!الخلاص ليس في لحظة
من ضمن المغالطات التي تعرض لها العبث بمحتوى ”الإيمان المسلَّم مرة للقديسين“ هي ما استمعنا إليه مؤخَّرًا أن الخلاص ليس في لحظة.
كانت هناك مزحة في القرن الماضي تقول إن الجنية بروتستانتي لأنه يخلص في لحظة، ولكن ما نسمعه الآن من على منابر بعض الكنائس البروتستانتية هو أكثر سُخفًا من المزحة السابقة، وهو أنه لا يوجد شيء اسمه الخلاص في لحظة، وأن الكتاب المقدس لم يُعَلِّم بذلك!
عينات من المُخَلَّصين:
اللص على الصليب:
كيف خلص اللص؟ إن الوحي واضح وصريح في كل من إنجيل متى ومرقس، أن اللصين اللذين صُلبا مع المسيح كان يعيِّران شخصه الكريم، ولكن ينفرد إنجيل لوقا بالإشارة إلى أن أحد اللصين قال لزميله: «أوَلا أنت تخاف الله، إذ أنت تحت هذا الحُكم بعينه؟ أما نحن فبعدل، لأننا ننال استحقاق ما فعلنا، وأما هذا (أي المسيح) فلم يفعل شيئًا ليس في محله. ثم قال ليسوع ”اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك“، فقال له يسوع: ”الحق أقول لك: إنك اليوم تكون معي في الفردوس“». هذا معناه أن اللص التائب كان في صباح ذلك اليوم خاطئًا تَعسًا، من أشرّ أنواع الخطاة، مثل زميله بالتمام، وقبل ظهر ذلك اليوم عينه كان قد خلص بالنعمة، وقبل مساء ذلك اليوم أيضًا كان مع المسيح في الفردوس!
شاول الطرسوسي:
كيف كان خلاص من لَقَّب نفسه بأنه ”أول الخطاة“ (١تي١: ١٥)، ويصف نفسه بأنه ”كان قبلاً مجدِّفًا ومضطهِدًا ومفتريًا“، ويقول: ”لكنني رحمت، لأني فعلت بجهل في عدم إيمان“. لقد التقاه الرب بقرب دمشق، وكان يحمل رسائل من رؤساء الكهنة ليجر المؤمنين بالمسيح إلى السجن، لا لذنب ارتكبوه، بل لإيمانهم بالمسيح. إذًا فهو كان إرهابيًا خطيرًا، فهل يمكن لإرهابي مثل هذا أن يخلص؟ لقد ظهر له الرب وتكلم الرب إليه، وفي الحال قَبِلَ الرب وخلاصه، وقال له، وهو منطرح على الأرض: «يا رب ماذا تريد أن أفعل؟» (أع٩: ٦). ويُعَلِّق هو بنفسه على ذلك قائلاً: «من ثم أيها الملك أغريباس لم أكن معاندًا للرؤيا السماوية» (أع٢٦: ١٩). وما أن عمده حنانيا، حتى بدأ يُنادي بالإيمان الذي كان قبلاً يُتلفه (أع٩: ١٨-٢٢؛ غل١: ٢٢-٢٤). فهل هناك ما هو أوضح على فورية الإيمان وسهولته.
سجان فيلبي:
ونحن نجد في سجان فيلبي مثلاً آخر على الحقيقة التي نحن بصددها. فواضح غلظته في تعامله مع بولس وسيلا (أع١٦: ٢٣، ٢٤). ولكن الرب سمح بزلزلة زعزعت أساسات السجن، كما زلزلت أيضًا قلب السجان القاسي. وعندما هَمَّ بارتكاب أفظع جريمة يمكن لإنسان أن يرتكبها، وهي أن يقتل نفسه، صرخ فيه بولس وسيلا ألا يفعل بنفسه شيئًا رديًا. وهنا سأل السجان سؤاله الخالد: «يا سيديَّ: ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟»، فكانت الإجابة الرائعة من فم الرسولين: «آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك» (أع١٦: ٣٠، ٣١). فأخذهما في تلك الساعة من الليل وغسَّلهما من الجراحات التي سببها هو بنفسه لهما في أول الليل. وقدَّم لهما مائدة، وتهلل مع جميع بيته إذ كان قد آمن بالله!
ويعوزني الوقت لو تحدَّثت عن متى العشار، وفورية قبوله المسيح، وتحوّله من عشار إلى رسول للمسيح (مت٩: ٩؛ لو٥: ٢٧-٣٢)؛ والمرأة الخاطئة التي ذهبت إلى بيت سمعان الفريسي كسيرة القلب بسبب خطاياها، وخرجت من بيته بعد أن سمعت ثلاث كلمات رائعة من فم من أتى، لا ليدعو أبرارًا، بل خطاةً إلى التوبة، هذه الكلمات هي: ”مغفورة لك خطاياك“. ”إيمانك قد خلَّصك“. ”اذهبي بسلام“(لو٧: ٣٦-٥٠)؛ وزكا العشار (لو١٩: ١-١٠) الذي طلب أن يرى يسوع، فأعطاه الرب لا ما طلبه فقط، بل أكثر جدًا مما طلب أو افتكر، إذ دخل ليمكث في بيته. ولما اعترض الحاضرون قائلين: ”إنه دخل ليبيت عند رجل خاطئ“، كانت إجابة المسيح الرائعة: «اليوم حصل خلاص لهذا البيت» (لو١٩: ٩) ؛ وغيرهم الكثيرون.
إن السؤال الذي علينا أن نسأله: هل الخلاص هو عمل الإنسان، أم عمل الله، أم هو عمل مشترك بين الله والإنسان.
إن أول آية عن الخلاص في الكتاب المقدس هي: «لخلاصك انتظرت يا رب» (تك٤٩: ١٨).
والآية الثانية عن الخلاص في الكتاب المقدس هي: «قفوا وانظروا خلاص الرب… الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون» (خر١٤: ١٣، ١٤).
وأشهر آية في العهد القديم عن الخلاص هي: «التفتوا إلي واخلصوا يا جميع أقاصي الأرض، لأني أنا الله وليس آخر» (إش٤٥: ٢٢).
فهل هذه الآيات تفيد أن الخلاص عمل بشري، أو حتى هو عمل مشترك بيننا وبين الله، أم أنه من ألِفه إلى يائه هو عمل الله؟
سأذكر في حديث لاحق دور المؤمن في أن يتمِّم خلاصه بخوف ورعدة، ولكن الآن إلى مزيد من الآيات التي تُوَضِّح أن العمل في بدايته هو عمل الله الصرف، وبهذا يتبرر المؤمن، ويخلص إلى الأبد.
«وأما الذي لا يعمل، ولكن يؤمن بالذي يبرر الفاجر، فإيمانه يحسب له برًا» (رو٤: ٥).
«ولكن الكل من الله، الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح، وأعطانا خدمة المصالحة» (٢كو٥: ١٨).
«لأنكم بالنعمة مخلصون، بالإيمان، وذلك ليس منكم، هو عطية الله. ليس من أعمال كي لا يفتخر أحد» (أف٢: ٨، ٩).
«الله الذي خلصنا ودعانا دعوة مقدسة، لا بمقتضى أعمالنا، بل بمقتضى القصد والنعمة التي أعطيت لنا في المسيح قبل الأزمنة الأزلية، وإنما أُظهرت بظهور مخلِّصنا يسوع المسيح، الذي أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل» (٢تي١: ٨-١٠).
«حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه، لا بأعمال في بر عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلَّصنا، بغُسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس» (تي٣: ٤، ٥).
وكلمة الله تحوي المزيد منها.
فإذا كان الخلاص هو عمل الله، فهل الله يحتاج إلى وقت ليعمل أعماله؟ أم أن أعماله تفوق إدراك العقول؟
ماذا قال الرب لشاول وهو في طريقه إلى دمشق؟ قال: «أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ. وَلَكِنْ قُمْ وَقِفْ عَلَى رِجْلَيْكَ لأَنِّي لِهَذَا ظَهَرْتُ لَكَ لأَنْتَخِبَكَ خَادِماً وَشَاهِداً بِمَا رَأَيْتَ وَبِمَا سَأَظْهَرُ لَكَ بِهِ، مُنْقِذاً إِيَّاكَ مِنَ الشَّعْبِ وَمِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ أَنَا الآنَ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِمْ، لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ وَمِنْ سُلْطَانِ الشَّيْطَانِ إِلَى اللهِ حَتَّى يَنَالُوا بِالإِيمَانِ بِي غُفْرَانَ الْخَطَايَا وَنَصِيباً مَعَ الْمُقَدَّسِينَ» (أع٢٦: ١٥-١٨).
في الآيات السابقة (ولا سيما الآية ١٨) يُشَبِّه الرب الخلاص بتفتيح العيون. وإننا نتساءل هل في قدرة أحد إعطاء البصر لشخص ولد أعمى؟ محال. لكن هذا هو عمل الرب (إش٣٥: ٤، ٥؛ مز١٤٦: ٨). فكم استغرق الرب لإعطاء البصر لشخص وُلِد أعمى؟ اسمع شهادة شخص وُلد أعمى، قال: «إنسان يُقَال له يسوع، صنع طينًا، طلى عينيَّ، وقال لي: اذهب إلى بركة سلوام واغتسل. فمضيت واغتسلت فأبصرت» (يو٩: ١١). هكذا بكل بساطة.
ويُشَبَّه الخلاص أيضًا بالرجوع من الظلمات إلى النور. هذا أيضًا عمل الله من البداية، وبمجرَّد أمْرٍ خرج منه: «ليكن نور، فكان نور» (تك١: ٣). ويطبِّق الرسول بولس هذا الأمر على خلاص المؤمنين فيقول: «لأن الله الذي قال أن يشرق نور من ظلمة، هو الذي أشرق في قلوبنا، لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح» (٢كو٤: ٦).
ويُشَبَّه الخلاص أيضًا بالرجوع من سلطان الشيطان إلى الله. ومن يمكنه أن يحرِّر من هذا القوي المُذِلّ للبشر سوى الله؟ قال المسيح: «إن كنت بأصبع الله أخرج الشياطين، فقد أقبل عليكم ملكوت الله» (لو١١: ٢٠). والمسيح فعل ذلك كثيرًا لما كان هنا على الأرض. كان إنسان يسكنه لجئون من الشياطين، التقاه المسيح، وبكلمة واحدة تحوَّل المجنون إلى إنسان عاقل، وابتدأ يكرز في العشر المدن كم صنع به يسوع (انظر مر٥: ١-٢٠). وآخَر كان الروح النجس يصرعه منذ صباه، فقال المسيح للروح النجس: ”اخرج منه ولا تدخله أيضًا“ (مر٩: ٢٥). هكذا خلاص المسيح، هو خلاص فوري وأبدي!
وللحديث بقية.