نظر فأر من خلال شرخ في الحائط ليرى الفلاح وزوجته يفتحان عبوة، فتساءل: “يا ترى أي نوع من الطعام بها؟” لكنه أُصيب بالذعر إذ وجد أنها مصيدة للفئران! وإذ انسحب إلى المزرعة، أطلق الفأر التحذير: “توجد مصيدة فئران في البيت… توجد مصيدة فئران في البيت”.
وصوصت الدجاجة، وخربشت رجليها على الأرض، ورفعت رأسها وقالت: “سيدي الفأر.. إن هذا الأمر في غاية الخطورة بالنسبة لك، لكنه لا يُزعجني، فليس له تأثير؛ لا يمكنني الاهتمام به”.
فالتفت الفأر إلى الخنزير وقال له: “توجد مصيدة فئران في البيت”. فرد الخنزير متعاطفًا: “أنا آسف للغاية يا سيد فأر، ولكن ليس بإمكاني فعل أي شيء حيال ذلك سوى الصلاة. تأكد أنك في صلواتي”.
ثم توجه الفأر إلى البقرة التي أجابته قائلة: “آه يا سيد فأر، وهل أنا في خطر من مصيدة الفئران؟”.
عاد الفأر إلى البيت، منكس الرأس، مكتئبًا ومغمومًا وقلقًا من جهة كيفية مواجهة مصيدة الفئران بمفرده.
وفى ذات الليلة، سُمع صوت في أرجاء المنزل، مثل صوت مصيدة الفئران وقد أمسكت بفريستها. فهرعت زوجة الفلاح لمعرفة بماذا أمسكت المصيدة. وبسبب الظلام لم ترَ أنه إنما أمسكت بذيل حيَّة سامة. ولدغت الحيَّة زوجة الفلاح.
أسرع الفلاح ونقل زوجته إلى المستشفى، لتتلقى الإسعافات الأولية، ولكنها عادت إلى البيت وهي تُعاني من الحمى. ولأن الحمى تُعالج بشرب مرقة الدجاج الطازج، أخذ الفلاح سكينته، وذهب إلى المزرعة ليأتي بمكون المرقة الأساسي؛ فذبح الدجاجة.
استمر مرض الزوجة، حتى جاء الأصدقاء والجيران ليرافقوها على مدار الساعة. ولكي يُضيفهم الفلاح، ويُقدِّم لهم طعامًا، قام بذبح الخنزير.
لم تتحسن حالة الزوجة، بل ماتت، وأتى كثيرون ليحضروا جنازتها، فذبح الفلاح البقرة ليُقدِّم لمُعزيه طعامًا.
عزيزي: في المرة القادمة التي تسمع فيها أن أحدهم يواجه مشكلة ما، وتظن أنها لا تعنيك ولا تهمك، تذكر أنه إن تعرض أصغرنا للخطر، فنحن جميعًا مُهدَّدون.
في تكوين١٤: ١٢ نقرأ أن لُوط كان ساكنًا في سدوم. لقد اختار طريقًا زلقًا، وأخذ مركزًا خطأً، فوجد نفسه مشتركًا في معركة لا تخصّه. وعندما تحارَب الأربعة ملوك مع الخمسة، أُخذ لُوط أسيرًا مع سكان سدوم. لكن لمَّا سمع أبرام أن ابن أخيه أُخذ أسيرًا، لم يمنعه شيء عن الذهاب لمساعدته. كان ممكنًا أن يقول: “أنا لا أريد أن أُدخل نفسي في ورطة، ولُوط يستحق ما حدث له”. أو أن يقول:“ أنا رجل مسالم، وأنا لست ندًا لتحالف ملوك انتصروا على خمسة ملوك دفعة واحدة”. لكن محبَّته لأخيه، وإيمانه ومثابرته، جعلته يُحارب وينتصر، ويخلِّص الأسير! «فَلَمَّا سَمِعَ أَبْرَامُ، أَنَّ أَخَاهُ سُبِيَ جَرَّ غِلْمَانَهُ الْمُتَمَرِّنِينَ، وِلْدَانَ بَيْتِهِ ثَلاَثَ مِئَةٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ… وَاسْتَرْجَعَ كُلَّ الأَمْلاَكِ، وَاسْتَرْجَعَ لُوطًا أَخَاهُ أَيْضًا وَأَمْلاَكَهُ، وَالنِّسَاءَ أَيْضًا وَالشَّعْبَ» (تكوين١٤: ١٤-١٦). كان أبرام يعد لُوطًا أخًا، والمحبة الأخوية لا بد أن تعمل فإن «الأَخُ فَلِلشِّدَّةِ يُولَدُ» (أمثال١٧: ١٧).
آه، يا أصدقائي.. أَلم تأتكم أبدًا أخبار بأن إخوتكم قد وقعوا أسرى؟ كيف إذًا لم تبدأوا منذ وقت طويل في عملية إنقاذهم؟ كيف نقف بعيدًا دون اهتمام، بينما يوجد هناك مثل هذا الاحتياج لعمل فوري غير أناني؟!
إن الأربعة الرِجَال البُرْص في حصار السامرة (٢ملوك٧: ٣-١١)، بعد أن أكلوا وشبعوا وارتووا واغتنوا، بدأوا يفكرون في الآخرين «ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَسْنَا عَامِلِينَ حَسَنًا. هَذَا الْيَوْمُ هُوَ يَوْمُ بِشَارَةٍ وَنَحْنُ سَاكِتُونَ! فَإِنِ انْتَظَرْنَا إِلَى ضُوءِ الصَّبَاحِ يُصَادِفُنَا شَرٌّ. فَهَلُمَّ الآنَ نَدْخُلْ وَنُخْبِرْ بَيْتَ الْمَلِكِ». لذا قرروا أن يذهبوا ويُخبروا الآخرين – بقلوب ممتلئة شكرًا لأجل الخيرات التي وصلت إليهم – وقد ذهبوا، وهكذا خلصت المدينة. وإن هناك خطرًا إذا لم نفعل مثلما فعلوا، ونذهب لنُخبِر الآخرين ببشارة نعمة الله؛ أقصد خطرًا علينا «إِنِ انْتَظَرْنَا إِلَى ضُوءِ الصَّبَاحِ يُصَادِفُنَا شَرٌّ». إن أولئك البُرْص لم يتجاسروا على التأخير، ولم يجرؤوا على حبس “الأخبار المُفرحة”، معتقدين أن شرًا مُحققًا كان لا بد أن يأتيهم إذا هم قصَّروا، فمضوا بغير تردد ليُخبروا الآخرين. لقد وصل إلينا الإنجيل فخلَّصنا بدم المسيح الكفاري، ولكننا نُخاطر ونحتفظ بالبركة لأنفسنا، غير عالمين أننا إن كنا لا نتقدَّم في الحياة المسيحية، فلا بد أن نتأخر. إن سر النمو هو في النشاط؛ فإن كنا نرقد ولا نعمل شيئًا لأجل المسيح، فلا شك أننا نهزل ونضعف. من مستلزمات الحياة المسيحية الخدمة. فيجب أن نعمل للمسيح. نحن لم نخلص لكي نأخذ الفائدة لأنفسنا فقط، ولا لكي ننجو من العذاب ونذهب للسماء فقط؛ كلا، بل قد خلصنا لنخدم. إذا لم أستخدم عضلاتي تُصاب بالشلل، وإذا لم أجد شيئًا لأعمله للرب، أفقد قوتي ونشاطي.
وأكثر من هذا، فإن العلاقة بين المؤمنين، علاقة حيَّة حقيقية، ليست أقل من العلاقة الموجودة بين أعضاء الجسد الإنساني الواحد (رومية١٢: ٤، ٥؛ ١كورنثوس١٢: ١٢-٢٧). ويجب أن تكون هناك مشاركة وجدانية عملية حقيقية بين أعضاء الجسد الواحد في كل الظروف؛ فهذا هو التعبير العملي عن الشركة مع بقية أعضاء جسد المسيح «شَرِكَةَ الْخِدْمَةِ الَّتِي لِلْقِدِّيسِينَ» (٢كورنثوس٨: ٤). والاهتمام المتبادل بين الأعضاء يمنع الانقسام أو الانشقاق في الجسد. فالعضو الواحد يُعطي العضو الآخر ما يحتاج إليه، ويتلقى بالمقابل المعونة التي يمكن فقط للعضو الآخر أن يُقدِّمها. لذلك يجب أن «تَهْتَمُّ الأَعْضَاءُ اهْتِمَامًا وَاحِدًا بَعْضُهَا لِبَعْضٍ. فَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَتَأَلَّمُ مَعَهُ. وَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يُكَرَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَفْرَحُ مَعَهُ» (١كورنثوس١٢: ٢٥، ٢٦). ومن المؤكد أن ما يؤثر في أحد الأعضاء، يؤثر في جميع الأعضاء. وهذه حقيقة معروفة جيدًا في الجسم البشري. ولذلك فعلينا أن نُنمّي فينا إحساسًا عميقًا بالتضامن داخل جسد المسيح. وبالتالي فأي شيء يجرح المؤمن الآخر يجب أن يُوَّلد فينا أشد الأسف.