كثير من المؤمنين لهم رجاء في الرب، ويرفعون طلباتهم وتضرعاتهم، وينتظرون إجابة شافية منه، لكن قد تطول الفترة، ويمل هؤلاء ويُحبَطون من طول الانتظار، وربما يكفون عن مواصلة الصلاة، لهذا هيا بنا نُحلل معًا الأسباب التي لأجلها تصمت السماء:
تصمت السماء أمام صلاة الخاطي البعيد عن الله لأن “صلاة الشرير مكرهة الرب” (أم15: 8)، فأول صلاة تُقبل من الخاطي هي صلاة الرجوع والتوبة.
تصمت السماء أمام طلبة ليست بحسب مشيئة الله: “تطلبون ولستم تأخذون، لأنكم تطلبون رديًا” (يع4: 3). لهذا يجب أن تتفق طلباتنا مع المشيئة الإلهية “وهذه هي الثقة التي لنا عنده أنه إن طلبنا شيئًا حسب مشيئته يسمع لنا” (1يو5: 14).
تصمت السماء أمام طلبة بارتياب (بعدم إيمان)، فالمرتاب يشبه موج البحر الذي يتأرجح بين اليمين واليسار، بين الثقة في الرب وفقدان هذه الثقة، يقول يعقوب عن هذا: “لا يظن ذلك الإنسان أنه ينال شيئًا من عند الرب” (يع1: 7).
تصمت السماء لأن التوقيت الإلهي للاستجابة لم يأت بعد.
وأمام صمت السماء هناك الكثير من المفاهيم التي تحتاج إلى تصحيح:
اولاً- صمت السماء ليس معناه عدم الاستماع: فخالق الأذن ألا يسمع؟! إنه يسمع ليس فقط كلماتنا بل تأوهاتنا “تأوه الودعاء قد سمعت يا رب” (مز10: 17)، وصراخنا “هذا المسكين صرخ، والرب استمعه” (مز34: 6)، وأناتنا “ليسمع أنين الأسير” (مز102: 20). فصمت السماء لا يعني أنه لا يسمع. وحسنًا قال المرنم: إذا استجبت طلبتي .. أو شئتَ ربي الامتناع
في كل حالٍ أشكرُ .. إكرامك والاستماع
ثانياً- صمت السماء وإنجيل الصحة والرخاء: يظن البعض خطأً أن المؤمن لا تعتريه الأمراض، وتناسوا أن بولس الذي كان “يؤتى عن جسده بمناديل أو مآزر إلى المرضى فتزول عنهم الأمراض وتخرج الأرواح الشريرة منهم” (أع19: 12)، هو نفسه أُعطي شوكة في جسده (2كو12: 7)، وتيموثاوس رفيقه في الخدمة كان مصابًا لا بمرضٍ واحد بل بأمراض في معدته وأسقام كثيرة (1تي5: 23)، وأليشع صاحب معجزات الشفاء وإقامة الموتى، مرض ومات بمرضه (2مل13: 14). فأجسادنا الترابية لم تُفتدَ بعد، لهذا فهي عرضة للأمراض كسائر أجساد البشر، ونحن عرضة لأن نئن مع الخليقة التي تئن وتتمخض معًا، لهذا لا نحزن إذا لم تُستجب صلواتنا لأجل مريض صلينا لأجله ورقد، فالرقاد نفسه هو استجابة صلاة ويُعتبر شفاءً تامًا من الأمراض، حتى وإن كان بطريقة غير مباشرة.
ثالثاً- وقت صمت السماء هو وقت تجهيز إلهي: لا يوجد في برنامج الله لحياتنا وقت هادر. بل كل الأوقات، ولا سيما وقت الانتظار، هو وقت عمل إلهي فينا، للتشكيل والتغيير. إنه يحتفظ بنا أطول فترات قارعين عند بابه، وخلال تلك الفترات سيتكلم معنا ويقودنا إلى التوبة ويغير فينا أشياء كثيرة. والمثال على ذلك في كلمة الرب “حنة أم صموئيل” عندما طلبت ابنًا. لقد صحح الرب مفاهيمها عن هذا الابن، فطلبت ابنًا لا لتشبع به غريزة الأمومة، بل لكي تُمجد الرب به وتهبه لبيت الرب ولإصلاح الحالة المتردية فيه.
رابعاً- صمت السماء تدريب عن طريق الحرمان: “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله” (مت4: 4) وعلى ذات القياس، فنحن قد نظن أن الحياة قائمة على الزواج أو على الإنجاب أو الصحة أو النجاح أو المال، لكن الرب يريد أن يدربنا ويعلمنا أنه ليس بإشباع الاحتياجات يحيا الإنسان. ولكي نختبر أن الأفراح الحقيقية مصدرها الرب، حتى وإن لم تكن لنا مصادر الأفراح الأرضية، مثل اختبار حبقوق (حب3: 17، 18).
خامساً- قد يستجيب الرب، لكن ليس بالطريقة التي رسمناها له: أحيانًا نضع طلبات أمام الرب ونضع له طرقًا للحلول، وننسى أن الله لا يحتاج لمشيرين “لأن من عرف فكر الرب أو من صار له مشيرًا” (رو11: 34)، فنحن لا ننسى يوسف خطيب مريم، عندما كانت عنده مشكلة خاصة بحمل مريم ووضع الأمر قدام الرب، وتصور أن الحل هو واحد من اثنين، إما أن يُشهرها أى يقول إنها زنت، ومن ثَم تُرجم، أو يخليها سرًا، لكن كان عند الله حل ثالث وهو أن المولود منها هو ابن الله والحمل هو بالروح القدس، والله ليس لديه حل ثالث فقط بل عنده للمشاكل ألف حل.
سادساً- هل هو صمت السماء أو صمم في آذاننا؟: قد يتكلم الله، لكن لأننا لم نتدرب على تمييز صوته فلا نسمعه، أو لأن هناك عوامل تشويش من أصوات خارجية تؤثر على سماعنا لصوت الرب. أو قد يكون تسرعنا هو السبب، فعندما يرد الرب نكون نحن قد استعجلنا وتصرفنا أو أخذنا قراراتنا. فالبعض يظن أن دوره ينتهي عند الصلاة ولا يدرك أن الله ليس فقط يسمع بل يتكلم ويستجيب، وذلك بطريقته.
سابعاً- الإجابة ب “لا” هي لخيرنا: عندما نصلي إلى الله سنشكر لأجل الطلبات التي أعطاها لنا والتي لم يعطها لنا، لأننا سنفهم الحكمة وراء عدم إعطائها لنا وسنعرف أن ذلك لخيرنا، وأن منع الله رحمة، وعطاءه لنا كان نعمة حيث لا استحقاق لنا في الأخذ على الإطلاق.
ثامناً- توقيتات الله صحيحة: قد نكف عن الصلاة وقد نمل من طول وقت الانتظار وقد ننسى أننا صلينا، لكن صلواتنا تُحفر في سجلات السماء وفي الوقت المعين ستُستجاب، مثلما حدث عندما أتى الملاك لزكريا بعد سنوات من صلواته لكي يقول له: طلبتك قد سمعت (لو1: 13)، ليتنا نخزن عند الله صلواتنا وهي لا تضيع، فلنا الوعد: “أنا الرب في وقته أسرع به” (إش60: 22 ).
تاسعاً- كل أموره لا يجاوِب عنها: هناك البعض يستريح على كلمات الرب لبطرس “لست تفهم أنت الآن ما أنا أصنع لكنك ستفهم فيما بعد” (يوحنا13: 7 )، وهذا قد يعمله الرب معنا، لكن ليس في كل المرات، فهناك أمور ليس مُلزمًا أن يُعطي تقريرًا عنها، “لماذا تخاصمه لأن كل أموره لا يجاوِب عنها” (أي33: 13)، وهناك علامات استفهام في حياتنا، لن نجد لها إجابة سوى في السماء، ولن نفهم هنا كل حكمة الله العميقة (مز36: 6)، وعندما يكون لنا المعرفة الكاملة وذات حُكمه على الأمور، سنشهد مع من قال: لم يعمل شيئًا ليس في محله.
ليتنا ننجح في درس انتظار الرب، فلا نشك في حكمته ولا صلاحه.
إذا استجبتَ مُسرعًا .. أو إن أردتَ الانتظار
في كل حالٍ أشكرُ .. فأنت صاحبُ القرار
ربنا يبارك الاخ انور
كلام واضح رجائنا في الرب الصالح