دعني أبدأ رسالتي بهذه الكلمات
”مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي“ (غلاطية 20:2).
ارتمى الشاب على المقعد الذي أمامي.. كان زائغ البصر.. يحاول أن يجد الكلمات التي تصف حالته.. وتكلم فقال: أنا قبلت الرب يسوع مخلصاً وفادياً ورباً منذ ثلاث سنوات.. لكنني لا أحيا حياة النصرة التي أقرأ عنها في الكتاب المقدس. حياتي مزيج من الهزيمة والغلبة.. من الفرح والاكتئاب.. من الحياة فوق الجبل والحياة في الوادي.
هل من سبيل للوصول إلى حياة الانتصار؟
ساد الصمت بيننا لحظة ثم أجبت: نعم، هناك سبيل لحياة الانتصار، هو ”المبادلة“.
قال: ماذا تعني بالمبادلة؟
قلت: دعني أقوم أولاً بتشخيص الحالة، ثم أصف الدواء للعلاج..
أقول أولاً: إن اختبار الميلاد الثاني هو بداية الحرب.
قال: الحرب.. ماذا تعني بالحرب؟
قلت: الحرب في ثلاث جبهات.
جبهة قوات الشيطان وأرض المعركة فيها هي الرأس.
جبهة الطبيعة الموروثة من آدم ويسميها بولس الرسول ”الإنسان العتيق“، و”الجسد“، و”الخطية الساكنة فينا“.. وأرض المعركة فيها هي رغباتنا وغرائزنا..
وجبهة العالم الحاضر الشرير.. وأرض المعركة فيها شهوة الجسد، وشهوة العيون، وتعظّم المعيشة.
قال الشاب الجالس أمامي: لقد وضعت إصبعك على المرض.. صراع مع قوات الظلام تهاجمني في أفكاري، وصراع مع الطبيعة الجسدية، تهاجمني في غرائزي، وصراع مع العالم الحاضر الشرير الذي يريد أن يخدعني ويسلب مني حبي لمن فداني.
أنا إنسان ممزّق.. مع أنني مولود ثانية.. وأحب الرب يسوع المسيح.. هل هناك علاج لحالتي؟
قلت: العلاج الوحيد هو ”المبادلة“.
قال: مرة ثانية.. ماذا تعني بالمبادلة؟
قلت: في سفر العدد نقرأ الكلمات: ”وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: عُدَّ كُلَّ بِكْرٍ ذَكَرٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنِ ابْنِ شَهْرٍ فَصَاعِدًا، وَخُذْ عَدَدَ أَسْمَائِهِمْ. فَتَأْخُذُ اللاَّوِيِّينَ لِي. أَنَا الرَّبُّ. بَدَلَ كُلِّ بِكْرٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَبَهَائِمَ اللاَّوِيِّينَ بَدَلَ كُلِّ بِكْرٍ فِي بَهَائِمِ بَنِي إِسْرَائِيلَ“ (عدد 40:3-41).
اللاويون كانوا يؤخذون للخدمة بدل كل بكر من بني إسرائيل.. هذه هي المبادلة.. كل بكر من بني إسرائيل يؤخذ بدله واحد من اللاويين. وفي حرب المؤمن، في الجبهات الثلاث، عليه أن يقوم بعملية مبادلة.
أولاً: مبادلة سلطان الشيطان بسيادة الرب يسوع المسيح
سبب هزيمة المؤمن أنه لا يعطي السيادة الكاملة للرب يسوع المسيح.. ولسان حاله: ”أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُنَا، قَدِ اسْتَوْلَى عَلَيْنَا سَادَةٌ سِوَاكَ“ (إشعياء 13:26).
ولكي نبدّل الهزيمة إلى نصرة علينا أن نبادل سلطان الشيطان بسيادة الرب يسوع على قلوبنا.
اجتاز ”ف ب ماير“ – وكان خادماً مشهوراً في بريطانيا – اختباراً أبدل حياته من الهزيمة إلى النصرة.. فقد طلب من الرب بدموع أن يبدّل هزيمته في حربه الروحية إلى نصرة قوية.
