أيها القارئ العزيز، يا من تشعر بالرضا عن نفسك وعن ذكائك، و يا من أنت ناجح ومتفوق في دراستك، يا من تعيش في بيت جميل وإمكانيات أسرتك المادية على ما يرام، ولديك نخبة من الأصدقاء تستطيع أن تسعد معهم وتقضى أحلى الأوقات، يا من تمتلك المواهب الطبيعية والمقومات الإنسانية التي تجعلك محبوبًا ومقبولاً؛ لقد وضعتك العناية الإلهية في أحسن الظروف التي يتمناها أي إنسان، ومع ذلك فإنه «يعوزك شيء واحد» (مر10: 21). هذا ما قاله الرب يسوع للشاب الغنى المهذب الذى تمتع بقدر وفير من محاسن الطبيعة البشرية. وأرجو يا عزيزي ألا تستهن بهذا الشيء الواحد، فهو الذى سيحدد أين ستكون في الأبدية.
أنت تجتهد في استذكار دروسك وتتعب وتسهر الليالي حرصًا على النجاح، فأنت تُقدِّر المسئولية وتعرف كيف تخطط مستقبل حياتك لتصل إلى أفضل وضع ممكن ماديا واجتماعيا، وحسنًا تفعل إذ تفكر بعقل. ولكن يا عزيزي، هذا التعب والكد سيوفر لك حياة كريمة هنا على الأرض ولسنوات محدودة؛ فماذا فعلت لأجل الأبدية؟ إنها حقيقة جديرة بالتفكير، وهى أهم بكثير من الزمان الحاضر. فإن أبسط قواعد الحساب تقول أن أبى مقدار يُنسب إلى ما لا نهاية قيمته صفر. وهكذا سنى الحياة بالنسبة للأبدية. سيتوقف الزمن عندما تبدأ الأبدية. ستدور ملايين السنين (مع أنه لا توجد سنون) والأبدية لازالت في بدايتها.
أنت لا تدرى ما تحمله الأيام لك من مفاجآت قد تغير شكل المستقبل وتجعل كل ما خططته لا يتحقق. ولكن ستبقى الحقيقة الثابتة التي لا تتغير أنك ذاهب الى الأبدية. لذلك أرجو يا عزيزي أن تتوقف للحظات وتقرر إلى أين ينتهى سفرك؟ إنه من الغباء أن تترك الأمر يتقرر عند الوصول إلى الأبدية.
ربما تعتبر نفسك صغيرا وأن لديك اهتمامات أخرى تناسب سنك، وأمامك الحياة مشرقة بآمال عريضة ترغب في الاستمتاع بها. إن الحياة التي تتدفق في كيانك تجعلك تشعر بأن النهاية بعيدة، وأنه سيأتي وقت عندما تصبح شيخا لابد أن تفكر بجدية تامة في أمر الأبدية، أما الآن فأنت تعيش يومك وتستمتع بوقتك ولا داعى أن تزعج أفكارك قبل الأوان.
مع أن الحياة يا عزيزي غير مضمونة. فكم من شباب رحلوا فجأة ودون توقعات إلى الأبدية. لكنى سأعتبر معك أن النهاية بعيدة، متمنيا لك دوام السلامة. واسمح لي أن أسألك هل ترغب أن تعيش حياتك لذاتك وتحقق رغباتك وتشبع شهواتك في أيام قوتك وصحتك وشبابك ونضارتك؛ ثم تعطى الفضالة لله، إن كانت هناك فضالة. هل سيقبل الله منك عندئذ هذه الفضالة؟ أليس مكتوب «اذكر خالقك في أيام شبابك، قبل أن تأتى أيام الشر أو تجئ السنون إذ تقول ليس لي فيها سرور» (جامعة12: 1). إذا عشت حياتك مستقلاً عنه ورفضته الآن سيرفضك في المستقبل وعندما تطلبه سوف لا يسمعك ويكون قد فات الأوان.
في آخر حديث للرب مع الجموع قبل الصليب قال لهم «النور معكم زمانًا قليلا بعد؛ فسيروا ما دام لكم النور لئلا يدرككم الظلام… تكلم يسوع بهذا ثم مضى واختفى عنهم» (يوحنا 12: 35، 36). لقد كانت بين أيديهم فرصة غالية جدًا ولم يغتنموها؛ فضاعت منهم للأبد. إن الذى يرفض نداء المحبة مرة ودعوة المحبة مرة ومرات، سيأتي يوم يتقسى بلا شفاء، ولا يستطيع الرجوع. «هوذا الآن وقت مقبول هوذا الآن يوم خلاص» (2كورنثوس 6: 2) « اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسّوا قلوبكم» (عبرانيين3: 15 ) «فالله الآن يأمر جميع الناس في كل مكان أن يتوبوا متغاضيا عن أزمنة الجهل» (أعمال71:03). هذا ما تحتاجه يا عزيزي لتضمن الأبدية السعيدة وتنجو من الدينونة العتيدة.
وللحديث بقية.