لقد عصي الإنسان الله إذ جعل الله كاذبًا لأنه لم يصدِّق كلامه وصدّق كلام إبليس… مع أن الله أنذره بأن أجرة الخطية هي موت بقوله: “من جميع شجر الجنة تأكل أُكلاً، وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتًا تموت.” لكن الله المحب أراد أن يدفع أجرة الخطية عنه. وبما أن الله روح، والروح لا يموت، لذلك تجسّد الله في المسيح لكي يدفع عقاب الخطية بموته النيابي على الصليب.
لقد كانت الطريقة الوحيدة التي بها يمكن لله أن يكفّر عن الخطايا هي تجسّد المسيح، أي اتحاد الناسوت باللاهوت اتحادًا سرّيًّا لا يدركه العقل… لذلك سُمِّي عمانوئيل “أي الله معنا”. ويقول بولس: “عظيمٌ هو سرّ التقوى: الله ظهر في الجسد…” “أي إن الله كان في المسيح مصالحًا العالم لنفسه، غير حاسبٍ لهم خطاياهم، وواضعًا فينا كلمة المصالحة… لأنه جعل الذي لم يعرف خطيةً، (ذبيحة) خطيةً لأجلنا، لنصير نحن برّ الله فيه.”
كان الشعب القديم يقدّم الذبائح للتكفير عن خطاياهم، لكن الذبائح لا يمكن أن تكفِّر عن الخطايا… يبيّن الرسول بصورة واضحة وجلية أن ذبائح العهد القديم لا يمكن البتة أن ترفع الخطايا لأنها كانت ذبائح مكرّرة كل سنة.
“لأَنَّ النَّامُوسَ… لاَ يَقْدِرُ أَبَدًا بِنَفْسِ الذَّبَائِحِ كُلَّ سَنَةٍ، الَّتِي يُقَدِّمُونَهَا عَلَى الدَّوَامِ، أَنْ يُكَمِّلَ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ… لكِنْ فِيهَا كُلَّ سَنَةٍ ذِكْرُ خَطَايَا. لأَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنَّ دَمَ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ يَرْفَعُ خَطَايَا. لِذلِكَ عِنْدَ دُخُولِهِ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ: «ذَبِيحَةً وَقُرْبَانًا لَمْ تُرِدْ، وَلكِنْ هَيَّأْتَ لِي جَسَدًا. بِمُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ لِلْخَطِيَّةِ لَمْ تُسَرَّ. ثُمَّ قُلْتُ: هنَذَا أَجِيءُ. فِي دَرْجِ الْكِتَابِ مَكْتُوبٌ عَنِّي، لأَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا أَللهُ». إِذْ يَقُولُ آنِفًا: «إِنَّكَ ذَبِيحَةً وَقُرْبَانًا وَمُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ لِلْخَطِيَّةِ لَمْ تُرِدْ وَلاَ سُرِرْتَ بِهَا». الَّتِي تُقَدَّمُ حَسَبَ النَّامُوسِ. ثُمَّ قَالَ: «هنَذَا أَجِيءُ لأَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا أَللهُ». يَنْزِعُ الأَوَّلَ لِكَيْ يُثَبِّتَ الثَّانِيَ. فَبِهذِهِ الْمَشِيئَةِ نَحْنُ مُقَدَّسُونَ بِتَقْدِيمِ جَسَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَرَّةً وَاحِدَةً.” (عبرانيين 1:10-9)
هذه الأعداد التي قرأناها تعبّر لنا بصورة واضحة سرّ التجسّد بأن يولد المسيح من عذراء بلا خطية لكي يرفع خطايا الذين يؤمنون به. “لأن هذه هي مشيئة الذي أرسلني: أن كل من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة أبدية، وأنا أقيمه في اليوم الأخير.” (يوحنا 38:6-40)
“لأَنَّ النَّامُوسَ، إِذْ لَهُ ظِلُّ الْخَيْرَاتِ الْعَتِيدَةِ لاَ نَفْسُ صُورَةِ الأَشْيَاءِ.” فالناموس كان الظل وليس الجوهر بل كان كما يقول الكتاب، “ظل الخيرات العتيدة”، أي ظل خيرات العهد الجديد التي كانت رمزًا للمسيح الذي تمّم ذبائح العهد القديم. “لأنه لا يمْكِنُ أَنَّ دَمَ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ يَرْفَعُ خَطَايَا. لِذلِكَ عِنْدَ دُخُولِهِ (أي دخول المسيح) إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ: «ذَبِيحَةً وَقُرْبَانًا لَمْ تُرِدْ، وَلكِنْ هَيَّأْتَ لِي جَسَدًا.” (عبرانيين 4:10-5)
“ولما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة مولودًا تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني”… “والكلمة صار جسدًا وحلّ بيننا، ورأينا مجده، مجدًا كما لوحيد من الآب، مملوءًا نعمة وحقًّا.” (يوحنا 14:1)
ولكن هيأت لي جسدًا
بِذَبِيحَةٍ وَتَقْدِمَةٍ لَمْ تُسَرَّ. أُذُنَيَّ فَتَحْتَ. (رمز إلى طاعة المسيح) مُحْرَقَةً وَذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ لَمْ تَطْلُبْ. حِينَئِذٍ قُلْتُ: «هأَنَذَا جِئْتُ. بِدَرْجِ الْكِتَابِ مَكْتُوبٌ عَنِّى: أَنْ أَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ…]” (مزمور 6:40-8) هذه أول خطوة كانت في طاعة الابن للآب السماوي: “أن أفعل مشيئتك…”
لم تكن طاعة الابن طاعة قسرية بل طوعية: “من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينًا بالخزي.” “الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ.”
سأل أيوب قديمًا: “لأنه ليس هو إنسانًا مثلي فأجاوبه، فنأتي جميعًا الى المحاكمة. ليس بيننا مصالح يضع يده على كلينا”. فيجيبه بولس الرسول بقوله: “… الله كان في المسيح مصالحًا العالم لنفسه، غير حاسب لهم خطاياهم، وواضعًا فينا كلمة المصالحة… لأنه جعل الذي لم يعرف خطية، (ذبيحة) خطية لأجلنا، لنصير نحن برّ الله فيه.” (2كورنثوس 19:5و21). “وأن يصالح به الكل لنفسه، عاملًا الصلح بدم صليبه…” (كولوسي 20:1)
“مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ… لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ الْوَاحِدِ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ بِالْوَاحِدِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا الَّذِينَ يَنَالُونَ فَيْضَ النِّعْمَةِ وَعَطِيَّةَ الْبِرِّ، سَيَمْلِكُونَ فِي الْحَيَاةِ بِالْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ! فَإِذًا كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَة صَارَ الْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ، هكَذَا بِبِرّ وَاحِدٍ صَارَتِ الْهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، لِتَبْرِيرِ الْحَيَاةِ. لأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً، هكَذَا أَيْضًا بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ أَبْرَارًا. وَأَمَّا النَّامُوسُ فَدَخَلَ لِكَيْ تَكْثُرَ الْخَطِيَّةُ. وَلكِنْ حَيْثُ كَثُرَتِ الْخَطِيَّةُ ازْدَادَتِ النِّعْمَةُ جِدًّا. حَتَّى كَمَا مَلَكَتِ الْخَطِيَّةُ فِي الْمَوْتِ، هكَذَا تَمْلِكُ النِّعْمَةُ بِالْبِرِّ، لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا.”
ثم يعطي نتيجة التجسّد. “فبهذه المشيئة نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة… قد أكمل إلى الأبد المقدّسين.”