أنور داود
هذا المقال من دروب الخيال لن يحدث في المستقبل مثلما صورته في سطور المقال، لكنه يحوي في ذات الوقت عبرة حقيقية، لعل البعض يلتفت إليها.
من خلال المقال نتصور قومَ توما وهم قوم المتشككين وننسبه لتوما لأنه أكثر شخص شك في حقيقة القيامة، مع أن براهين القيامة كانت واضحة للكل، للغريب قبل القريب وللأسف استغرق الأمر مع توما سبعة أيام كاملة إلى أن ظهر له الرب خصيصًا ليمحو شكوكه وهكذا المشككون يغضون الطرف عن الحقائق والمنطق الذي قد يمحو شكوكهم ويرددون مع أنفسهم ومع الآخرين شكوكهم في كل ما هو جميل، وإن لم يجدوا شيئًا في المعلنات ما يخدم شكوكهم طعنوا في السرائر، مع أن كلمة الله تقول: “السرائر للرب إلهنا والمُعلنات لنا” ( تثنية29: 29).
والعجيب إنهم في ذات الوقت الذي يدينون فيه الدوافع التي لا يراها إلا الله يعظون من خلال كلمة الله التي تقول: “لا تحكموا في شيء قبل الوقت حتى يأتي الرب الذي سينير خفايا الظلام ويُظهر آراء القلوب وحينئذ يكون المدح لكل واحد من الله” (1كورنثوس4: 5)!
من المنطقي إذا كانت الأحكام على المعلنات غير عادلة لسبب أن من يحكم ليس لديه النضج الكافي الذي به يرى الصورة كاملة أو من جميع الاتجاهات ومن يحكم قد يغلب عليه الأنانية أو الحسد أو أسباب جسدية التي تجعل الأحكام مجحفة، فكم وكم نقائص الحكم على الدوافع!
وكلمة الله أظهرت الكثير من المواقف التي أخطأ فيها من حكموا على الآخرين في دوافعهم:
اولا: إخوة يوسف أساءوا فهم كلام يوسف عن أحلامه لهم عندما قالوا له”: ألعك تملك علينا ملكًا أم تتسلط علينا تسلطًا؟” (تكوين 37: 7-8)، مع أنه لم يقصد ذلك إطلاقًا.
ثانيا:عندما أراد موسى أن يصالح اثنين متخاصمين، فعندما قال للمذنب: “لماذا تضرب صاحبك؟”، فقال: “من جعلك رئيسًا وقاضيًا علينا؟ أمفتكر أنت بقتلي كما قتلت المصري؟ ” (خروج2: 13-14)، مع أن موسى لم يقصد ذلك نهائيًا.
ثالثا: لقد أخطا أخو داود عندما قال له”: أنا قد علمت كبرياءك وشر قلبك لأنك إنما نزلت لكي ترى الحرب” (1صم17: 28)، مع أن هذا الظن ليس له مكان في قلب داود، فكان مجيء داود فقط لأن أباه أرسله ليسأل عن سلامة إخوته في الحرب.
رابعا: عندما ظن ملك إسرائيل أن بإرسال ملك آرام له نعمان الأبرص ليشفيه من برصه أنه يتعرض له (2مل5: 7)، مع أن ملك آرام أرسله له كنوع من التقدير، رغم أن كلام نعمان له أن أليشع هو النبي الذي يستخدمه الرب في الشفاء حسب شهادة الفتاة المسبية.
خامسا: داود وهو راجع كان من ضمن مستقبليه مفيبوشث وكان لم يعتن برجليه ولا ملابسه من يوم ذهاب داود، فظن داود أنه يتكلم بأموره أمامه لكي يسترد الحقول، فقال له: لماذا تتكلم بعد بأمورك؟ أنا قلت لصيبا إنكما تقتسمان الحقل، مع أن مفيبوشث لم يقصد حقوقه، بل كانت تصرفاته نابعة من ولاء حقيقي لداود، فرد مفيبوشث على الملك داود: “فليأخذ الكل بعد أن جاء سيدي الملك بسلام إلى بيته” (2صم19: 30).
هذه بعض الأمثلة من الكثير، التي تحويها كلمة الله في العهد القديم والجديد وكثيرًا ما نقع نحن في هذا المنحدر، عندما نحكم على الأشخاص وعلى الأعمال وتكون أحكامنا مشوبة بالخطأ.
وأتخيل أنه عندما نمثل أمام كرسي المسيح بعد مجيئه لن يجلس الرب مع كل مؤمن بالساعات أو الأيام ليوضح له الصورة الحقيقية، بل في لحظة في طرفة عين سيكون لنا نفس نظرة الله للأمور، حتى الغرض من التجارب الذي لم نفهمه هنا، وقتها سنرى الصورة الحقيقية لتضحيات إخوتنا وتكريسهم ونرى العوار الذي انتاب أحكامنا عليهم. فقد أشعنا عنهم أنهم – وهم يخدمون الرب – لهم هدف للربح القبيح وإذ نفاجأ بأن الحقيقة كان لهم تضحيات حقيقية، قد أشعنا عنهم أنهم يخدمون لحب الذات والظهور والشهرة ونفاجأ بأن هناك كمًا من الخدمات في السر والتي قصدوا عن عمد إخفاءها ولم يكن الغرض من ورائها سوى مجد الرب وإكرامه. وقتها – بحسب الخيال الذي نسوقه – نهرع لهم لكي نقدم اعتذارًا عما أشعناه عنهم من مذمات ولكي نرد اعتبارهم. سنقدم الاعتذار لهم أمام جميع القديسين في السماء وليس فقط أمام النفر القليل الذين تكلمنا أمامهم – طبعًا لا يوجد مجال للاعتذار– عندئذ يكون الرد الصادم: عفوًا، اعتذاركم مرفوض!
ليتنا بعد قراءة هذا المقال الخيالي لا ندين دوافع إخوتنا بل تكون لنا عينا الرب الجميلتان التي بهما نرى إخوتنا وننتظر الفصل في الأمور ليوم كرسي المسيح.
وإذا كنا نعاني من إدانة إخوتنا لنا، ليتنا لا نجهد أنفسنا ونُضيع طاقاتنا في الردود، بل ننتظر الرب مثلما انتظره بولس عندما أدين من أهل كورونثوس وشككوا حتى في رسوليته، فقال ما معناه: ليست أحكامكم هي الفيصل ولا ما سيكتبه التاريخ، بل الحكم الحقيقي عندما يأتي الرب ويكون المدح لكل واحد من الله.
ربنا يبارك جهودك وحياتك اخي المبارك