النافذة الخطرة

راديو مياه الراحة

تُبنى البيوت في العالم اليوم كثيرة النوافذ متعددة المطلاّت. والنافذة مطلب حيوي لكل غرفة في البيت، يدخل منها النور والهواء النقي ويطل منها الساكن ليرى ما يحيط به من المناظر فيتمتع بجمال الطبيعة الأخّاذ الذي يُذهِب عنه الكآبة والعبوس. أما في الماضي فكانت البيوت تُبنى قليلة النوافذ أو معدومتها في بعض الأوقات. وحتى الأبواب الحجرية في الماضي السحيق لم تكن لتُفتح إلا للدخول والخروج وذلك خوفاً من الاعتداءات وضماناً لسلامة الحياة..

وكذلك فإن للجسد البشري نوافذ ومطلات يتواصل بواسطتها مع العالم الذي حوله والناس الذين يعيشون بقربه، والعين من أهم النوافذ خطراً في حياة الإنسان، لقد قال له المجد في الموعظة على الجبل:

“سراج الجسد هو العين، فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيّراً، وإن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلماً، فإن كان النور الذي فيك ظلاماً فالظلام كم يكون” (متى 22:6-23).

وأنا أتأمل في هذه الآية المباركة تصوَّرتُ نافذةً لا تُدْخِل النور بل الظلام، ولا تُدْخِل الهواء النقي بل الملوّث بالغازات السامة والجراثيم. وقلت في نفسي: كيف يفتح ساكن البيت نافذةً كهذه والأحرى به أن يغلقها بإحكام؟ وما هي فائدة وجودها إذا كان سيضطر لإبقائها مقفلةً وموصدة؟ وتأملت في العين التي حكم الرب بأنها قد تكون شريرة فتجعل الجسد كله مظلماً!! وقلت: هل يمكن أن يكون هذا العضو الجميل اللطيف والنافع كل النفع للجسد – يهديه في المسير، ويجنّبه المعاثر والسقطات، ويدلّه على النافع والضار – مصدر سوءٍ وخطر؟!!

ونستقرئ حوادث في الكتاب المقدس تؤكد أنها نافذة كثيرة الخطر..

حواء

فقد أطلّت منها حواء. يقول الكتاب: “فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل، وإنها بهجة للعيون، وأن الشجرة شهية للنظر. فأخذت من ثمرها وأكلت، وأعطت رجلها أيضاً معها فأكل” (تكوين 6:3). كانت تلك الإطلالة الساحرة في بدايتها إطلالة الموت الأبدي بالنتيجة. حيث كان تحذير الله واضحاً وصارماً “لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت”.. و”سمعا [آدم وحواء] صوت الرب الإله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار، فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة”. وكانا يرتعدان خوفاً وهلعاً وكأني بحواء تقول في نفسها: يا ليتني خُلقت من دون عينين.. أو يا ليتني لم أنظر تلك النظرة المشؤومة فتجنّبت شرّ تلك الأكلة المهلكة.

شعوب ما قبل الطوفان

وأطل منها شعوب الأرض قبل الطوفان. يقول الكتاب: “وحدث لما ابتدأ الناس يكثرون على الأرض ووُلد لهم بنات، أن أبناء الله رأوا بنات الناس أنهن حسنات فاتخذوا لأنفسهم نساءً من كل ما اختاروا” (تكوين 1:6و2). ثم يقول: “ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كلّ تصوُّر أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم” (تكوين 5:6)، فحزن الرب أنه خلق الإنسان، وتأسَّف في قلبه، وجلب مياه الطوفان… مياه الغضب التي أهلكت الجميع ولم ينجُ إلا نوح وعائلته حيث دخلوا فلك النجاة الذي كان يرمز إلى المسيح المخلص.

 شمشون

أطل منها شمشون البطل الجبار، نذير الرب الذي لم يُهزم في حياته مرة واحدة، ولم يضعف أمام الألوف، وأمام الأسود. فأحبّ دليلة، وحصل ما حصل له، حيث أُذِلّ الجبار وصار وهو مقلوع العينين يطحن الملح في بيت السجن في غزة. وبعد أن سمع الله بإغلاق نافذة عينيه استطاع أن يستعيد بعض قوته وزعزع هيكل داجون الذي كانوا يهزؤون به فيه فسقط عليه وعلى أعدائه.

عخان

أطل منها المحارب عخان بن كرمي. فحمي غضب الله على يشوع وعلى كل الشعب الذي كان بقيادته. وصلى يشوع إلى الرب فانكشف له سبب البلية، وحين استجوب عخان قال هذا الأخير: “رأيت في الغنيمة رداءً شنعارياً نفيساً، ومئتي شاقل فضة، ولسان ذهب وزنه خمسون شاقلاً، فاشتهيتها وأخذتها. وها هي مطمورة في الأرض في وسط خيمتي، والفضة تحتها” (يشوع 21:7). ثم نقرأ: “فقال يشوع كيف كدّرتنا؟ يكدّرك الرب في هذا اليوم! فرجمه جميع إسرائيل بالحجارة وأحرقوهم (عخان وأهل بيته) بالنار ورموهم بالحجارة” (يشوع 25:7). فما أبشعها من عاقبة!!

داود

أطل منها داود الملك كما هو مكتوب: “وكان في وقت المساء أن داود قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك، فرأى من على السطح امرأةً تستحم وكانت المرأة جميلة المنظر جداً” (2صموئيل 2:11). وأرسل فأحضرها وزنى بها، ثم تسبَّب في قتل زوجها ليغطي جريمته بجريمة أبشع. وبعد أن سمع كلمات ناثان النبي التي قال له فيها “أنت هو الرجل”، و”لا يفارق السيف بيتك إلى الأبد”، وحين ابتدأ قضاء الله يتمّ – فتهَدَّد ملكه وشرع السيف يأكل في بيته وأولاده – لعله قال في قلبه: ليتها قُلِعَتْ عيني التي نظرت إلى بثشبع، أو ليتها كانت ظلاماً أبدياً… وليس أدلّ على ذلك من دموع التوبة وعباراتها التي تبعت ذلك وكانت درساً لكثيرين.

وأراد الشيطان في سخف تصوّره أن يستخدم هذه النافذة لإغواء يسوع في تجربته كما هو مكتوب: “ثم أخذه أيضاً إبليس إلى جبل عالٍ جداً وأراه جميع ممالك العالم ومجدها وقال له: أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي” (متى 8:4و9). ولم يدرِ أن حيلته التي انطلت على آدم الأول وامرأته سوف لا تنفع مع آدم الثاني يسوع ابن الله القدوس البار.

أما أعيننا كبشر فهي نوافذ خطرة نطلّ منها على مباهج هذا العالم ومفاتنه، فتحرّك النظرة في أعماق نفوسنا شهوة شريرة قاتلة، فنحب العالم ونولع به. وقد قال الكتاب: “لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب. لأن كل ما في العالم شهوة الجسد، وشهوة العيون، وتعظم المعيشة، ليس من الآب بل من العالم. والعالم يمضي وشهوته، وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد” (1يوحنا 15:2-17).

عزيزي القارئ، لنجعل نوافذ أجسادنا مفتوحة للخير والنفع الأبدي. فلا نفتّحنّها على أمور الشر والشهوة، ولا على الطمع وحبّ المال، ولا على الكبرياء وتعظم المعيشة، ولنتحذّر من الطرق الغادرة التي قال عنها الكتاب: “توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت” (أمثال 25:16). وإذا أردنا أن تكون نوافذنا حصينة ومطلاتنا على العالم منيعة فلا نتّكلنّ على قوانا الذاتية، ولا نثق بثباتنا وتصميمنا الشخصي، ولا نحاولنَّ المراهنة على برّنا الذاتي مهما كنا نعتبر أنفسنا مؤمنين؛ فما من أحد يقدر أن يكون منيعاً بدون قوة خاصة من يسوع الذي غلب التجربة.

وأنت يا من تنتظر الرب وقد اقترب مجيئه، تفقَّد نوافذك بحرصٍ لئلا تُفْتَح في الأوقات غير المناسبة وتطلّ على المناظر غير الآمنة.

وأنت يا من ما زلت تستعمل عينيك للإطلال على شهوات ومفاتن العالم، سلّم نوافذك ليد القدير كي يحفظها منيعة تحت دمه الكريم الذي يطهِّر من كل خطية.

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *