إتهام الكتاب المقدس بالتحريف

راديو مياه الراحة

وقع نظري على عنوان كتاب لفت انتباهي يقول: “كتابٌ لا يُقهر”. تناولت الكتاب وقلَّبته بين يديَّ ولاحظت صورة للمؤلف: “ملاك لوقا” على الغلاف الأخير، وتحت الصورة كانت الكلمات التالية:

من حينٍ إلى آخر تتعرّض حقائقنا الإيمانية للنيل منها من جهات شتَّى، وَرَدُّنا الحاسم على ذلك يكمن في المقولة التالية: “صعبٌ عليك أن ترفس مناخس”.

و ”المناخس“، قارئي العزيز، جمع ”منخس“، وهو عبارة عن قطعة صلبة من خشبٍ أو حديد بطول وحجم نصف قلم الرصاص، لها رأس مدبَّب حادّ يدمي من يتعرّض له، يربطه الفلاح عادةً بحلس الحمار على ظهر الدابة ينخسها به بخفَّة كلما لزم لتُسْرع في الجري. فالعبارة “صعب عليك أن ترفس مناخس”، قالها المسيح لشاول الطرسوسي مضطهد الكنيسة محذراً إياه، لأن من يرفس المناخس يؤذي نفسه ويدمي جسده. والقصة الكاملة بكل تفاصيلها مدوّنة في  سفر أعمال الرسل الأصحاح التاسع، أترك للقارئ أن يطَّلع عليها بنفسه لو رغب  ليتعرَّف على المناسبة التي قيلت فيها…  إنما ما يهمّنا هنا هو قول المؤلف في وجه من يشكك في عقائدنا وفي كتابنا المقدس هو: “صعب عليك أن ترفس مناخس”. فللمنخس شوكة تُدْمي من يتعرَّض لها، فلن ينجح في ما يسعى إليه !

فكتابنا المقدس كان وما زال يتعرّض لمثل هذه الهجمات الشرسة، إلا أنه يتحدَّى مقاوميه ويسحق الهجمة تلو الأخرى، لأنه يقف على صخرةٍ أزلية ومن استند عليها لا يخيب.

ويقول المؤلف: نحن قبلنا الكتاب المقدس وآمنا به عن قناعةٍ وليس عن قهر،  فهو كتابٌ عجيبٌ، عريضٌ، ومتسعٌ كاتّساع العالم، وهو عميقٌ يصل إلى أعماق الأزل ومبادئ الخليقة… ومرتفعٌ إلى فوق حيث تخفي السماءُ أسرارها وراء السحب الزرقاء.

ثمّ يقول مخاطباً القارئ:

إذا وجَدَ الكتاب المقدس طريقه إلى  يديك، اعلم أنه كتابٌ لا يُقهر.

لا أقصد بهذا أن أقوم بالدعاية للكاتب،  كنت أتمنى أن أعرفه لأشدّ على يديه  وأُبدي له تقديري وأثنّي على ما أشار إليه في دفاعه عن صحة وسلامة الكتاب المقدس.

وها هو الكتاب المقدس اليوم بين أيدي  شعوب الدنيا كلها، ومنذ ألفي عام يخاطبهم بلغاتهم المتعددة. وفي ترجماته لكل لغات  العالم بقيت لغته سهلة طَيِّعة فلم تُفْقِده  الترجمة شيئاً من طلاوته أو رونقه أو  جمال بيانه لأنَّ مَنْ أوحى به خطّط له أن  يكون بهذا الوضوح وجمال التعبير لكل أمم وشعوب الأرض.

الكتاب المقدس هذَّب شعوباً كانت قابعة في أحضان الوثنية وردّها إلى وحدانية الله قبل الإسلام بقرونٍ عديدة، وهي اليوم في الطليعة بين شعوب العالم تقدُّماً وحضارة، والكتاب المقدس هو صاحب الفضل في إنارة دروبهم، وتصحيح اعوجاجهم، فَطَبَعَ حضاراتهم بخاتم التَّميُّز… فأينما وُجد الكتاب المقدس وُجد معه أُناسٌ متميزون، محبون، متسامحون، أمناء، صادقون، إنسانيون، والناس من حولهم يُدركون ذلك ويقرّون به، فطيب الشجرة يُعرَفُ من ثمرها.

وهنا لا بدَّ من القول أن الشعوب التي ما زالت تتجاهل هذا الكنز الثمين المتمثّل بالكتاب المقدس، أو تغافلته أو استهانت به، أو منعته عن ديارها عانت وتعاني من خللٍ  وأوجاعٍ وعللٍ اجتماعية لا لزوم لذكرها  والبحث في تفاصيلها، فالوقائع على الأرض تشهد بهذا.

التقاني شاب في ساحة الجامعة، ونسخةً من الإنجيل بين يديَّ، فاستأذن القراءة فيه واستجبت لطلبه، وبعد دقائق نظر إليَّ وقال: هل هذا هو الإنجيل المحرّف؟ فضحكت لسخافة السؤال، فبعض البلية ما يُضحِك.  ثم تمالكت نفسي وتجاوزت الصَّدْمة،

وقلت له: ما رأيك أن نجلس حول تلك الطاولة لنتحاور حول ما طرحت؟

وجلسنا فسألته: في أي سنة من الدراسة الجامعية أنت؟

قال: في الثالثة.

قلت: وما هو تخصُّصك؟

قال: الفلسفة.

قلت: ما هو برهانك حول تحريف الإنجيل؟

فصمت قليلاً ثمّ هزّ رأسه وقال: لا أعرف.

قلت: هل قرأت القرآن؟

قال: نعم.

قلت: هل وجدت فيه نصّاً تُسمعني إياه يقول بأن الإنجيل محرّف؟

قال: لا أعتقد.

قلت: على ماذا بنيت المصطلح الذي طرحته بأن الإنجيل محرّف؟

فزاغت عينا الشاب يُمنةً ويُسْرةً، وبدت الحيرة عليه وصمت.

ثم عدت فقلت: أنت شاب جامعي… وما شاء الله! وتدرس الفلسفة والمنطق والأصول، فكيف تتبنّى فكرة تحكم بها على كتابٍ سماوي هو كتاب وحي من عند الله بأنه محرّف ولا تملك الدليل، فتبني معتقدك على قولٍ طائش تسمعه من الناس وتبني عليه رأياً تُجاهر به؟!

ولمّا لم يُجب… قلت: هذا كتاب يقدّسه زملاء لك من حولك ومواطنون من أهل بلدك، فكيف تتجرّأ فتتّهمه بالتحريف بهذه البساطة ولا تستند على علم؟ هل تقبل أن يُقال هذا في كتابك؟

أوَ ليس في هذا تحقير لأقدس مقدسات الآخرين؟!

ولما أحسَّ الشاب بالحرج تمتم معتذراً بكلماتٍ مبهمة وانسلَّ بإحساس من الخيبة.

فقلت في نفسي: مجتمعاتنا ما زالت بحاجة إلى نضجٍ وتفهّمٍ للأسلوب العلمي في البحث والتنقيب للوصول إلى الحقائق، لا مجرّد أن نقرأ كتباً ونحمل شهاداتٍ نعلّقها على جدران البيت أو المكتب، دليلاً على ما درسناه ونتركها هناك ونعيش في فراغ…

ومن جهة أخرى فنحن بعد بحاجة لتفهّم الآخر بوعيٍ وأدبٍ دون استعلاء…

فما جرى مع هذا الشاب لا ينفي أنَّ في مجتمعاتنا، والحمد لله، الكثير من العناصر الطيبة الواعية من مسلمين ومسيحيين الذين يعيشون مستوىً رفيعاً من الأدب واللياقة وأُخوَّة المواطنة واحترام الآخر والتعامل بالحسنى.

ونحن بهذا لا نخطّئ دين أحد، إنما نشير إلى هزالة الادّعاء الذي لا تقرّه كتب السماء، ولا يستند إلى علمٍ أو شاهد حق… لماذا لا ينفتح الفرد منا على الآخر أياً كان الآخر في آرائه ومعتقداته؟ لماذا يستصعب الواحد أن يَتَقَبَّلَ بأنَّ الآخر لديه من المبادئ السامية ما يجعله يعتز بها، وبرهان مصداقيتها على أقل تقدير يتَّضحُ في حُسْنِ مسلكه، وفي انفتاحه، وأدبه، وطيب معشره؟

https://www.vopg.org/

21 thoughts on “إتهام الكتاب المقدس بالتحريف”

  1. كتابنا كتاب عظيم لانه كلام الله ولا يقدر اي انسان على الارض ان يحرف كلمة الله لان الله اقوى من اي انسان او شيطان

    1. يسوع ربي ومخلصي

      ربنا يباركك كلامك صحيح وانا اتفق معك

    2. Sundus Joseph

      اكيد من يقدر ان يغير كلمة الله اكيد لا احد
      ربنا يباركك اخي

  2. رجائي في الرب

    كلام الله كلام حي وهو دونه لنا لكي نعرفه ونتعمق في معرفتنا به مقالة رائعة
    ربنا يبارك الجميع

    1. امين .. كلامك صحيح نحن بحاجة الى التفكير في موضوع حساس مثل هذا
      ربنا يباركك اخي

      1. يسوع ربي ومخلصي

        في كلام الله لنا رسالة ووصيا نعيشها وهو كتاب واحد مترابط في موضوعه الذي هو الانسان الخاطئ بحاجة الى المخلص
        ربنا يبارك الجميع

    2. Sundus Joseph

      نعم كلام الله حي وقادر ان يحي الانسان اذا قراءها وعاشها
      ربنا يباركك اخي العزيز

  3. يسوع ربي ومخلصي

    انا لا افهم كيف يتهمون الكتاب المقدس بالتحريف دون اثبات
    من الذي حرفه؟
    ومتى حرفه؟
    واين حرف؟
    المكان الذي تم فيه التحريف؟
    اين الغير محرف لنعمل مقارنة؟
    ربنا يبارك الجميع

    1. اسألة مهمة بحاجة الى الاجابة من المتهجمين
      ربنا يباركك اخي

  4. Sundus Joseph

    ” لعل أفضل ما يفعله الإنسان لخير نفسه أن يفتش الكتاب المقدس .”
    القديس يوحنا الدمشقي
    هنا اقتبس هذه الكلمات ما يقوله هذا القديس بخصوص الكتاب المقدس
    ونصيحة لكل من يهاجم الكتاب الاولى انك تفتش فيه لعلك تجد باب الحياة الابدية

  5. لِأَنَّ كَلِمَةَ ٱللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ ٱلنَّفْسِ وَٱلرُّوحِ وَٱلْمَفَاصِلِ وَٱلْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ ٱلْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ.
    ٱلْعِبْرَانِيِّينَ ٤:‏١٢
    هكذا كلمة الله تعمل في الانسان وهي تكشف اسرار الانسان فلماذا هذا التهجم على الكتاب المقدس
    اقراءه اولا ثم اسأل الله اذا كانت هذه كلمته ام لا وهو مسؤول عن كلمته وهو قادر ان يحميها من الانسان

    1. Yousef Basheer

      تمام كلام سليم قبل الهجوم افهم لاني متأكد كل من يهاجم الكتاب لانه ملقن ومتبني فكر غيره وليس عن قناعة او بحث جدي
      ربنا يباركك يا محبوب

  6. ” قال الجنرال جرانت الذي كان رئيسا للولايات المتحدة: ” تمسكوا بالكتاب المقدس فهو مرسانا المؤتمنة لكل ما نتمتع به من حريات ونحن مديونون له بكل ما وصلنا إليه “.
    ربنا يباركم اخوتي

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *