مجرد أم

مجرد أم

في ولاية ماساتشوستس الأمريكية، حاصرت النيران الشابة “كريستينا سايموز” – البالغة من العمر ٢٣ عامًا – مع ابنها “كاميرون”، البالغ من العمر سنة ونصف، بعد أن شبَّ حريق هائل في المبنى الذي كانا يعيشان في الطابق الثالث منه. وعندما رأت “كريستينا” النيران والدخان في شقتها، ولم تعد قادرة على انتظار الحصول على المساعدة، أدركت أن النافذة هي المخرج الوحيد المُتاح، فقررت بوضوح ما يجب أن تفعله من أجل ابنها.

احتضنته بشدة لتحميه بذراعيها، وغمرته بالقبلات، وقالت له إنها تُحبّه، وحملته بين ذراعيها، وصعدت إلى النافذة، وظهرها تجاه الشارع، ليكون جسدها بمثابة “وسادة” للطفل، عند السقوط. ثم قفزت إلى الوراء، وبساقيها فقط، حاولت التخفيف من حدة السقطة التي تجاوزت العشرة أمتار.

لم يُصَب الصغير بأي أذى، لكن أُمُّهُ أُصيبت بكسور في عمودها الفقري، وسرعان ما فقدت الشعور بساقيها. لكنها زحفت على بطنها، وسحبت الصغير بعيدًا عن الحطام المُشتعل الذي بدأ يتساقط، وبعدها نُقل الاثنان إلى المستشفى.

بعد الجراحة الأولى التي استغرقت أكثر من ست ساعات، استقرت حالة الشابة التي بدأت بالخضوع لعملية شفاء وإعادة تأهيل كبيرة يرافقها خلالها صغيرها على الدوام. ولكنها أصيبت بالشلل، ولن تتمكن من السير مُجددًا، وأصبحت حبيسة كرسي متحرك.

وحاليًا، تعيش “كريستينا” – مع زوجها وصغيرها “كاميرون” – حياة جديدة تختلف كثيرًا عن تلك التي كانت تعيشها قبل بضع ساعات من الحريق؛ لكنها حياة تذخر بالمعاني. ولقد قالت أمام كاميرات المحطات التلفزيونية التي رددت قصتها: “إني لا أرى معنى لحياتي أفضل من إنقاذ حياة ابني. لقد منحته فرصة للحياة مُجددًا. ولست نادمة إطلاقًا. ولو عاد بي الزمان، سأفعل ذلك مُجددًا. إن كل الألم الذي ينبغي عليَّ تحمُّله، يذخر بالمعاني، ويملأ حياتي بالعذوبة والبهجة، بل ويُعطِّر كل أغوار كياني الداخلي، خاصة عندما أُراقب ابني يكبر بحالة جيدة”.

هذا وقد تحركت عائلتها وأصدقاؤها، وكل مَن عرف قصتها، لجمع الأموال، من أجل الوالدين الشابين، اللذين لا يملكان تأمينًا يُغطي التكاليف الباهظة الناتجة عن وضع “كريستينا” الجديد. وعلى الرغم من أن كثيرين يعتبرونها بطلة، إلا أنها تقول: “أنا مجرد أُمّ”.

عزيزي: إن كانت هذه الأم فعلت ذلك من أجل صغيرها الحبيب، فلماذا نستنكر أن يُضحي الرب يسوع بحياته من أجل خلاصنا؟! وكم يفيض القلب بالحمد والسُبح، عندما نتحوَّل لنتفكر في «رَبِّي وَإِلَهِي»؛ الكريم المجيد الذي ذهب إلى الصليب – طواعية واختيارًا – ليقف مكاني، مكان المذنوبية والدينونة، وحمل في جسمه على الصليب كل عقوبة خطاياي، وكل قصاص أستحقه أنا كأجرة لآثامي، والذي مات على الصليب لكي أحيا أنا في المجد. ويا له من موضوع تأمل خاشع، لكونه ثمينًا مقدسًا!

إن نيران غضب الله، القدوس القادر على كل شيء، كانت ستلتهم نفوسنا إلى الأبد، في الجحيم، ولكن المسيح – بديلنا وفادينا – احتمل عنا – على الصليب – نار الغضب الإلهي الرهيب، لكي نكون إلى الأبد بمنجىً مِنْ النار الأبدية العتيدة أن تنزل على جميع الذين داسوا نعمته الغنية التي لا تُضاهى.

لقد بدا المسيح وهو مُعلَّق على الصليب، وكأن كل مفصل في جسده قد انفصل، تعبيرًا عن الآلام المُبرحة التي لا تُحتمل. وقد صار قلبه، أمام نار الغضب الإلهي الرهيب ضد الخطية، كالشمع أمام اللهيب. ويَبِسَت مثل شقفةٍ قوته، إشارة إلى ضعف قوته البدنية. فالرب يُشبّه نفسه بقطعة مكسورة من خزف الأرض؛ شقفة من إناء خزفي قد دخل النار حتى لم تعُد فيه ذرة من الرطوبة. فقد يبست قوة المصلوب في نيران العدل الإلهي. وبسبب سعير النيران، وبسبب الظمأ الشديد، لصق لسانه بِحَلقه من شدة الجفاف، حتى إنه لم يقدر أن يتكلَّم «انْفَصَلَتْ كُلُّ عِظَامِي. صَارَ قَلْبِي كَالشَّمْعِ. قَدْ ذَابَ فِي وَسَطِ أَمْعَائِي. يَبِسَتْ مِثْلَ شَقْفَةٍ قُوَّتِي، وَلَصِقَ لِسَانِي بِحَنَكِي، وَإِلَى تُرَابِ الْمَوْتِ تَضَعُنِي» (مزمور٢٢: ١٤، ١٥).

لقد دفع سَيِّدنا ثمن فدائنا كاملاً، ولم ينجُ ولا جزء من جسد الضامن العظيم من الاشتراك في الألم. ويا لهول ما احتمل من سعير رهيب على الصليب! إن نار الله التي نزلت في أيام إيليا «وَأَكَلَتِ الْمُحْرَقَةَ وَالْحَطَبَ وَالْحِجَارَةَ وَالتُّرَابَ، وَلَحَسَتِ الْمِيَاهَ الَّتِي فِي الْقَنَاةِ» (١ملوك١٨: ٣٨)، هي التي احتملها بديلنا القدوس على الصليب. فهو خروف الفصح الحقيقي الذي لم يكن يُطبَّخ بالماء، بل يُشوى بالنار (خروج١٢: ٨، ٩). وهذا هو فعل النار فيه. وهو – تبارك اسمه – أتى على كل نيران غضب الله، وأمكنه أن يقول: «قَدْ أُكْمِلَ» (يوحنا١٩: ٣٠).

لقد ناب عنا الرب يسوع المسيح في مواجهة الدينونة والموت لكي نتمتع نحن بالبر والحياة الأبدية. شرب كأس الغضب وتجرَّع غُصَص الهوان لكي نتناول نحن كأس الخلاص، ونرتوي من فيض محبة الله وغنى نعمته.

 

فَيا يسوعُ ربِّي نَفْسي لَكَ وَقَفْتْ

لأنَّكَ بالصَّلبِ حَياتَكَ وَهَبْتْ

نَبَذْتُ ما عَدَاكَ فَليْسَ لِي سِواكْ

أُمْلُكْ ربِّي عَلى قلْبي فَأحْيا في رِضَاكْ

الاخ فايز فؤاد

 Dr. Fayez Foaud – خادم الرب الاخ/ فايز فؤاد | Facebook

 

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *