بقلم الاخ انور داود
الإنسان بصفة عامة كائن اجتماعي لا يستطيع أن يعيش منفردًا ومنعزلاً، فهو يحتاج للآخر والآخر يحتاج إليه، ويقول الحكيم: اثنان خير من واحد. والصداقة تحقق التواصل والتكامل والتفاعل والشركة والمعونة والتعزية والتشجيع. وقد تختلف درجة التقارب وحجم العلاقة مع الآخرين طبقًا لدرجة التوافق والتفاهم، وهذا يشمل المرحلة العمرية والمستوى الاجتماعي والثقافي والوضع الروحي والعلاقات الأسرية وغيرها. «فهل يسير اثنان معًا إن لم يتواعدا؟» (عا3:3). فمرات تكون درجة التقارب مع البعض أكثر عمقًا ومع البعض الآخر أقل، أو تكون سطحية أو لا توجد علاقة مطلقًا. والإنسان طبقًا لتكوينه واحتياجاته يحدد من يتعامل معهم ويستريح لهم ودرجة هذا التعامل.
الأصدقاء هم الدرجة المقربة من الإنسان وهم يختلفون عن الزملاء الذين نتعامل معهم بصفه عامة في الحياة اليومية، ويختلفون عن بقية الناس الذين نتعامل معهم بطريقة سطحية أو لا نتعامل معهم على الإطلاق.
الصداقة توجد منذ القديم، فأيوب كان له أصحاب (أي2: 11)، وإبراهيم (تك14: 13-14)، وداود (1صم22)، ويهوذا كان له صاحب عدلامي (تك38: 1)، والرب يسوع نفسه ذكر في النبوات عن التلاميذ أنهم أصحابه (مز88: 18).
الصاحب هو الذي عندما تجلس معه تشعر كأنك تجلس مع نفسك تستأمنه على أدق أسرارك (ذكر عن أحد أصحاب داود أنه كان صاحب سره (2صم23: 23). تطلب مشورته وتأخذ بها (وهذا يوضح خطورة الصديق الشرير، والمثال له في كلمة الله هو يوناداب بن شمعي بمشورته المدمرة التي أشار بها على صديقه أمنون) (2صم13: 3). والصديق لا تشك في دوافعه ولا تخاف منه بل تثق فيه ثقة كاملة تتوطد بينكما مع الأيام بالكثير من المواقف (معروف عن الثقة أنها تُكتسب ولا توهب، وتُكتسب بآلاف المواقف وتُفقد بموقف واحد)، ولسبب وجود هذه الثقة فالصديق هو أجدر شخص على علاج صاحبه «الحديد بالحديد يحدد والإنسان يحدد وجه صاحبه» (أم 27: 17)، فعندما يرى الصديق في صديقه عيبًا ما لا يجامله، بل الأمانة ومتطلبات الصداقة تستلزم أن يوجه الصديق صديقه لما فيه من عيب، وهذا الصديق لن يفهم صاحبه خطأ بل يعلم جيدًا رصيد المحبة التي في قلب صاحبه نحوه، فحتى ولو جَرح تكون أمينة هي جروحه (أم27: 6)، فهو يفعل ذلك لخيره.
تجلس معه بالساعات دون أن تشعر بالوقت.
تُحب أن تقص عليه أمورك وتشاركه اهتماماتك ومسراتك وما يقلقك. (مرة في أيام جدعون كان صاحب يقص على صاحبه حُلمًا حَلم به) (قض7: 13).
الصاحب هو الذي لا تتجمل أمامه بل كلامكما يحمل دائمًا الصدق والوضوح، فالوحي لم يجد تشبيهًا لشفافية موسى في علاقته مع الله إلا علاقة الصاحب بصاحبه «يكلم الرب موسى وجهًا لوجه كما يكلم الرجل صاحبه» (خر33: 11).
سمات الصداقة كما نتعلمها من كلمة الله:
احتياج طبيعي: الاحتياج للصداقة احتياج نفسي، فمن خلالها يشعر الشخص بالقبول وبالقيمة، فهناك من يهتم به وبظروفه ويُقدره كشخص.
طابعها العطاء المتبادل: العطاء من جانب واحد يؤدي إلى إفلاس المعطي، لكن الصداقة الناجحة هي التي تتسم بالعطاء المُتبادل، ففي أيام إستير في عيد الفوريم كان التحريض بأن يُرسل كل واحد لصاحبه أنصبة (إس9: 19).
تفيد وقت الأزمات: أكثر أوقات يتضح فيها صدق الصداقة هي أوقات الأزمات، وهى أوقات تُمتحن فيها الصداقة. وهناك الكثير من الصداقات انتهت لسبب عدم إخلاص الصديق تجاه صديقه في وقت محنته، وهي أكثر الأوقات احتياجًا للصديق، لوقته ولشخصه ولتعضيده. فأصحاب أيوب كانوا بجواره وقت محنته (أي 2: 11)، على الرغم من أنهم اختلفوا معه في تفسير ما يحدث له، وقد أتعبوه أكثر مما أعانوه. وبنت يفتاح صاحباتها بكين معها قبل أن يُتمم أبوها فيها نذره، وحوشاي الأركي صاحب داود استخدمه الله في إبطال مشورة أختيوفل التي لو نفذها أبشالوم لأنهت على حياة داود ومن معه (2صم16: 17)، وقائد المئة لم يمنع أحدًا من أصحاب بولس أن يأتي إليه ليخدمه في السجن (أع24: 23). وعلى العكس كان موقف يوناثان من داود حيث تخلى عنه وعاد إلى بيت شاول في وقت محنته (1صم20).
الصداقة درجات: الرب كان له اثنا عشر تلميذًا، ثلاثة منهم كانوا أكثر قربًا وهم بطرس ويعقوب ويوحنا، وواحد منهم كان أكثر قربًا من الرب وهو يوحنا حيث كان يتكئ على صدر يسوع، فمن الخطإ أن نقترب من الكل بدرجة واحدة وننفتح على الكل ونُدخل الكل في ظروفنا بل يجب أن نصلي ليعطينا الرب حكمة بها يجب أن نعرف كيف نتعامل مع كل واحد.
الصداقة علاقة مشروطة: هي عهد شفهي بين شخصين اتفقا على الصداقة وعلى درجة الصداقة لكنها ليست عهدًا مستمرًا كالزواج، فمن الممكن أن يأتي وقت تنتهي الصداقة لسبب أو لآخر أو أن نقوم بتجفيف هذه العلاقة التي كانت في يوم من الأيام موطدة بعد أن يتأكد لنا عدم جدواها أو تغير أحد الطرفين فيها ويصبح من العسير أن نسير معًا نظرًا لاختلاف الخطوط. وهناك طرق مقبولة لتجفيف العلاقات والتي تتفق مع الذوقيات المسيحية، فهناك بعض الأصحاب متى أصبحوا مصدر عثرة وجب التخلص من صداقتهم، فإن كان الرب يوصي بقلع العين أو قطع اليد أو أحد الأعضاء متى كان وراء أيّ منها عثرة، فكم وكم الصديق المُعثر الذي لن نجني من ورائه البنيان بل الهدم.
الصداقة مع شخص من نفس الجنس: بما أن الصداقة يحدث فيها انفتاح بين الطرفين نفسي وعاطفي فهي تصلح أن تكون بين أفراد الجنس الواحد ذكورًا أو إناثًا، ومتى تكونت الصداقة بين الجنسين سريعًا ما تتحول إلى علاقة عاطفية. فعندما يستأمن الشاب الشابة على أسراره وأدق تفاصيل خصوصياته، فهذا ليس مجاله الزمالة أو الصداقة البريئة كما يزعم أصحابها بل مجالها فقط هو الزواج أي أن هذا يصلح بين زوج وزوجة وليس بين صديق وصديقة، ولنأخذ نورًا من كلام الرب للشعب وقت خروجهم من أرض مصر أن يطلبوا من المصريين، كل رجل أمتعة من صاحبه وكل امرأة من صاحبتها (خر11: 2). وكذلك نصيحة بوعز لراعوث والتي أكدتها نعمي: «لازمي فتياتي» (وليس فتياني) (را 8:2 ،22).
لا صداقة مع غير المؤمنين: الكتاب عندما أوصى: «لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين» (2كو6: 14)، كان الكلام بصفة عامة وليس فقط كما نطبقه غالبًا على الزواج. ففي عمل مشروع أو صداقة أو أي شيء يجب أن نحترس لأن الشخص غير المؤمن له مبادئ وأفكار لا تتفق مع كلمة الله، ولأن الصديق كما سبق وذكرنا مؤثر فمن هنا خطورة الصديق غير المؤمن، فأمام كل موقف أو مشورة أو قرار تكون طريقة التفكير مختلفة تمامًا، فحسنًا لو تنبهنا لقول الكتاب: «المعاشرات الردية تُفسد الأخلاق الجيدة» (1كو15: 33). لكن هذا لا ينفي طريقة التعامل العام مع الجميع من زملاء أو أقارب حتى ولو غير مؤمنين فعن طريقها نكون شهادة للرب في وسطهم، وذلك عندما نعيش الحياة المسيحية الصحيحة بحسب فكر الرب.
ضريبة الصداقة: هناك البعض لهم شخصيات طموحة تريد أن تُعرف في الكثير من الأوساط وعند الكثيرين، لكن هذا قد يكون على حساب طاقتهم ووقتهم وقد يكون هذا مؤثرًا على حياتهم الروحية. فمع أهمية الصديق ودوره إلا أن ارتباطنا به، له ضريبة يجب علينا دفعها، فالصداقة تحتاج لعنصر الوقت والمال والجهد فيجب أن نكون متاحين لأصدقائنا في الكثير من الأوقات، لهذا لنا وصية الكتاب بخصوص عدد الأصحاب “المكثر الأصحاب يخرب نفسه” (أم 18: 24)، وبالطبع المقصود غير المؤمنين حيث سيكون لهم تأثير مُدمر على المؤمن.
تحذيرات الصداقة: الإنسان بصفة عامة متغير، فلهذا مهما كانت شدة صداقتنا مع البعض يجب أن تكون محاطة بالمحاذير، فصديق اليوم الذي نأتمنه على الأسرار، قد يُصبح من أشد الأعداء غدًا ربما لاختلافنا في الرأي أو المصالح أو الأهداف فقد يُشيع هذه الأسرار التي سبق وائتمناه عليها.
من هو الصديق الحقيقي: هو الرب يسوع «المكثر الأصحاب يخرب نفسه ولكن يوجد محب ألزق من الأخ» (أم 18: 24). فهو الذي عندما يتغير الصديق ويخون، فهو يبقى أمينًا وعينه دومًا تصون. وعندما الكل ينسي هو لا ينسى، وعندما الكل يتخلى هو يرافق، وعندما الكل لا يقدر هو يقدر، فهو الجدير بأن نُصادقه ونوطد صداقتنا معه ولن نندم يومًا على أننا وضعنا ثقتنا فيه.
ربنا يبارك الجميع