وذات ليلة ظهر له الرب يسوع في حلم، وقال له: إن أردت نصرة بدل الهزيمة فأعطني حلقة مفاتيح حياتك كلها.. وأمسك ماير بحلقة المفاتيح وتذكّر أن هناك مفتاحاً غالياً جداً على قلبه، فأدار وجهه وأخرج المفتاح من الحلقة ثم مدّ يده وأعطى يسوع حلقة المفاتيح.. وأمسك يسوع الحلقة ثم أسقطها من يده وهو يقول: أعطني المفتاح الأخير يا ماير.. وتردّد ماير في إعطائه المفتاح الأخير، وأدار يسوع وجهه وبدأ يسير مبتعداً عنه.. وأدرك ماير مدى الخسارة لو أن يسوع مضى دون أن يباركه.. فمدّ يده بالمفتاح العزيز على قلبه وهو يردّد: ”خذ المفتاح الأخير يا سيد“. واستدار يسوع وأخذ المفتاح من يده.. وفي ذات اللحظة التي سلّم فيها المفتاح الأخير للرب امتلأ بقوة من العلاء ملأته فرحاً وسلاماً وقوة للانتصار.
فاستبدل سلطان الشيطان بسيادة الرب يسوع، سيادة كاملة على حياتك، وقل مع بولس الرسول: ”مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ“، وستختبر النصرة الأكيدة على قوات الظلام.
ثانيًا: مبادلة سيادة الجسد بسيادة الروح القدس
الجسد هنا ليس هو اللحم والدم، فاللحم والدم هو هيكل للروح القدس ”أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟“ (1كورنثوس 19:6).
الجسد الذي نعنيه هو الإنسان العتيق الموروث من آدم، هو الذي قال عنه بولس الرسول: ”وَأَعْمَالُ الْجَسَدِ ظَاهِرَةٌ، الَّتِي هِيَ: زِنىً عَهَارَةٌ نَجَاسَةٌ دَعَارَةٌ عِبَادَةُ الأَوْثَانِ سِحْرٌ عَدَاوَةٌ خِصَامٌ غَيْرَةٌ سَخَطٌ تَحَزُّبٌ شِقَاقٌ بِدْعَةٌ حَسَدٌ قَتْلٌ سُكْرٌ بَطَرٌ“ (غلاطية 19:5-21).
ولكي ننتصر على هذا الجسد بكل أعماله، لا بد أن نبادل سيادته علينا كمؤمنين بسيادة الروح القدس.. بمعنى أن نعطي للروح القدس السيادة الكاملة على كل دوائر حياتنا. فلا نكتفي بسكنى الروح فينا بل نمتلئ بالروح.. وعندئذ تتبدّل هزيمتنا إلى نصرة ”لأَنَّهُ إِنْ عِشْتُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ فَسَتَمُوتُونَ، وَلكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِالرُّوحِ تُمِيتُونَ أَعْمَالَ الْجَسَدِ فَسَتَحْيَوْنَ“ (رومية 13:8).
الجسد لن يموت. الجسد يبقى في المؤمن يشتهي ضدّ الروح حتى الموت، لكن الروح القدس يميت أعمال الجسد فلا تظهر هذه الأعمال في حياة المؤمن الغالب، وهكذا تتحوّل الهزيمة في دائرة الجسد ورغباته إلى نصرة عظمى.
ثالثًا: مبادلة محبة العالم بمثلثه الخادع بانتظار المدينة التي صانعها وبارئها الله
إبراهيم وموسى قاما بهذه المبادلة.. وعنصر القيام بها هو ”الإيمان“. ”وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى“ (عبرانيين 1:11).
العالم بمثلّثه الخادع، شهوة الجسد، وشهوة العيون، وتعظّم المعيشة بمكن أن يسبي قلب المؤمن غير المحترس، فيحبه أكثر من محبته للرب. ولهذا يقول يوحنا الرسول: ”لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ. إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ الآبِ“ (1يوحنا 15:2).
هل رأيت كيف يمكن استبدال محبتنا للآب بمحبة العالم؟
إبراهيم قام بالمبادلة التي حفظته من هذا التدهور.. فمع أنه كان غنياً جداً في المواشي، والفضة، والذهب (تكوين 2:13)، إلا أنه لم يبنِ لنفسه قصراً كقصور الملوك والعظماء في أيامه، بل حسب نفسه غريباً ونزيلاً في الأرض. ”بِالإِيمَانِ تَغَرَّبَ فِي أَرْضِ الْمَوْعِدِ كَأَنَّهَا غَرِيبَةٌ، سَاكِنًا فِي خِيَامٍ مَعَ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ الْوَارِثَيْنِ مَعَهُ لِهذَا الْمَوْعِدِ عَيْنِهِ. لأَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ الْمَدِينَةَ الَّتِي لَهَا الأَسَاسَاتُ، الَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا اللهُ“
(عبرانيين 9:11-10).
لقد أدرك بالإيمان أن الله أعدّ له ”مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ“ (1كورنثوس 9:2)، وهذا ما أعدّّه الله للذين يحبونه.. فاستبدل تعظم المعيشة في الأرض، بانتظار المدينة التي لها الأساسات.
وما عمله إبراهيم بالإيمان، عمله موسى كذلك.
”بِالإِيمَانِ مُوسَى لَمَّا كَبِرَ أَبَى أَنْ يُدْعَى ابْنَ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ، مُفَضِّلاً بِالأَحْرَى أَنْ يُذَلَّ مَعَ شَعْبِ اللهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ تَمَتُّعٌ وَقْتِيٌّ بِالْخَطِيَّةِ، حَاسِبًا عَارَ الْمَسِيحِ غِنًى أَعْظَمَ مِنْ خَزَائِنِ مِصْرَ، لأَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْمُجَازَاةِ“
(عبرانيين 24:11-25).
لقد انتصر موسى على العالم الحاضر الشرير، انتصر على التمتّع الوقتي بالخطية (شهوة الجسد)، وعلى الحياة في القصر الفرعوني بأبهته (شهوة العيون)، وعلى غنى خزائن مصر (تعظّم المعيشة)، بنظره إلى المجازاة.
فقم بهذه المبادلة.. استبدل محبة العالم الحاضر الشرير، بنظرك وانتظارك للمدينة التي لها الأساسات، وبنظرك إلى يوم المكافأة التي ستنالها من الرب.. واذكر كلمات بولس الرسول:
”لِذلِكَ لاَ نَفْشَلُ، بَلْ وَإِنْ كَانَ إِنْسَانُنَا الْخَارِجُ يَفْنَى، فَالدَّاخِلُ يَتَجَدَّدُ يَوْمًا فَيَوْمًا. لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا. وَنَحْنُ غَيْرُ نَاظِرِينَ إِلَى الأَشْيَاءِ الَّتِي تُرَى، بَلْ إِلَى الَّتِي لاَ تُرَى. لأَنَّ الَّتِي تُرَى وَقْتِيَّةٌ، وَأَمَّا الَّتِي لاَ تُرَى فَأَبَدِيَّةٌ“ (2كورنثوس 16:4-18).
لقد ربح موسى بهذه المبادلة الكثير:
عاش مئة وعشرين سنة ولم تكلّ عينيه ولا ذهبت نضارته (تثنية 7:34).
وعند موته حضر الرب جنازته، ودفنه في الجواء، وحضر دفنه الملاك ميخائيل(يهوذا 9)، وأخفى الرب قبره حتى لا يقدّسه الإسرائيليون بعد موته (تثنية 6:34). وبعد مرور مئات السنين ظهر موسى وإيليا النبي بمجد مع الرب يسوع المسيح، وتكلم معه عن خروجه، أي عن موته الذي كان عتيداً أن يكمّله في أورشليم (لوقا 28:9-31).
أضف إلى هذا أن الروح القدس أوحى إلى موسى بالأسفار الخمسة الأولى في العهد القديم، فكشف لنا الستار عن خلق السماوات، والأرض، والإنسان، والحيوان، وكيف اختار الله إبراهيم ليؤسس به الأمة الإسرائيلية التي جاء منها يسوع المسيح، وكيف قضى شعب إسرائيل أربعمئة سنة في العبودية والذلّ في أرض مصر، وكيف أخرجهم الرب بواسطة موسى وأعطاهم أرض كنعان.
أمور ما كان باستطاعتنا معرفتها بدون أسفار موسى.
فيا أخي المؤمن المهزوم أمام جبهات الحرب القائمة ضدّك، تعلّم مبدأ ”المبادلة“ لتختبر النصرة بدل الهزيمة.
مبادلة سلطان الشيطان بسيادة الرب يسوع المسيح.
مبادلة سيادة الجسد بسيادة الروح القدس.
مبادلة محبة العالم الحاضر بانتظار المدينة التي صانعها وبارئها الله.
وبهذه المبادلات ستهتف مع بولس الرسول قائلاً:
”وَلكِنَّنَا فِي هذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا“ (رومية 37:8).