لا أتكلم عن الأدلة والبراهين التي تثبت وتبرهن حقيقة قيامة المسيح، فهي كثيرة، وأكتفي بالبرهان الساطع القاطع؛ القبر الفارغ الذي يزوره ملايين الناس من جميع الجنسيات كل عام.
في كتابه “برهان يتطلب قرارًا” والذي ترجمه الراحل الدكتور القس منيس عبد النور يقول جوش ماكدويل: “تقوم كل ديانات العالم العظمى على افتراضات فلسفية، ماعدا أربع منها تعتمد على شخصيات أكثر مما تعتمد على الفلسفات، والمسيحية وحدها تنادى بان قبر مؤسسها فارغ. إبراهيم أب اليهودية مات نحو 1900 ق. م. دون أن يقوم، وفي الكتابات الأولى القديمة عن بوذا نقرأ عن موته، ومع التعليق، بهذا الموت لا يبقى بعده شيء بالمرة.”
ولقد مات نبي الإسلام في الثامن من يونيو 632م في المدينة في الحادية والستين من عمره، ويزور قبره اليوم ملايين المسلمين المخلصين، ولا يدَّعي أحد أن مؤسسي اليهودية أو البوذية أو الإسلام قد قاموا بعد موتهم. وتقوم المسيحية على حقيقة قيامة المسيح… فقد قال هو أنه ذاهب إلى أورشليم ليُصلب وفي اليوم الثالث يقوم.
أجل، نحن نؤمن أن المسيح قد صُلب وقبر وقام. ولذلك، فالمؤمن بعد نوال الحياة الجديدة، ينبغي أن يسلك ويحيا حياة القيامة حسب قوله في رومية 3:6–8 “أَمْ تَجْهَلُونَ أَنَّنَا كُلَّ مَنِ اعْتَمَدَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ، فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ، حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِمَجْدِ الآبِ، هَكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ؟ لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ نَصِيرُ أَيْضًا بِقِيَامَتِهِ. عَالِمِينَ هَذَا: أَنَّ إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ الْخَطِيَّةِ، كَيْ لاَ نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضًا لِلْخَطِيَّةِ. لأَنَّ الَّذِي مَاتَ قَدْ تَبَرَّأَ مِنَ الْخَطِيَّةِ. فَإِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَ الْمَسِيحِ نُؤْمِنُ أَنَّنَا سَنَحْيَا أَيْضًا مَعَهُ.” ونلاحظ هذه العبارة: “نسلك نحن أيضًا في جدة الحياة.” وكذلك يقول الرسول بولس: “مع المسيح صُلبت، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيّ.”
ما هي حياة القيامة؟
تتطلّب منا حياة القيامة:
اولا– أن نطلب ما فوق
“فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ الْمَسِيحِ فَاطْلُبُوا مَا فَوْقُ، حَيْثُ الْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اللهِ.” (كولوسي 1:3) وإن كنا نعيش في العالم، لكننا لسنا من العالم فعيوننا تتطلع دائمًا إلى ما فوق إلى السماء، إلى الرب يسوع الجالس عن يمين الله. أما الذين يعيشون في العالم، يقول عنهم الرسول بولس: “الذين نهايتهم الهلاك، الذين إلههم بطنهم ومجدهم في خزيهم، الذين يفتكرون في الأرضيات. فإن سيرتنا نحن هي في السماوات، التي منها أيضًا ننتظر مخلصًا هو الرب يسوع المسيح.” (فيلبي 19:3-20)
قيل عن إبراهيم: “بِالإِيمَانِ تَغَرَّبَ فِي أَرْضِ الْمَوْعِدِ كَأَنَّهَا غَرِيبَةٌ، سَاكِنًا فِي خِيَامٍ مَعَ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ الْوَارِثَيْنِ مَعَهُ لِهَذَا الْمَوْعِدِ عَيْنِهِ. لأَنَّهُ كَانَ ينتظرُ الْمَدِينَةَ الَّتِي لَهَا الأَسَاسَاتُ، الَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا اللهُ.” (عبرانيين 9:11-10)
ثانيا– أن نهتمّ بما فوق
“اهْتَمُّوا بِمَا فَوْقُ لاَ بِمَا عَلَى الأَرْضِ.” (كولوسي 2:3) وقال الرب يسوع المسيح: “فَلاَ تَهْتَمُّوا قَائِلِينَ: مَاذَا نَأْكُلُ؟ أَوْ مَاذَا نَشْرَبُ؟ أَوْ مَاذَا نَلْبَسُ؟ فَإِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا تَطْلُبُهَا الأُمَمُ. لأَنَّ أَبَاكُمُ السَّمَاوِيَّ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هَذِهِ كُلِّهَا. لَكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلًا مَلَكُوتَ اللَّهِ وَبِرَّهُ، وَهَذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ.” (متى 31:6–33) ما هي اهتماماتنا؟ وهل نهتم بملكوت الله؟
ثالثا– أن ننتظر ما فوق
لا نضع رجاءنا في الأرضيات. قال الرسول بولس: “إن كَانَ لَنَا فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ فَقَطْ رَجَاءٌ فِي الْمَسِيحِ، فَإِنَّنَا أَشْقَى جَمِيعِ النَّاسِ.” (1كورنثوس 19:15) رجاؤنا هو فيما لنا في السماء… رجاؤنا في مجيء المسيح ثانية… رجاؤنا أن لنا المجد والميراث مع المسيح. لذلك لا نضع قلوبنا على العالم.
رابعا– السلوك في القداسة
يكتب الرسول بولس في رسائله عن الحياة الجديدة التي في المسيح، مشدّدًا على حياة القداسة، فعلى سبيل المثال يقول في (1تسالونيكي 1:4–3 و7) “فَمِنْ ثَمَّ أَيُّهَا الإِخْوَةُ نَسْأَلُكُمْ وَنَطْلُبُ إِلَيْكُمْ فِي الرَّبِّ يَسُوعَ، أَنَّكُمْ كَمَا تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تَسْلُكُوا وَتُرْضُوا اللهَ، تَزْدَادُونَ أَكْثَرَ. لأَنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَيَّةَ وَصَايَا أَعْطَيْنَاكُمْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ. لأَنَّ هَذِهِ هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: قَدَاسَتُكُمْ. أَنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ الزِّنَا… لأَنَّ اللهَ لَمْ يَدْعُنَا لِلنَّجَاسَةِ بَلْ فِي الْقَدَاسَةِ.” وفي كولوسي 5:3-15 يكلمنا عن الحياة المقامة مع المسيح وطبيعتها، فأوجزها في عبارتين: نخلع الماضي، ونلبس الجديد: “إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله، ولبستم الجديد الذي يتجدّد للمعرفة حسب صورة خالقه.”
فالإنسان الذي قام مع المسيح ينبغي أن يحيا حياه القداسة متمثِّلًا بالمسيح الذي لم يعرف خطية ولا وُجد في فمه غشّ.
خامسا– هي حياة الثمر المتزايد
قال الرب يسوع: “كل غصنٍ فيَّ لا يأتي بثمر ينزعه، وكل ما يأتي بثمر ينقّيه ليأتي بثمر أكثر.” (يوحنا 1:15-2) ولأننا أغصان في الكرمة لا بدّ لنا أن نأتي بثمر من نوع ثمر الكرمة. وما هو هذا الثمر؟ (غلاطية 22:5) “وأما ثمر الروح فهو: محبة فرح سلام، طول أناة لطف صلاح، إيمان وداعة تعفف.” كان التلاميذ يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز. فحياة القيامة هي حياة مثمرة في جميع الاتجاهات، في علاقتنا مع الله ومع الآخرين ومع أنفسنا… في الأسرة وفي المجتمع الذي نعيش فيه.
إن كنت قد قمت مع المسيح فليظهر فيك هذا الثمر، لا تكن كالتينة التي لعنها المسيح لأنها بدون ثمر.
سادسا– وأيضًا حياة القيامة هي حياة النصرة
ظن الكثيرون في تلك الأيام، خاصة اليهود والرومان، أنهم قد قضوا على المسيح بصلبه وموته ودفنه، وقد انهوا حياته إلى الأبد، ولكن القيامة أثبتت وبرهنت أن المسيح حيّ ومنتصر:
انتصر على كل عوامل الموت، فلم يستطع القبر المظلم أن يمسك المسيح، ولا الحجر الكبير والثقيل المختوم بختم السلطة الرومانية أن يضبط المسيح ويمنعه من الخروج من القبر… ولم يستطع الحراس المتأجّجون بالسلاح أن يمنعوا المسيح من القيامة والحياة، ولا الموت نفسه الذي هو ملك الأهوال، لم يستطع أن يأخذ الحياة من المسيح. “أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتكِ يا هاوية؟” ولم يستطع إبليس أن يهزم المسيح، فالمسيح جرّد السلاطين والرؤساء أشهرهم جهارًا، فالمسيح قام حقًا منتصرًا… فالذين قاموا مع المسيح بجدة الحياة هم في المسيح أكثر من منتصرين… يعيشون حياة النصرة على الخطايا والشهوات وعلى العالم وعلى إبليس وعلى ذواتهم. (أفسس 22:4–31) “لأنه يعظم انتصارنا بالذي أحبّنا.”
سابعا– وأيضًا حياة القيامة هي حياة الشهادة والكرازة بدون خوف
لقد تأسست كرازة بطرس على موضوع الصلب والقيامة (أعمال 24:2). وبدون كرازته بالقيامة لما استطاع أن يربح 3 آلاف نفس في عظة واحدة.
وتأسست كرازة بولس وشهادته على موت المسيح وقيامته فقال: “لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه.” وقامت كرازة باقي الرسل والرعاة والخدام في كل العصور على الصليب والقيامة… وانتشرت المسيحية على هذا الأساس أن المسيح مات وقام وصعد إلى السماء وسوف يأتي ثانية. فالحياة المقامة مع المسيح هي حياة شاهدة:
بالحياة المثمرة وبالقدوة
بالاختبارات الحية وبالكلمة
بالخدمة المضحية وبالعطاء
فهل يرى الناس فينا حياة المسيح المُقام؟