصليب وهو الأداة التي صُلب عليها من يقولون أنه ابن الله الذي فداهم؟ وكيف يُعقل أن الله القادر على كل شيء ترك المسيح – والمسيحيون يقولون أنه ابنه – بين أيدي الجنود الرومان حتى صلبوه في موضع الجلجثة؟
أمام هذه الأسئلة، وكلها أسئلة معقولة ومقبولة، يظهر تماماً أن المسيحية دين المفكرين في حكمة صلب المسيح.
وباختصار نقول إن الإنسان عاجز تماماً عن خلاص نفسه من غضب الله، وأن أعماله الصالحة ولو بلغت أعالي الجبال لا يمكن أن تُشبع قداسة وعدالة الله.. وقد قضى الرب أن “أجرة الخطية هي موت”. الله عادل قضى على الخطاة بالموت جسدياً وأبدياً.
وهو رحيم يريد أن يغفر لهم ويهبهم حياة أبدية في رحابه..
كيف يمكن التقاء عدالة الله برحمة الله؟
أضف إلى ذلك أن الله محبة.. فكيف تلتقي عدالة الله ورحمة الله، ليعلن الله بهذا اللقاء حبه العظيم للإنسان؟
لا يوجد مخلوق باستطاعته أن يخلص الإنسان. فالجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله. لذلك اقتضت حكمته الأزلية أن يُصلب ابنه الأزلي على الصليب، وعن هذا قال بولس الرسول: “ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوباً لليهود عثرة ولليونانيين جهالة. وأما للمدعوين يهوداً ويونانيين فبالمسيح قوة الله وحكمة الله” (1كورنثوس 23:1-24).
أعطِ نفسك وقتاً للتفكير في صلب المسيح.. واطلب من الرب أن يفتح ذهنك لفهم حكمته في هذا التدبير الأزلي. فالكتاب المقدس، ووجود المسيحيين، والتاريخ… كلها تؤكد على أن اليهود والرومان صلبوا المسيح وقتلوه. وأن صلبه لم يكن عن عجز من الآب أن يحميه.. بل كان لتنفيذ التدبير الأزلي الذي به تلاقى عدل الله مع رحمته، وأعلن به الله محبته (1بطرس 18:1-20).
المسيحية دين المفكرين في طرقهم
“تفكّرت في طرقي” يقول كاتب المزمور… فهل تجلس لحظة للتفكير في طرقك؟ هل تفكرت في بوهيمية حياتك؟ هل تفكرت في مدى تدهورك؟ هل تفكرت كيف وصلت إلى هذا الحضيض الذي تعيش فيه، حضيض العبودية للشهوة الجنسية.. حضيض العبودية لمحبة المال.. حضيض قتل الأبرياء باسم الله، لا لسبب إلا لأنهم يختلفون عنك في العقيدة أو الدين؟
بعد التفكير في طرقك لا بد أن تتوب توبة حقيقية، فتترك طريق الضلال، وأفكار الغدر والقتل والنجاسة، وترجع طالباً الغفران من الله.
“ليترك الشرير طريقه ورجل الإثم أفكاره وليتب إلى الرب فيرحمه وإلى إلهنا لأنه يُكثر الغفران” (إشعياء 7:55).
إن تبت توبة صادقة، وآمنت بالمسيح الذي فداك، فستنال الغفران والحياة الأبدية “لأن هذه هي شهادة الله… أن الله أعطانا حياة أبدية وهذه الحياة هي في ابنه. من له الابن فله الحياة ومن ليس له ابن الله فليست له الحياة” (1يوحنا 9:5 و11و12).