قد يظن البعض أن الصليب حدث جرى في الزمن في وقت معين أو حدث أتى فجأة بدون علم سابق عندما قرروا الرومان صلب المسيح بمشورة اليهود للتخلص من المسيح.
بينما الصليب كان منذ الأزل في فكر الله المقدس لعلمه المطلق والسابق لكل الاحداث قبل حصولها، وحينما تجسد في ملء الزمان كانت هذه المرحلة هي تجسيد فكرة الصليب وتحويله الى الواقع، وتاريخ الصليب مر بخمس مراحل المرحلة الأزلية اي الله فكر به قبل الخلق ومرحلة الوعد بعد سقوط ادم بالخطيئة ومرحلة الإشارات والنبؤات والرموز لتمهيد لفكرة الصلب ومرحلة التحقيق اي تتميم النبؤات حرفيا كما نعرفها في احداث الصلب ومرحلة الاستمرار الأبدي هذه المرحلة التي نعيشها الآن وتستمر لحين مجيئه الثاني اي الرب يسوع ياخذ اولاده وبناته قبل الضيقة العظيمة.
في مرحلة التحقيق للنبؤات وتتميم المواعيد تمت كما نعرفها من احداث الصلب حيث سمر الرب يسوع على خشبة الصليب ودقت المسامير في يديه والتهب ظهره بالسياط ، التنبؤ بأنه يقاسي الآلام نيابة عن البشر: (اشعياء 53: 4 و5 وانظر ايضًا اش 53: 6 و12) وكلل بالشوك رأسه المقدسة وطعن في جنبه بالحربة فجرى منه دم وماء التنبؤ بأن جنبه يثقَب(زك 12: 10) التنبؤ بأن ستثقب يداه وقدماه: (مزمور 22: 16 وانظر أيضًا زكريا12: 10) التنبؤ بأنه يصلب مع أثمة: (اشعياء 53: 12) أنه يدفن مع غني عند موته: (اشعياء 53: 9) وهناك المئات من النبؤات في العهد القديم والتي تمت حرفيا توضح لنا كيف تم الصلب حرفيا.
والصليب الذ كان في فكر الله منذ الأزل وأعلنه الوحي الإلهي لنا في الكتاب المقدس من خلال نبوات ورموز وعلامات كثيرة ندرس بعض منه في سفر التكوين :-
الصليب في حياة أبونا آدم : تكوين 14:3 قال الله للحية أضع عداوة بينك وبين المرأة ، وبين نسلك ونسلها ، وهو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه وقد وضع الله عداوة بين إبليس والمرأة حتى يأتي ربنا يسوع المسيح من نسل المرأة – دون زرع بشر يسحق رأس الحية بالصليب التي سحقت عقب البشرية اي يستعبد البشر بالخطيئة ويسيطر عليهم لفعل الشر.
وحادثة آدم وحواء عندما حاولوا ستر عورتهما بانهم اخاطوا لانفسهم مآزر من ورق التين اشارة الى ان اعمال الانسان لا تستر خطيئته والكتاب يعلمنا بان الله هو الذي قام بسترهما حسب الآية تكوين 3: 21 (وَصَنَعَ الرَّبُّ الإِلهُ لآدَمَ وَامْرَأَتِهِ أَقْمِصَةً مِنْ جِلْدٍ وَأَلْبَسَهُمَا) لاحظ لم يقل الكتاب خلق لهما بل صنع اي ان هناك حيوان صاحب الجلد قد تم ذبحه لكي يسترهما اي البرئ تحمل عقابهما وهذه اشارة الى الصليب الذي يستر خطيئة الانسان وليس اعماله.
الصليب في حياة هابيل ابن آدم:-
ذبيحة هابيل كانت ترمز الى ذبيحة المسيح المحروقه على الصليب وكانت مقبوله عند الله وعرف هابيل قصة الذبيحة المقبولة من آدم وحواء شيء اكيد… وبحسب معرفته قدم ذبيحته المقبولة للرب وهي اشارة الى المسيح الذي احبنا ايضا واسلم نفسه لاجلنا قربانا و ذبيحة لله رائحة طيبة (أفسس 5 : 2)وحين يقول الكتاب حسده أخوه وقتله في الحقل وهذا ما حدث مع السيد المسيح فصلبه على أيدي اليهود الذين أسلموه حسداً وصلبوه.
الصليب في حياة نوح :-
كان الطوفان رمزا لعمل التجديد للطبيعة البشرية والدينونة التي نزلت على الجميع، والفُلك اي السفينة رمزا للصليب الذي حمل السيد المسيح معلقا لأجلنا، فحمل فيه اي في الفُلك اقصد السفينة نوح وزوجته واولاده الثلاثة وزوجاتهم ليكونوا محميين مع الحيوانات داخل السفينة لان خارج السفينة موت حقيقي وهذه اشارة الى ان في موت المسيح نخلص من الدينونة اذا آمنا به واحتمينا فيه كما فعل نوح وعائلته
كان لا بد من هلاك العالم القديم [ اي الإنسان القديم ] وبدأت الحياة الجديدة بالعبادة خلال الذبيحة قدمها نوح عنه وعن الكل اشارة الى ان قبول نوح وعائلته امام الرب تتم من خلال قبول الذبيحة كما يتم قبولنا نحن من خلال الصليب ربنا يسوع اليوم . ما قدمه نوح كان رمزا لعمل الرب يسوع المسيح الذبيحة الكاملة، أقام الله ميثاقا اي عهد مع نوح وبنيه ، وجعل قوس قزح علامة للميثاق بينه وبينهم ، وبينه وبين نسلهم من بعدهم ، إذ جاء التأديب خلال الطبيعة ( الطوفان ) أقام الله العلامة في الطبيعة علانية ( قوس قزح ) ، أما في العهد الجديد إذ حمل السيد المسيح تأديبنا في جسده جعل العلامة فيه خلال جراحات الصليب .
الصليب في حياة أبونا إبراهيم :-
ذبيحة اسحق الذي قدم ذاته للموت هو رمز لذبيحة الصليب حيث بذل الرب يسوع نفسه كرائحة زكيه لله أبيه .(فيلبي2: 6)”اذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة ان يكون معادلا لله لكنه اخلى نفسه اخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس و اذ وجد في الهيئة كانسان وضع نفسه و اطاع حتى الموت موت الصليب لذلك رفعه الله ايضا و اعطاه اسما فوق كل اسم”
” فقال إبراهيم لغلاميه : إجلسا أنتما مع الحمار ، وأما أنا والغلام فنذهب إلى هناك ونسجد ثم نرجع إليكما … فأخذ إبراهيم حطب المحرقة ووضعه على إسحق إبنه وأخذ بيده النار والسكين وذهب كلاهما معا ” ( تكوين 22: 5 ، 6 ). الله لم يسمح لابراهيم من ان يذبح ابنه بل اعطاه البديل الكبش الموثق في الغابة بقرنيه ليذبح بدل ابنه وعنه ايضا في اشارة ورمز إلى المسيح ، لأن المسيح أوثق بين الأشواك عندما البسوه تاج الشوك وعلق على خشبة الصليب وسمر بالصليب ليموت الموت البديل عن كل انسان كما فعل الله مع ابن ابراهيم.
عندما حمل إسحق الخشب للمحرقة كان يرمز للمسيح ربنا الذى حمل خشبة الصليب إلى موضع آلامه ، هذا السر سبق فأعلنه الأنبياء ، كالقول : ” وتكون الرئاسة على كتفيه ” ( إشعياء 9 : 5 ، 6 ) قدم إبراهيم إبنه الوحيد خلال حبه الكبير لله وقدم الإبن ذاته خلال الطاعة الكاملة ومحبته العظيمة لنا.
الصليب في حياة يوسف الذي ظلم من اخوته :-
إذ نزل يوسف من بيت أبيه بالحب يبحث عن إخوته الضالين يقول الكتاب : ” فلما أبصروه من بعيد قبلما اقترب إليهم احتالوا له ليميتوه ، فقال بعضهم لبعض : هوذا هذا صاحب الأحلام قادم ، فالآن هلم نقتله ونطرحه في إحدى الآبار ونقول وحش ردىء أكله ، فنرى ماذا تكون أحلامه ” ( تكوين 37: 18 – 20 ).
تشفع فيه رأوبين فلم يقتلوه بل خلعوا عنه القميص الملون وألقوه في بئر ماء فارغ . وإذ جلسوا يأكلون رأوا قافلة إسمعيليين قادمة من جلعاد جمالها محملة كثيراء وبلسانا ولاذنا لينزلوا بها إلى مصر فأشار عليهم يهوذا ببيعه عبدا لهم ، فباعوه بعشرين من الفضة ، وإذ رجع رأوبين إلى اخوته لم يجد يوسف في البئر فمزق ثيابه ولم يعرف كيف يتصرف ما فعله اخوة يوسف هنا حمل رمزا لما فعله اليهود مع السيد المسيح في جوانب متعددة منها :-
لقد تحمل يوسف قساوة وتجرع المر من اخوته اشارة الى اليهود حاربوا للرب يسوع واهانوه وبصقوا في وجهه وقالوا عنه بان فيه شيطان وقالوا انه مجنون وغيرها ( يوحنا 11:1 الى خاصته جاء، وخاصته لم تقبله.)
عنما رأى اخوة يوسف اخوهم قادما ، تآمروا على موته ، وكما فعل اليهود بيوسف الحقيقي اشارة الى المسيح الرب ، إذ صمم الجميع على خطة واحدة أن يصلب ، اغتصب اخوة يوسف ثوبه الخارجى الملون ، ونزع اليهود عن السيد المسيح ملابسه عند موته على الصليب ، تعرى لكي يستر خطايانا ! إذ نزع الثوب عن يوسف ألقي في جب أي في حفرة ، وإذ حطموا جسد المسيح قبل الصلب .
كما اشار يهوذا ببيع يوسف هكذا باع يهوذا السيد المسيح …
إذ ألقى الأخوة يوسف في البئر الفارغة من الماء ” جلسوا ليأكلوا طعاما ” (تكوين 37: 25 ) … وهكذا إذ دبر اليهود قتل السيد المسيح جلسوا يأكلون الفصح القديم كطعام يشبع أجسادهم لا نفوسهم
ان البركه لن تاخذ الا بالصليب الذي باركه الرب بصلبه بدلا من كونه رمزا للعار والخزي فان كلمة الصليب عند الهالكين جهالة و اما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله للخلاص لكل من يؤمن.
لقد تحمل الرب يسوع آلام الصلب بشكل يفوق العقل وهو الإله القدير العظيم ، لم تكن آلام بدنية فقط بل آلام نفسية أيضا إذ تركه التلاميذ وآلام روحية إذ حمل خطايانا في جسده على خشبة الصليب ، احتمل الرب يسوع تلك الآلام دون أن يشكو “أما هو فتذلل ولم يفتح فاه ، كشاة تساق الى الذبح ،وكنعجة صامته أمام جازيها فلم يفتح فاه” اشعياء 53: 7 ، ولا ننسى حين قال الرب “نفسي حزينة جدا حتى الموت”. ليتنا نصلب شهواتنا مع الرب لأن الشهوة الحقيقية هو الرب يسوع “الى اسمك والى ذكرك شهوة النفس” أشعياء 8:26 ليتنا نصلب ذواتنا مع الرب ونصلب العالم معه أيضا فلا نضع قلبنا على شيء منه.