تقابلت مع أحدهم كان يعيش مع فتاة دون زواج، وعندما سألته أليس ذلك خطية؟ أدهشتني إجابته إذ قال لي: حيث أن كل منا موافق فأين الخطأ إذًا؟!
يا للهول! المقياس الوحيد عنده هو رضا الطرفين، فلا اعتبار لرضا الله أو قوانينه على الإطلاق!
والسؤال: ما هو موقف الكتاب من العلاقة بين الفتى والفتاة؟ هل هي محرَّمة؟ أم هي متروكة لكل شخص كما يحسن في عينيه؟ هل المسيحية تدعو للتزمت والقيود؟ أم إنها مجال للحرية ليفعل كل واحد كما يشاء؟ ما هو المعيار وما هو المقياس؟
أولاً: المقياس والمعيار الذي به نقيس ونحكم على الأشياء
١. دعونا نتفق في البداية على أبسط البديهيات؛ إنه في كل مجتمع ودولة لا بد من قانون يسير عليه الجميع، وإن لم يكن ذلك كذلك، لتحوَّلت المجتمعات إلى فوضى عارمة وغابة لا تُطاق، فيها يفعل كل واحد ما يحسن في عينيه.
٢. كما أن المجتمعات لا تقبل فكرة النسبية في الحكم على الأشياء؛ أي ما تراه أنت خطأ ليس بالضرورة أراه أنا كذلك! تخيَّل معي لو طبقنا هذه “النظرة النسبية” على قانون الجرائم أو المرور! فمثلاً تجدني أقول لك؛ أنا لا أرى أي خطأ في أن أسير بسرعة ١٥٠ كم في شارع به أطفال ومشاة، فهذا أمر شخصي.
٣. إن كانت الحكومات الراقية قد وضعت قوانين تضبط كل السلوكيات، وهي المقياس في الصحيح والخطأ ويخضع لها كل مواطن عاقل. هكذا أيضًا الحال في كوننا الفسيح الذي له كبير وعظيم، هو الله القدير. وقد وضع الله له قوانين تسيره بدقة، تحكم الأفلاك، وأخرى تحكُم طبائع المخلوقات، كما أنه وضع أيضًا قوانين ومبادئ أخلاقية وأدبية للبشر الذين تكوَّنوا على صورته كشبههِ.
٤. إن الحَكم الأعظم في الأمور هو الله، والقانون الأمثل هو كلمة الله. فعن الأولى يقول إبراهيم لله «أديان كُلِّ الأرض لا يَصْنَعُ عَدْلا؟» (تكوين١٨: ٢٥)، وعن الثانية يقول داود عن كلمة الله «أَحْكَامُ الرَّبِّ حَقٌّ عَادِلَةٌ كُلُّهَا… أَيْضًا عَبْدُكَ يُحَذَّرُ بِهَا وَفِي حِفْظِهَا ثَوَابٌ عَظِيمٌ» (مزمور١٩: ٩، ١١).
ثانيًا: ماذا يقول الكتاب المقدس عن علاقة الفتى بالفتاة؟
١. يشجع الكتاب المقدس على التعامل مع الفتيات بكل طهارة ونقاوة. ويجب أن يكون التعامل معًا في نطاق المجموعة وليس الفردية، في نطاق الأُسر والكنيسة كما نقرأ عن هذا في الكنيسة الأولي «كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّلاَةِ وَالطِّلْبَةِ مَعَ النِّسَاءِ» (أعمال١: ١٤).
٢. تحذِّر كلمة الله من العلاقات الفردية بين الشاب والشابة بعيدًا عن أطار الخطبة والزواج، فنقرأ في سفر الأمثال عن أربعة أشياء مجهولة المصير، واحدة منها هي «طَرِيقَ رَجُلٍ بِفَتَاةٍ» (أمثال٣٠: ١٩). كما أن الوحي سجل لنا مأساة عائلية، دمرت مدينة بأكملها، وكان سببها علاقة عاطفية بين دينة ابنة يعقوب وشكيم ابن حمور انتهت باغتصاب الفتاة، ثم انتقام أهلها من كل مدينة هذا الشاب المتهور (تكوين٣٤).
٣. وهناك شرٌ آخر وخطير تحذرنا منه كلمة الله، ألا وهو إقامة علاقة مع طرف آخر متزوج. سواء كان بين رجل مع امرأة متزوجة، أو امرأة مع رجل متزوج!! ويكلمنا سفر الأمثال باستفاضة عن هذا النوع الدنس من العلاقات. فيصف المرأة المتزوجة واللعوب بالقول «التَّارِكَةِ أَلِيفَ صِبَاهَا وَالنَّاسِيَةِ عَهْدَ إِلَهِهَا… كُلُّ مَنْ دَخَلَ إِلَيْهَا لاَ يَرْجِعُ وَلاَ يَبْلُغُونَ سُبُلَ الْحَيَاةِ» (أمثال٢: ١٧، ١٩). ويصف لنا الرجل الخائن الذي أشتهى امرأة غيره بهذا الوصف البليغ «ذَهَبَ وَرَاءَهَا لِوَقْتِهِ كَثَوْرٍ يَذْهَبُ إِلَى الذَّبْحِ أَوْ كَالْغَبِيِّ إِلَى قَيْدِ الْقِصَاص حَتَّى يَشُقَّ سَهْمٌ كَبِدَهُ. كَطَيْرٍ يُسْرِعُ إِلَى الْفَخِّ وَلاَ يَدْرِي أَنَّهُ لِنَفْسِهِ» (أمثال٧: ٢٢-٢٣).
إخوتي؛ ما أهم النصيحة الذي يقدمها لنا الرب للابتعاد عن هذه العلاقات المُشينة المُدمرة للأخلاق وللأسر والشرف والكرامة «لاَ يَمِلْ قَلْبُكَ إِلَى طُرُقِهَا وَلاَ تَشْرُدْ فِي مَسَالِكِهَا. لأَنَّهَا طَرَحَتْ كَثِيرِينَ جَرْحَى وَكُلُّ قَتْلاَهَا أَقْوِيَاءُ» (أمثال٧: ٢٥-٢٦).
ثالثًا: ما هو الإطار الكتابي والأخلاقي للعلاقات بين الجنسين؟
١. علاقة أخوية نقية وجماعية في إطار الأسرة أو الدراسة أو الكنيسة بكل طهارة.
٢. الابتعاد عن الثنائيات والانفرادية والصداقات الشخصية؛ لأن عواقبها مدمرة. وأنت لا تحتاج أن تجرب السم حتى تثبت سميته!!
٣. العلاقة الصحيحة والسليمة للثنائيات هي في أطار الخطبة والزواج، وهي العلاقة التي أقرها الخالق الأعظم لحماية الفرد والمجتمع والكنيسة.
٤. العلاقات الجنسية فقط هي في حدود الزواج وليس قبله «وَلَكِنْ لِسَبَبِ الزِّنَا لِيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ امْرَأَتُهُ وَلْيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ رَجُلُهَا» (١كورنثوس٧: ٢). والعلاقة الجنسية خارج الزواج تسمى زنى أو عهارة، آثارها النفسية والأدبية والأسرية والأبدية مُدمرة. ويحذرنا الوحي من المصير الأبدي لهؤلاء الزناة بالقول «الزُّنَاةُ وَالسَّحَرَةُ وَعَبَدَةُ الأَوْثَانِ وَجَمِيعُ الْكَذَبَةِ فَنَصِيبُهُمْ فِي الْبُحَيْرَةِ الْمُتَّقِدَةِ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ، الَّذِي هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي» (رؤيا٢١: ٨).
أحبائي: إن العالم اليوم يعيش في تسيب وفوضى متناهية، عالم الإباحية والدنس، تحكمه الغرائز والشهوات. وقد استبعد الناس فيه الله من المشهد تمامًا، لذلك يقول الوحي عنهم «أَسْلَمَهُمُ اللهُ أَيْضًا فِي شَهَوَاتِ قُلُوبِهِمْ إِلَى النَّجَاسَةِ لإِهَانَةِ أَجْسَادِهِمْ بَيْنَ ذَوَاتِهِمِ» (رومية١: ٢٤).
أما المؤمنين المولودين من الله، الذين لهم طبيعة إلهيه مقدسة، يحركهم روح الله القدوس لا غرائزهم، ويعيشوا كما يحق لإنجيل المسيح، لا حسب أهواء ومبادئ العالم الشرير. مؤمنين مثقفين ومنفتحين نعم، لكنهم مُقدَّسين كما أن أبيهم هو قدوس.