هل القيم المسيحية كما نص عليها الكتاب المقدس عرضة للتحوّل بتأثير التطور الاجتماعي؟
أو هل المفاهيم المسيحية الاجتماعية والأخلاقية يعتريها التبديل بفعل التقدّم الحضاري والفكري والتقني؟
وهل المثُل القديمة التي تبنّاها أجدادنا في مشرقنا العربي بوحي من تعاليم الكتاب المقدس لا تصلح في المجتمع الغربي المعاصر؟
وأخيراً، هل الممارسات والعادات والتقاليد التي طبقتها الكنيسة الأولى في عباداتها واحتفالاتها ومشاركاتها العامة لم تعد تفي بمتطلبات القرن العشرين؟
هذه التساؤلات وسواها أثارها في ذهني حديث متشابك دار بيني وبين صديق لي حول ما أصاب بعض قيمنا الأخلاقية والاجتماعية التي كنا نمارسها في أرض الوطن والتي فقدت مضمونها منذ أن حططنا رحالنا في مهاجرنا المختلفة. فقد بدا له مثلاً أن نظرة الكنيسة للمرأة في الشرق هي نظرة ناقصة لأنها لم تفِ المرأة حقوقها المتساوية مع الرجل. وأن التأويلات التي اعتمدها المفسرون المشرقيون هي مجحفة ويجب أن يعاد فيها النظر لأن الله لا يفرّق بين الرجل والمرأة؛ طبعاً لم يكن موضوع المرأة هو الموضوع الوحيد الذي تداولناه معاً. إنما كان صورة عن طبيعة النظرة المتباينة التي يحملها المتمسكون بالتراث والمحافظون على سنن الآباء، والمعاصرون الذين يدعون إلى مواكبة التطورات التاريخية والاجتماعية والتقنية. وبالتالي كل ما يعيق حسب زعمهم التقدم الحضاري.
إننا نخطئ كل الخطأ حين نعمم حكماً ما على جميع القيم الروحية والاجتماعية والأخلاقية. ذلك أن القيم في رأيي تنقسم إلى قسمين رئيسيين على الصعيد الزمني:
أولاً: القيم المؤقتة
إنها قيم قابلة للتغيير والتبديل بتأثير الزمن والعلوم والاكتشافات الحديثة. فمثلاً، كان الزواج من الأقرباء في العصور القديمة وفي بعض البلدان من عالمنا المعاصر هو الزواج المفضّل، ولكن العلم أثبت أن مثل هذه الزواجات قد تسفر عن أمراض وعاهات خطيرة بعضها عقلية وبعضها جسمانية. وقد أدت هذه الاكتشافات الطبية إلى تغيير جذري في مفاهيم الناس. وأصبح الزواج من الأقرباء محظوراً شرعاً في المجتمعات المتحضّرة، وغير مفضّل في عدد من المجتمعات الأخرى. مثل هذه العادات والتقاليد وما يماثلها من القيم قابلة للتطور لأنها محكومة بقوانين خارجة عن ذاتها. وخاضعة للمؤثرات العلمية والفواعل الاجتماعية. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن هذه القيم والعادات والتقاليد قد تكون نسبية مرتبطة بالبيئة الجغرافية أو الظروف المكانية. فمفهوم الكرم عند العربي يختلف عن مفهومه الأمريكي. إذ أن الكرم عند الأمريكي مرتهن بنتائجه العملية بينما الكرم العربي مرتهن بمحتوياته الاجتماعية. بل إن أسلوب التعبير عن هذا الكرم يختلف من بيئة إلى بيئة ومن مجتمع إلى مجتمع.
ثانياً: القيم المطلقة أو الثابتة
هذه القيم لا تتأثر بعوامل الزمان والمكان. هي قيم وعادات وتقاليد تحمل خلودها في ذاتها. هي الصورة والجوهر في آن واحد. قيم تعارفت عليها كل أمم الأرض فرفضت ما هو مستقبح منها، واعتنقت ما هو مستحسن. فالسرقة، والزنى، والخيانة، والطمع، والكذب، والخداع، وسواها هي قيم مستقبحة بل هي مثالب تستنكرها الشعوب. وظلت مرفوضة على مدى العصور على نقيض ما نراه من قيم المحبة، والوفاء، والصدق، والأمانة، والولاء، والتضحية وغيرها من المناقب التي حافظت على قيمتها الروحية، والأخلاقية، والاجتماعية، والمعنوية حتى في أشدّ المجتمعات انحطاطاً.
ولا بد أن ننوّه هنا أن هذه القيم المطلقة لم تتولّد من الفراغ. بل إن مصدرها الله بالذات لأنها قيم خير تعمل على بناء المجتمع الصالح. ولو تدارسنا معا السبب الذي أورده لنا الرسول بولس عندما تحدّث عن ثمار الروح لوجدنا أن هذه الثمار هي قيم روحية إنسانية وأن تحقيقها بكل مضمونها الأخلاقي لا يتم إلا إذا كان الإنسان قد أصبح خليقة جديدة، عندئذ يمكنه أن يمارس هذه القيم المطلقة بصورة طبيعية. والأهم من هذا أن هذه القيم لا تعرف الجنسية أو العرقية ولا تؤثر فيها الفواعل الزمانية والمكانية بل هي عماد كل مجتمع شرقياً كان أم غربياً.
ولقد أدرك بولس الرسول هذه الحقيقة عندما تناول عدداً من الموضوعات وعلى الأخص العزوبية. فأشار إليه كشيء مستحسن وليس كقاعدة مطلقة يفترض بكل مؤمن مسيحي ممارستها. وأضاف قائلاً إن هذا ما يرتئيه هو. بل إنه رأي شخصي. ولكن في قضايا أخرى تتعلق بمركز المرأة في الكنيسة ودورها في خدمة العبادة وحقوقها الاجتماعية، فقد علّل كل تعليم تعليلاً روحياً أو لاهوتياً مستنداً بذلك على الحقائق الكتابية الثابتة… لم تكن تعاليمه تعاليم عشوائية بل كانت بوحي من الروح القدس. لهذا استطاع أن يميّز بين ما هو بيئوي مؤقت وبين ما هو عام ومطلق.
إن الخطأ الذي يقع فيه المؤمنون المسيحيون في بحثهم لهذه القضايا هو إخفاقهم في التمييز ما بين ما هو مؤقت وبين ما هو ثابت. والسؤال الذي علينا أن نطرحه في حديثنا عن مثل هذه القيم: ما هو التعليل الروحي واللاهوتي لهذه القيمة؟ ولعلّ خير مثال على ذلك أن أشير باختصار شديد إلى قضية الطلاق ولماذا ترفضها المسيحية الحقة.
ليس الزواج سوى رمز لعلاقة المسيح بالكنيسة. وعلاقة المسيح بالكنيسة علاقة ثابتة ومطلقة. المسيح هو رأس الكنيسة. والكنيسة هي جسده فماذا يحدث عندما يتم فصل الرأس عن الجسد؟ الموت. وقد أشار الكتاب المقدس إلى أن الكنيسة هي عروس المسيح وأن المسيح هو عريسها ولا طلاق بينهما. من هنا ومنذ بداية سفر التكوين اتّخذ الزواج معنى روحياً ولاهوتياً عميقاً لأنه أضحى الرمز الظاهري أو المادي لعلاقة الكنيسة بالمسيح.
فإن طبّقنا هذه القاعدة على ما ندعوه بالقيم يمكننا آنئذ أن نميّز بين ما هو ثابت ومطلق وبين ما هو مؤقت وعرضي.
وعلى ضوء هذه الحقيقة نستطيع أن نتحرر من الموروث المؤقت ونتمسك بالحق الثابت
امين ربنا يبارك الجميع
مهم جدا ان نتحرر من الموروث المؤقت ونتمسك بالحق الثابت
ربنا يبارك الجميع
ربنا يبارك خدمتكم اخوتي الافاضل
موضوع مهم والمفروض نتعمق اكثر في الموروث خصاص اذا كان يحدد مصيري الابدي
ربنا يباركم اخوتي
نشكر الرب يسوع اذا افتقدنا وخلصنا وحررنا من امور كثيرة
يا رب اعطنا ان نمييز ما بين ما هو مؤقت وبين ما هو ثابت
اشكركم اخوتي لطرح هذا الموضوع المهم
ربنا يبارك موقعكم ويبارك راديو مياه الراحة