فكلُّ ما تريدون أن يفعل الناس بكم

الأخ شكري حبيبي

فكلُّ ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضًا بهم. لأنّ هذا هو الناموس والأنبياء (متى 12:7). معظمنا يطلب أن يعامله الناس بمحبة، باحترام، برحمة، بلطف، أن يتفهموا مواقفه، وأن يدافعوا عنه. لكن قليلاً ما نحاول أن نطبّق نحن نفس هذه المعايير على الناس من حولنا. أي أن نقدم لهم المحبة والاحترام، ونعاملهم باللطف، ونظهر لهم الرحمة، وأن نتفهم مواقفهم وندافع عنهم. أي تمامًا كما جاء في القاعدة الذهبية التي وضعها الرب يسوع المسيح، أنه يجب علينا أن نعامل الآخرين كما نريدهم أن يعاملونا. وهذا بالطبع مقياس عالٍ جدًا، ومستوى صعب لكنه ليس بالمستحيل.

مثال يوناثان وداود

إذا عُدنا إلى قصة علاقة الملك والنبي داود بيوناثان ابن شاول، لوجدنا مثالاً واقعيًا وتطبيقًا حيًّا لهذه القاعدة الذهبية. فبالرغم من أن يوناثان وهو الابن البكر لشاول، الذي كان يحق له المُلك بعد والده، نجده يتعلّق بداود ويحبّه كنفسه. مع العلم أن داود كان المنافس الطبيعي له على العرش. “أن نفس يوناثان تعلّقت بنفس داود وأحبّه يوناثان كنفسه… وقطع يوناثان وداود عهدًا لأنه أحبه كنفسه” (اصموئيل 1:18ب-3). وعندما طلب الملك شاول من ابنه يوناثان قتل داود رفض، وذهب وأخبر داود بعزم والده على قتله، لأنه سُرَّ بداود جدًا (1صموئيل 1:19-2). لا بل إن يوناثان تعرّض للإهانة ولمحاولة قتل من قبل والده شاول لأنه دافع عن داود (1صموئيل 30:20-34). ووصل الأمر إلى حد أن يوناثان قال لداود: “مهما تقل نفسك افعله لك” (1صموئيل4:20). وهذا تطبيق عملي للقاعدة الذهبية، إذ نجد أن يوناثان وضع نفسه مكان داود المُطارد المظلوم من قبل أبيه، وأبدى استعداده لكي يفعل كل ما يطلبه منه داود.

ويذكر لنا سفر صموئيل الأول كيف دبّر يوناثان خطّة لكي يهرّب داود (1صموئيل 18:20-23). وفعلاً تمّ تنفيذ الخطّة وهرب داود من أمام الملك شاول، ونجا بحياته (1صموئيل35:20-42). لقد كان داود بريئًا، وعلم يوناثان أن الله مع داود وأن معه الحق، وهو الجدير بالمُلك والبركة، ولهذا حاول إنقاذه من تآمر والده ومكايده. ولو افترضنا العكس أي أن يوناثان كان إنسانًا أنانيًا، ويريد المُلك لنفسه، وهو يستطيع ذلك، إذ هو الوارث الشرعي لوالده، فماذا كان سيحصل؟ لكان خسر كل شيء، وخسر صداقة داود، وأهم شيء خسر رضى الله عنه.

لأنّ هذا هو الناموس والأنبياء

لنلاحظ قول الرب يسوع المسيح في هذه القاعدة الذهبية: “لأنّ هذا هو الناموس والأنبياء”. فهدف الناموس أو الشريعة أن يجعل الإنسان محبًّا للآخرين كمحبته لنفسه  “لأن كل الناموس في كلمة واحدة يُكمل. تحبُّ قريبك كنفسك” (غلاطية 14:5). ولقد سمّى الرسول يعقوب هذه القاعدة بالناموس الملوكي (راجع يعقوب 8:2أ). ولم يختلف هدف الأنبياء –أنبياء العهد القديم- عن هذا المقياس، بل بالعكس أكّدوه ودعوا إلى صنع الحق (العدل) ومحبة الرّحمة. “قد أخبرك أيها الإنسان ما هو صالح. وماذا يطلبه منك الرب إلاّ أن تصنع الحق وتحب الرحمة وتسلك متواضعًا مع إلهك” (ميخا 8:6).

المسيح يقدّم أمثلة عملية

ولقد قدّم لنا الرب يسوع المسيح أمثلة عملية، لكي يساعدنا على تطبيق هذه القاعدة الذهبية. فنجده يتساءل قائلاً: “وَإِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ فَضْل لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يُحِبُّونَ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُمْ. وَإِذَا أَحْسَنْتُمْ إِلَى الَّذِينَ يُحْسِنُونَ إِلَيْكُمْ، فَأَيُّ فَضْل لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هكَذَا. وَإِنْ أَقْرَضْتُمُ الَّذِينَ تَرْجُونَ أَنْ تَسْتَرِدُّوا مِنْهُمْ، فَأَيُّ فَضْل لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يُقْرِضُونَ الْخُطَاةَ لِكَيْ يَسْتَرِدُّوا مِنْهُمُ الْمِثْلَ. بَلْ أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، وَأَحْسِنُوا وَأَقْرِضُوا وَأَنْتُمْ لاَ تَرْجُونَ شَيْئًا، فَيَكُونَ أَجْرُكُمْ عَظِيمًا وَتَكُونُوا بَنِي الْعَلِيِّ، فَإِنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى غَيْرِ الشَّاكِرِينَ وَالأَشْرَارِ”. وختم حديثه قائلاً: “فَكُونُوا رُحَمَاءَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمْ أَيْضًا رَحِيمٌ”

(لوقا 32:6-36). قارن هنا الرب يسوع المسيح بين موقفين، موقف المؤمنين بالمسيح وموقف الناس الآخرين. فإذا كنّا كمؤمنين نتصرّف كباقي الناس فأي فضل أو نفع لنا؟ فإذا كنا نحب فقط الذين يحبوننا، ونُحسن إلى الذين يحسنون إلينا، ونُقرض الذين نتوقع أن نستردّ منهم، فأي فضلٍ لنا؟ أو ما هو الفرق بيننا كمؤمنين وبين غير المؤمنين الذين يفعلون هكذا؟ وما هي الميزة التي نتميّز بها عنهم؟

المحبة والأنانية

إن عكس المحبّة هي الأنانية ومحبة الذات. فمن السهل جدًا أن يكون الإنسان أنانيًا، يطلب كل شيء لنفسه دون النظر للآخرين وحاجاتهم، إذ هذه هي طبيعة البشر الخاطئة. لكن من الصعب جدًا أن نحب الآخرين كنفوسنا، ونعاملهم كما نود نحن أن يعاملونا. ولنلاحظ أنه ليس خطأً أن نحب نفوسنا، لكن علينا أن نحب الآخرين كمحبتنا لنفوسنا، وهو ما رأيناه من محبة يوناثان لداود. وبالنتيجة علينا كما قال الرب يسوع المسيح أن نكون رحماء كأبينا السماوي الذي هو أساس ومصدر كل رحمة.

تحب قريبك كنفسك

أما الرسول بولس فقد أوصانا قائلاً: “لاَ تَكُونُوا مَدْيُونِينَ لأَحَدٍ بِشَيْءٍ إِلاَّ بِأَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، لأَنَّ مَنْ أَحَبَّ غَيْرَهُ فَقَدْ أَكْمَلَ النَّامُوسَ. لأَنَّ «لاَ تَزْنِ، لاَ تَقْتُلْ، لاَ تَسْرِقْ، لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ، لاَ تَشْتَهِ»، وَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةً أُخْرَى، هِيَ مَجْمُوعَةٌ فِي هذِهِ الْكَلِمَةِ: «أَنْ تُحِبَّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ». اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَصْنَعُ شَرًّا لِلْقَرِيبِ، فَالْمَحَبَّةُ هِيَ تَكْمِيلُ النَّامُوسِ” (رومية 8:13-10). يؤكد هنا الرسول بولس أن من أحبّ غيره فقد أكمل الناموس، وأن المحبّة هي تكميل للناموس. وأن كل الوصايا مجموعة بكلمة واحدة: تحب قريبك كنفسك. وأنه عندما نحب الآخرين فمن المستحيل أن نصنع شرًا لأي إنسان. الأمر نفسه الذي أكدّه الرب يسوع المسيح عندما وضع هذه القاعدة الذهبية: “فكلُّ ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضًا بهم. لأن هذا هو الناموس والأنبياء” (متى 12:7).

دليل عملي: أصحاح المحبّة

ولدينا في أصحاح المحبّة (1كورنثوس 13) أكبر دليل عملي يوضح لنا أهمية المحبة في حياتنا كمؤمنين. فإن كنت أتكلّم بلسان ولكن ليس لي محبة فقد صرت نحاسًا يطن أو صنجًا يرن. وإن كانت لي نبوّة وأعلم جميع الأسرار، ولديّ كل الإيمان حتى أنقل الجبال، ولكن ليس لي محبّة فلا أنتفع شيئًا. وإن أطعمت كل أموالي وسلّمت جسدي حتّى أحترق ولكي ليس لي محبّة فلا أنتفع شيئًا. ثم عدّد الرسول بولس صفات المحبة: “الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ، وَلاَ تَنْتَفِخُ، وَلاَ تُقَبِّحُ، وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا، وَلاَ تَحْتَدُّ، وَلاَ تَظُنُّ السّوء، وَلاَ تَفْرَحُ بِالإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ، وَتَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ، وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَدًا. وَأَمَّا النُّبُوَّاتُ فَسَتُبْطَلُ، وَالأَلْسِنَةُ فَسَتَنْتَهِي، وَالْعِلْمُ فَسَيُبْطَلُ”. وختم الرسول بولس قائلاً: “أَمَّا الآنَ فَيَثْبُتُ: الإِيمَانُ وَالرَّجَاءُ وَالْمَحَبَّةُ، هذِهِ الثَّلاَثَةُ وَلكِنَّ أَعْظَمَهُنَّ الْمَحَبَّةُ”

(1كورنثوس 4:13-8، 13). أجل إن المحبّة لن تسقط أبدًا. وسيأتي اليوم الذي سينتهي فيه كل شيء، بينما تبقى المحبّة إلى الأبد.

فهل ترانا نعامل الآخرين كما نود أن يعاملونا؟ وهل نسعى لكي نتحلّى بصفات المحبّة هذه، فنحب الآخرين كنفوسنا؟ وهل نطلب من الله أن يساعدنا لكي نتخلّى عن أنانيتنا؟

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *