سألني ذلك الشاب وفي صوته التحدي: المسيحيون أذكياء… خرج منهم العلماء، في كل دوائر العلم… فمنهم الذين اكتشفوا الأمصال التي أوقفت الكثير من الأوبئة والأمراض، ومنهم المخترعون الذين صنعوا السيارة، والطائرة، والتليفون، ومنهم الموسيقيون مثل بيتهوفن وهاندل، ومنهم الكتاب العظام مثل شيكسبير… بلادهم متقدمة في الحضارة، والنظام، والنظافة… ومع هذا كله يؤمنون بإله لطمه الغوغاء على خده، وبصقوا في وجهه، وجلدوه، وأخذوه وصلبوه حتى نزفت دماؤه… ومات. وهذا الإله هو يسوع المسيح. على أي أساس يؤمن المسيحيون بإله رضي بكل هذا الهوان؟
أجبته: هل أنت مستعد أن تسمع الجواب؟
قال: أنا جئت إليك لتعطيني الجواب.
قلت: يعلن الكتاب المقدس، أن هذا الهوان الذي رضي به المسيح كان تدبيراً أزلياً لفداء الإنسان… قبل خلق الإنسان وسقوط الإنسان.
وهذه كلمات الكتاب المقدس: “عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ الْبَاطِلَةِ الَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ الآبَاءِ، بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَل بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ، مَعْرُوفًا سَابِقًا قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، وَلكِنْ قَدْ أُظْهِرَ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ” (1بطرس 18:1-20).
ولما جاء المسيح إلى الأرض مُرسلاً من الآب، قال لتلاميذه:
“أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ” (متى 28:20).
كان من المحتم أن يبذل المسيح دمه الكريم. وإليك بعض الأسباب، لأن ذكر كل الأسباب يحتاج إلى كتاب.
أولاً: دم المسيح الكريم هو الطريق الوحيد للتبرير، والتطهير والفداء ونوال الغفران
وعن هذا قال بولس الرسول: “مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ، لإِظْهَارِ بِرِّهِ، مِنْ أَجْلِ الصَّفْحِ عَنِ الْخَطَايَا السَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ اللهِ. لإِظْهَارِ بِرِّهِ فِي الزَّمَانِ الْحَاضِرِ، لِيَكُونَ بَارًّا وَيُبَرِّرَ مَنْ هُوَ مِنَ الإِيمَانِ بِيَسُوعَ” (رومية 24:3-26)
فلكي يبرر الله الإنسان الخاطئ الذي يؤمن بكفاية دم المسيح، أي لا يحسب لهذا الخاطئ خطية… وفي ذات الوقت يكون الله باراً في تبريره، كان لا بد أن يسفك المسيح دمه على الصليب، لتتلاثم عدالة الله مع رحمة الله. فبدم المسيح وحده يمكن أن يتبرر الأثيم، وينال الغفران الكامل لكل خطاياه. وهذا ما قرره بولس الرسول بكلماته: “الَّذِي فِيهِ لَنَا الْفِدَاءُ بِدَمِهِ، غُفْرَانُ الْخَطَايَا، حَسَبَ غِنَى نِعْمَتِهِ” (أفسس 7:1).
ومع التبرير يأتي الفداء فيصبح المؤمن بكفاية دم المسيح مُلكاً لله بعد أن باع الإنسان نفسه للشيطان بالعصيان وهو في جنة عدن. لذلك يرنم سكان السماء للمسيح قائلين: “مُسْتَحِقٌّ أَنْتَ أَنْ تَأْخُذَ السِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ، لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا للهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ” (رؤيا 9:5).
ومع التبرير والفداء يأتي التطهير، فيتطهّر المؤمن من الشعور بالذنب، فلا يعود إلى الإحساس بثقل آثامه وخطاياه، وعن هذا قال كاتب الرسالة إلى العبرانيين:
“لأَنَّهُ إِنْ كَانَ دَمُ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ وَرَمَادُ عِجْلَةٍ مَرْشُوشٌ عَلَى الْمُنَجَّسِينَ، يُقَدِّسُ إِلَى طَهَارَةِ الْجَسَدِ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ ِللهِ بِلاَ عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَال مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ” (عبرانيين 13:9-14).
ثانيًا: دم المسيح الكريم هو الطريق الوحيد لمصالحة الله مع الإنسان
الإنسان الطبيعي، الذي لم ينل خلاص الله، هو عدوّ لله..
هو عدوٌّ لله في فكره، فهو ينكر وجود الله ليعيش في فساده وخطاياه “قَالَ الْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: لَيْسَ إِلهٌ. فَسَدُوا وَرَجِسُوا رَجَاسَةً” (مزمور 1:53).
وهو ينتهز أي كارثة طبيعية كالأعاصير والفيضانات التي تغرق الألوف، أو الزلازل التي تهدم البيوت وتشرد سكانها، أو أي كارثة إنسانية كحادث اصطدام قطارات أو سيارات ليجدف على الله، وينسب إليه الضعف، وعدم المبالاة. قالت لي سيدة في السبعين من عمرها: “أنا أكره الله وأعاديه، لأنه حرمني من أمي وأنا في الثانية عشرة من عمري.
وهو عدوّ الله في أعماله الشريرة، كما يقول بولس الرسول: “وَأَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً أَجْنَبِيِّينَ وَأَعْدَاءً فِي الْفِكْرِ، فِي الأَعْمَالِ الشِّرِّيرَةِ” (كولوسي 21:1).
فعداء الإنسان الطبيعي لله يظهر بصورة سوداء في أعماله الشريرة… في تعديه على وصايا الله… وفي تعديه على الإنسان. ومع أن الإنسان أعلن عداءه لله، فإن الله يمد يده للإنسان ليتصالح معه، عاملاً الصلح بدم المسيح الكريم.
وهذا ما أعلنه بولس الرسول بكلماته: “وَلكِنَّ الْكُلَّ مِنَ اللهِ، الَّذِي صَالَحَنَا لِنَفْسِهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَأَعْطَانَا خِدْمَةَ الْمُصَالَحَةِ، أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعًا فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ. إِذًا نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ الْمَسِيحِ، كَأَنَّ اللهَ يَعِظُ بِنَا. نَطْلُبُ عَنِ الْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ. لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ” (2كورنثوس 18:5-21).
ويقول بولس الرسول أيضًا عن المسيح ومصالحة الله مع الإنسان بدمه الكريم:
“لأَنَّهُ فِيهِ سُرَّ أَنْ يَحِلَّ كُلُّ الْمِلْءِ، وَأَنْ يُصَالِحَ بِهِ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ، عَامِلاً الصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ، بِوَاسِطَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ: مَا عَلَى الأَرْضِ، أَمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ. وَأَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً أَجْنَبِيِّينَ وَأَعْدَاءً فِي الْفِكْرِ، فِي الأَعْمَالِ الشِّرِّيرَةِ، قَدْ صَالَحَكُمُ الآنَ فِي جِسْمِ بَشَرِيَّتِهِ بِالْمَوْتِ، لِيُحْضِرَكُمْ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ وَلاَ شَكْوَى أَمَامَهُ” (كولوسي 19:1-22).
دم المسيح الكريم هو الطريق الوحيد لمصالحة الله مع الإنسان.
ثالثاً: دم المسيح الكريم هو الطريق الوحيد للنصرة على الشيطان
هذا الحق نقرأ عنه الكلمات:
“وَهُمْ غَلَبُوهُ بِدَمِ الْخَرُوفِ وَبِكَلِمَةِ شَهَادَتِهِمْ، وَلَمْ يُحِبُّوا حَيَاتَهُمْ حَتَّى الْمَوْتِ” (رؤيا 11:12).
إن الشيطان يستخدم الكثير من المكايد ليضلّ الإنسان.
فهو يستخدم الخداع، الذي استخدمه مع حواء، كما قال بولس الرسول:
“وَلكِنَّنِي أَخَافُ أَنَّهُ كَمَا خَدَعَتِ الْحَيَّةُ حَوَّاءَ بِمَكْرِهَا، هكَذَا تُفْسَدُ أَذْهَانُكُمْ عَنِ الْبَسَاطَةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ” (2كورنثوس 3:11).
لقد خدع الشيطان حواء فزرع في فكرها الشك في صدق كلمة الله، إذ قال لها: “أَحَقًّا قَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟” (تكوين 1:3).
وزرع في فكرها الشك في دينونة الله. “فَقَالَتِ الْحَيَّةُ (الشيطان) لِلْمَرْأَةِ: لَنْ تَمُوتَا” (تكوين 4:3).
وزرع في فكرها الشك في محبة الله. فقال لها: “بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ” (تكوين 5:3). فكأنه يقول لها: لأن الله لا يحبكما… لا يريد أن تصلا لهذا المقام الرفيع فتكونان مثله.
وهو يدفع الناس للسلوك في شهوات الجسد كما قال بولس الرسول:
“وَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، الَّتِي سَلَكْتُمْ فِيهَا قَبْلاً حَسَبَ دَهْرِ هذَا الْعَالَمِ، حَسَبَ رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ، الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ، الَّذِينَ نَحْنُ أَيْضًا جَمِيعًا تَصَرَّفْنَا قَبْلاً بَيْنَهُمْ فِي شَهَوَاتِ جَسَدِنَا، عَامِلِينَ مَشِيئَاتِ الْجَسَدِ وَالأَفْكَارِ، وَكُنَّا بِالطَّبِيعَةِ أَبْنَاءَ الْغَضَبِ كَالْبَاقِينَ أَيْضًا” (أفسس 1:2-3). فالشيطان يدفع الإنسان للسلوك في شهوات جسده والانغماس في كل شهوات العالم، شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة.
وهو يدفع الناس إلى عبادته بابتداعه شتى أنواع الديانات البشرية والفلسفات الإنسانية
وفي تجربة المسيح في البرية، التجربة التي ارتضى أن يمر فيها ليظهر كماله وعصمته عن الخطية، قال إبليس للمسيح وهو يريه أمجاد العالم: “لَكَ أُعْطِي هذَا السُّلْطَانَ كُلَّهُ وَمَجْدَهُنَّ، لأَنَّهُ إِلَيَّ قَدْ دُفِعَ، وَأَنَا أُعْطِيهِ لِمَنْ أُرِيدُ. فَإِنْ سَجَدْتَ أَمَامِي يَكُونُ لَكَ الْجَمِيعُ” (لوقا 6:4-7). هدف الشيطان أن يقود الناس لعبادته. والطريق السلطاني للنصرة على الشيطان ومكايده، هو مواجهته بقوة دم المسيح الكريم.
قلت لصديقي الذي سألني كيف يؤمن المسيحيون الأذكياء بإله ارتضى بأن يحتمل كل هذا الهوان: هل عرفت الآن لماذا يؤمن الأذكياء، والعلماء، ورجال السياسة، والمخترعون صُنّاع الحضارات بهذا المسيح العظيم الذي احتمل كل هذا الهوان؟… وتركته يجيب بينه وبين نفسه عن هذا السؤال.
فليتك يا قارئي الكريم تقرر الاحتماء من غضب الله تحت ستر دم المسيح… وليتك تدرك أن دم المسيح الكريم يعلن لكل إنسان عجزه عن خلاص نفسه بأعماله الصالحة… فأعمال الإنسان الصالحة خرقة بالية لا تستر عريًا، هي كأوراق التين التي أراد آدم وحواء أن يستترا بها. فجفّت وسقطت وظهر عريهما المشين. ولو كان في قدرة الإنسان أن يخلص نفسه بأعماله الصالحة فلماذا مات المسيح على الصليب؟
إن موت المسيح على الصليب وسفكه دمه يؤكد تأكيداً قاطعاً عجز الإنسان عن خلاص نفسه بأعماله الصالحة أيًا كانت هذه الأعمال. لذلك قال بولس الرسول: “لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَال كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ” (أفسس 8:2-9).
فليتك تؤمن بقوة دم المسيح الكريم وتختبر حلاوة التطهير والغفران والمصالحة مع الله، والانتصار على الشيطان، وتردّد مع المرنم الكلمات:
يا لعظم قوة الدم دم ذاك الجريح
يا لعظم قوة الدم قوة صليب المسيح