أهمية قيامة الرب يسوع

القس بسام بنورة

متى 1:28-5 “وبعْد السّبْت، عنْد فجْر أوّل الأسْبوع، جاءتْ مرْيم الْمجْدليّة ومرْيم الأخْرى لتنْظرا الْقبْر. وإذا زلْزلةٌ عظيمةٌ حدثتْ، لأنّ ملاك الرّبّ نزل من السّماء وجاء ودحْرج الْحجر عن الْباب، وجلس عليْه. وكان منْظره كالْبرْق، ولباسه أبْيض كالثّلْج.

فمنْ خوْفه ارْتعد الْحرّاس وصاروا كأمْواتٍ. فقال الْملاك للْمرْأتيْن: “لا تخافا أنْتما، فإنّي أعْلم أنّكما تطْلبان يسوع الْمصْلوب.”

نتحدّث كثيرًا كمسيحيين عن موت الرّب يسوع المسيح على الصّليب لحدٍّ قد ننسى معه الحدث العظيم الذي جاء بعد الموت – وهو الحدث الفريد في التاريخ – أي قيامة الرّبّ يسوع من بين الأموات. تخبرنا كتب التاريخ بأن الفنّان المعروف مايكل أنجلو، ومن خلال زياراته الكثيرة لمعارض ومتاحف أوروبا، تأثر بالعدد الكبير باللوحات المرسومة عن موت الرّب يسوع المسيح معلقًا على خشبة الصّليب. لذلك تساءل هذا الفنّان الكبير: لماذا تمتلئ المتاحف والمعارض بصور الرّب يسوع ميتًا ومعلّقًا على الصّليب؟ لماذا ركّز الفنانون على حدث تم وانتهى في الماضي، وكأنه الحدث الأخير في حياة الرّب يسوع المسيح؟ لقد استمر موت المسيح على الصّليب لساعات قليلة فقط، ولكن الرّب يسوع هزم الموت وقام، وهو حي الآن، وسيبقى حيًا إلى أبد الآبدين.

صحيح أن موت الرّب يسوع المسيح على الصّليب هو أساس خلاصنا وفدائنا، ولكن بالقيامة ابتلع الموت إلى الأبد. قيامة الرّبّ يسوع المسيح من بين الأموات هي حجر الزاوية في إيماننا المسيحي، فكل أمل ورجاء في المسيحية مؤسس على القيامة، وعلى كون ربنا يسوع المسيح حيٌّ في السماء.

فيما يلي بعض الحقائق التي تبيّن أهمية القيامة في إيماننا وحياتنا المسيحية:

أولًا: تعتبر القيامة من أهم وأعظم الأدلة على صدق أقوال وتعاليم وإعلانات ربنا يسوع المسيح. القيامة مهمّة جدًا لدرجة أن رؤساء الكهنة والفريسيين تداعوا إلى الاجتماع والتشاور من أجل عمل كل ما يمكنهم للتأكد من عدم حدوث القيامة. فنقرأ في متى 62:27-66 كيف أنهم تذكروا أقوال الرّب يسوع بأنّه سيقوم في اليوم الثالث، لذلك أرادوا القضاء على الفكرة نهائيًا. فاتجهوا إلى الوالي الروماني بيلاطس وطلبوا حرّاسًا للقبر الذي دُفن فيه المسيح. لقد أرادوا أن يبقى المسيح ميتًا، وبالتالي تموت معه الكنيسة ولا يبقى أي مجال لنشر رسالة الإنجيل. قيامة الرّب يسوع تعني ببساطة أن الكنيسة ستقوى وستستمر. بينما لو بقي المسيح ميتًا في القبر، لكان باستطاعة رجال الدين اليهود أن يقولوا للعالم: تعالوا وانظروا الجسد الميت الذي أكله الفساد. فيسوع هذا الذي ادّعى أنّه المسيح ابن الله كان مجرّد كذّاب ومدّعٍ، فهو ميت، وبالتالي فحديثه عن قيامته كان ادعاء باطلًا. أما في حالة القيامة فلا يبقى مجال لرجال الدين ما يقولونه ضد شخص الرّبّ يسوع، ولا يبقى لديهم ما يرونه للعالم وما يتحدثون ضده.

لقد عمل رجال الدين بحسب مشورة إبليس الشرير لدفن المسيح وسيرته والقضاء على خطة الله لخلاص العالم والحياة الأبدية. لقد أرادوا بموت الرّب يسوع أن تموت دعوته ورسالته، وهذا يطابق ما جاء في المزمور 2:2-3 “قام ملوك الأرْض وتآمر الرّؤساء معًا على الرّبّ وعلى مسيحه قائلين: لنقْطعْ قيودهما ولْنطْرحْ عنّا ربطهما.” ولكن الرّدّ من السّماء جاء: “… أنت ابني، أنا اليوم ولدتك.”

لو وضع رجال الدّين كل جيوش العالم وكل الحجارة الضخمة في العالم على باب القبر، لما استطاعوا أن يقفوا أمام الرّبّ يسوع المقام من بين الأموات.

نقرأ في رومية 4:1 أن قيامة الرّبّ يسوع كانت من أكبر البراهين على أن الرّبّ يسوع هو ابن الله. “وتعيّن ابْن الله بقوّةٍ منْ جهة روح الْقداسة بالْقيامة من الأمْوات: يسوع الْمسيح ربّنا.” كذلك برهنت القيامة على صدق إعلانات الرّبّ يسوع بأنه سيقوم في اليوم الثالث. وبرهنت أيضًا على صدق نبوات العهد القديم التي تقول بأن جسد المسيح لن يرى فسادًا.

ثانيًا: تعتبر القيامة مركز وأساس الإيمان المسيحي. نقرأ في كورنثوس الأولى 3:15-4، 13-22 “فإنّني سلّمْت إليْكمْ في الأوّل ما قبلْته أنا أيْضًا… “وإنْ لمْ يكن الْمسيح قدْ قام، فباطلةٌ كرازتنا وباطلٌ أيْضًا إيمانكمْ. ونوجد نحْن أيْضًا شهود زورٍ للّه… أنْتمْ بعْد في خطاياكمْ… إنْ كان لنا في هذه الْحياة فقطْ رجاءٌ في الْمسيح، فإنّنا أشْقى جميع النّاس.”

نجد هنا حقائق جوهريّة عن القيامة: إن لم تكن قيامة، فإيماننا باطل. إن لم تكن قيامة، فشهادتنا باطلة، وبالتالي فنحن شهود زور. إن لم تكن قيامة، فنحن ما زلنا نعيش في خطايانا. إن لم تكن قيامة، فنحن نستحق الشفقة والرثاء من أتباع الديانات الأخرى ومن أمم العالم.

ولكن العكس هو الصحيح، فالمسيح قام، حقًا قام، وهو باكورة الراقدين، أي أول من قام من بين الأموات، ونحن بدورنا سنقوم وسنختبر تغييرًا عظيمًا في القيامة: سنلبس أجسادًا روحية لا تفنى، أجسادًا حية بقوة الروح القدس. فالقيامة هي رجاء المسيحي الحقيقي. القيامة هي مصدر وأساس السعادة الأبدية. القيامة هي موضوع إيماننا الراسخ.

أراد أحد رجال دين كبير في العالم أن يسخر من قسيس مسيحي، فقال له: إيمانكم فارغ وقبر مسيحكم فارغ. أما نحن فعندما نذهب لتأدية أحد واجباتنا الدينيّة، فإننا نزور مدينة نبيّنا العظيم حيث يرقد جسده. أما أنتم فلا يوجد عندكم أي شيء لتفتخروا به في قبر نبيكم. فأجاب القس المسيحي قائلًا لرجل الدّين: “لقد نطقت بالحق، فقبر الرّب يسوع المسيح فارغ، لأن الرّب هزم الموت وقام، وهو الآن حي في السماء، ونحن نضع رجاءنا وإيماننا بالرّب يسوع المسيح الحي والمقام من بين الأموات. ولأن الرّب يسوع حي، فنحن سنحيا معه. أما نبيكم فميّت، وأنتم تضعون رجاءكم برجل ميت. أنتم ستموتون كما وعدكم نبيكم الميت. أمّا نحن فنعرف أن ربنا يسوع حي، وسنحيا معه إلى الأبد، فهو الذي قال لنا: “أنا هو القيامة والحياة، من آمن بي ولو مات فسيحيا.”

ثالثًا: قيامة الرب يسوع المسيح هي أساس ثقة المسيحيين بقيامتهم والحياة الأبدية مع الله في السماء. نقرأ في كولوسي 12:2 “مدْفونين معه في الْمعْموديّة، الّتي فيها أُقمْتمْ أيْضًا معه بإيمان عمل الله، الّذي أقامه من الأمْوات.” فقيامة المسيح من الأموات إلى حياة جديدة هي أساس قيامتنا من دفن المعمودية إلى حياة جديدة في المسيح يسوع. المسيح مات ودفن وقام، ونحن في المعمودية نموت عن الخطية، وندفن تحت الماء، ونقوم إلى حياة جديدة بالإيمان مع ربنا يسوع المسيح.

كذلك فالإيمان بالقيامة له علاقة بخلاصنا، كما نقرأ في رومية 9:10 “لأنّك إن اعْترفْت بفمك بالرّبّ يسوع وآمنْت بقلْبك أنّ الله أقامه من الأمْوات خلصْت.” فلا خلاص ولا حياة أبدية ولا قيامة لنا بعد الموت دون إيماننا الراسخ بقيامة ربنا يسوع المسيح من الموت.

كذلك نقرأ في بطرس الأولى 3:1 “مباركٌ الله أبو ربّنا يسوع الْمسيح، الّذي حسب رحْمته الْكثيرة ولدنا ثانيةً لرجاءٍ حيٍّ، بقيامة يسوع الْمسيح من الأمْوات،” أي إن أساس رجائنا الحي هو قيامة الرّبّ يسوع المسيح، وهكذا فبدون قيامة لا رجاء لنا. ويجب على كل مؤمن حقيقي أن يكون متأكدًا، وبشكل مطلق، أن موت الجسد ما هو إلا انتقال إلى الحياة الأبدية بالقيامة من بين الأموات. فكما قام الرّب يسوع المسيح كذلك المؤمنون به سيقومون إلى حياة أبدية معه.

رابعًا: القيامة لها تأثير يومي على حياتنا المسيحية اليومية. نقرأ في رومية 11:8 “وإنْ كان روح الّذي أقام يسوع من الأمْوات ساكنًا فيكمْ فالّذي أقام الْمسيح من الأمْوات سيحْيي أجْسادكم الْمائتة أيْضًا بروحه السّاكن فيكمْ.”

كل إنسان يتوب عن الخطية، ويطلب من الله أن يطهره بدم المسيح، ينال عطية الروح القدس. أي إن الروح القدس يسكن في جسد المؤمن الحقيقي الذي تقدس بدم المسيح، كما نقرأ في أعمال الرسل 38:2 “توبوا ولْيعْتمدْ كلّ واحدٍ منْكمْ على اسْم يسوع الْمسيح لغفْران الْخطايا فتقْبلوا عطيّة الرّوح الْقدس.” والروح القدس هو روح القيامة. والمؤمن الممتلئ من الروح القدس، يعيش حياة القيامة، أي يعيش منتصرًا على قوة الموت وعلى قوة الخطية وعلى قوة الظروف والأوضاع الصعبة في عالم اليوم.

تبدأ حياتنا المسيحية بالخلاص من الخطيّة بالإيمان بالرب يسوع، ونمتلئ بالروح القدس، ونستمر مع الله بقية حياتنا بقوة روح القيامة. ويبقى رجاؤنا حيًّا في عقولنا وقلوبنا حتى آخر يوم في حياتنا الأرضية، كما نقرأ في كورنثوس الثانية 14:4 “عالمين أنّ الّذي أقام الرّبّ يسوع سيقيمنا نحْن أيْضًا بيسوع، ويحْضرنا معكمْ.” عند مجيء الرّبّ يسوع المسيح ثانية، سيصدر أمر بصوت بوق رئيس الملائكة، وإذا كنا لحظتها أمواتًا في القبور، فستقوم أجسادنا المائتة وتتغير إلى أجساد روحية مثل جسد المسيح الذي لبسه بعد القيامة، وسنكون مع الرّبّ كل حين.

تعطي القيامة لحياتنا معنىً ورسالةً وهدفًا ورجاءً حيًّا بالمستقبل، لذلك نعيش بلا خوف من التقدم بالعمر أو من المرض والموت. لأنّنا بالقيامة سنهزم الموت بقوة ربنا يسوع، له المجد، وسنحيا معه في السّماء إلى الأبد. آمين.

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *