فرح رغم الظروف

الاخ انور داود

Anwar Daoud | Facebook

في وقت أصبحت فيه العبوسة هي السمة الغالبة، الدائمة، يجئ التحريض المسيحي “افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضا افرحوا”!

 إن لسان حال الكثيرين اليوم “من يرينا خيرا؟”، لكن يكمل صاحب المزمور “ارفع علينا نور وجهك يارب. جعلت سرورًا في قلبي أعظم من سرورهم. إذ كثرت حنطتهم وخمرهم (مسببات الفرح العادية)” (مزمور4: 7،6).

الفرح المسيحي هو الفرح المرتبط بالرب يسوع المسيح، الفرح المبني على أسس وقواعد ثابتة لا تتزعزع، حتى وإن تزعزعت الدنيا. الفرح الذي لا يعتمد على الظروف. إنه فرح في كل الظروف وهو فرح رغم الظروف، حيث يقول نبي الله داود: “إن نزل عليّ جيش لا يخاف قلبي. إن قامت عليّ حرب ففي ذلك أنا مطمئن…” لماذا؟ لأنني ببساطة ارتبطت بالرب! واحتميت فيه “الرب نوري وخلاصي ممن أخاف؟ الرب حصن حياتي ممن ارتعب؟” (مز27: 1، 3).

وقد اختبر حبقوق هذا النوع من الفرح، فرغم انقطاع كل الموارد الطبيعية والمنطقية للفرح، إلا أنه يكتب “فمع أنه لا يزهر التين ولا يكون حمل في الكروم يكذب عمل الزيتونة والحقول لا تصنع طعامًا ينقطع الغنم من الحظيرة ولا بقر في المزاود. فإني ابتهج بالرب وأفرح بإله خلاصي!” (حبقوق3: 16)، لماذا؟ يجيب عن هذا الرسول بطرس “ملقين كل همكم عليه (على الله) لأنه هو (الله) يعتني بكم” (رسالة بطرس الأولى5: 7)!  ويكتب الرسول بولس “افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضا افرحوا! لا تهتموا (سارق الفرح) بشئ (أي لا تجعلوا كل شئ همًا)، بل في كل شئ بالصلاة والدعاء مع الشكر لتعلم طلباتكم لدى الله وسلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع” (فيلبي4: 4-7)، حقا ما أروع هذا!

وقد يتسائل القارئ العزيز: “أين استطيع أن أجد مثل هذا الفرح؟”

إن هذا الفرح هو في الرب، وإذا كنت -عزيزي القارئ- ترغب في أن تتمتع بمثل هذا الفرح، فعليك أن ترتبط بمصدره! إنه فرح من نصيب أولئك الذين وضعوا ثقتهم في المخلص، فآمنوا بالرب يسوع المسيح، بشخصه وبعمله على الصليب!

وإن كان حصول الإنسان على الخلاص بالإيمان يضمن له الكثير من البركات مثل الغفران والسلام، كما حصل مع المرأة الخاطئة (الإنجيل بحسب لوقا 7: 47-50)، حيث قال الرب لها: ” إيمانك قد خلصك. اذهبي بسلام!”، والفرح  كما حدث للخصي الحبشي الذي “ذهب في طريقه فرحًا”، حافظ السجن الذي يسجل عنه الوحي «وتهلَّل مع جميع بيته إذ كان قد آمن بالله» (سفر أعمال الرسل 8: 39 و16: 34). كيف لا والشخص قد تخلَّص من أعظم ثقل وأعظم مصدر للحزن! ألا وهو الخطية وفي نفس الوقت ضمن مستقبله الأبدي في المسيح!

والفرح في الاختبار المسيحي له طابع  خاص، ليس من حيث النوع فقط، وإنما أيضًا، من حيث مسبباته التي لا تتغير، لأنها مرتبطة بالرب الذي لا يتغير، فالمسيحي الحقيقي يفرح بكلمة الرب (إرميا15: 16) ويفرح في الرب (رسالة فيلبي4: 4)، ويفرح بحضور الرب (إنجيل يوحنا20: 20)، ويفرح لأن اسمه مكتوب في سفر الحياة (إنجيل لوقا10: 20)، ويفرح لأجل خلاص النفوس (إنجيل يوحنا4: 36)، ويفرح لأجل عمل الرب ونتائجه (سفر الأعمال11:  23).

والبعيد عن الرب مسببات أفراحه غير دائمة، مثل فرح الغنى الذي يمكن أن  يضيع في لحظة! الصحة والشباب وكل شئ أيضا غير مضمون، وأذكرك عزيزي القارئ بالرجل الغني الذي أخصبت كورته ففكر … وقال … أهدم … وأبني … وأجمع هناك جميع غلاتي وخيراتي وأقول لنفسي …. استريحي وكلي واشربي وافرحي! فقال له الله: يا غبي هذه الليلة تطلب نفسك منك. فهذه التي أعددتها لمن تكون؟” لذلك يقول الكتاب المقدس: “فرح الفاجر إلى لحظة ولو بلغ السموات طوله ومسّ رأسه السحاب” (سفر أيوب20: 6،5)، “ليس سلام قال إلهي للأشرار” (إشعياء57: 21)، وأيضا “لأنه حينما يقولون: سلام وأمان يفاجئهم هلاك بغتة كالمخاض للحبلى فلا ينجون” (الرسالة إلى تسالونيكي 5: 3).

والعالم بكل مدنيته وتقدمه، يعجز عن أن يعطي الإنسان فرحًا حقيقيًا ثابتًا، لأن هذا الفرح لا يأتي إلا من العلاقة الصحيحة بالرب، والشركة معه، هذه الشركة تُنتج فرحًا كاملاً (رسالة يوحنا الأولى1: 4)، فرحًا خاصًا لا يعرفه إلا من تذوقه واختبره. فرح لا يعرفه العالم ولا يقدر أن يعطيه لأنه ببساطة لا يمتلكه!

كذلك الشركة مع المؤمنين هيّ مصد آخر للفرح، إذ لهم نفس الأفكار والمحبة والأغراض، سواء في علاقاتهم الفردية أو العلاقات الجماعية وحضور الاجتماعات الروحية، حيث الاهتمام المشترك والبنيان والوعظ والتشجيع، وكلها تعطى للمؤمن أفراحًا حقيقية.

ويا ليت القاريء العزيز لا يهمل الشركة مع الرب، ولا مع المؤمنين، مهما كانت المعطلات، فقطعة الفحم لا يمكن أن تحتفظ بحرارتها واشتعالها، إذا هي أخذت من بين قطع الفحم الأخرى والعكس صحيح!

ويحذر الكاتب المسيحي المعروف وارين وريزبي في شرحه لرسالة فيلبي (رسالة الفرح) من أربعة لصوص تسرق من المؤمن فرحه وهي:

الظروف: (فيلبي1: 12)، فالظروف متغيرة وأغلبها خارج سيطرة الإنسان، ورغم الظروف التي مر بها بولس، من سجن واضطهاد وخلاف، فإنه لم ينشغل بسردها، مثلما نحكي نحن عن الصعوبات التي تعترضنا، بل اكتفي بالقول: عنها أموري (كلها) قد آلت إلى تقدم الإنجيل، فكان فرحًا.

الناس: كثيرًا ما نفقد أفراحنا لسبب الناس، في طباعهم وتصرفاتهم وأقاويلهم، لكن بولس كان رائعًا، رغم أن هناك نوعية من الناس لم تكن ضده فقط، بل أرادوا أن يضيفوا إلى وثقه وثقًا (فيلبي1: 16)، وبالرغم من هذا، قال بولس: بهذا أنا أفرح.

الأشياء والامتيازات: كثيرون يظنون أن السعادة تتحقق بواسطة امتلاك الأشياء، بينما الواقع هو أن الأشياء يمكن أن تسلبنا السعادة الحقيقية التي لها الدوام الحقيقي. فقد قال الرب يسوع “متى كان لأحد كثير … فليست حياته من أمواله” (لوقا12: 15)، وهنا يقول الرسول بولس، بعد أن عدّدّ امتيازاته “لكن ما كان لي ربحا فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة … من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي … وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح وأوجد فيه”  (فيلبي3: 8،7).

الهم والقلق:

 إنه أشر اللصوص على الإطلاق، فهو اللص الذي لا يسرق فقط، بل أيضًا له نتائج عضوية على الجسم. وحتى إن كان الطب يحاول أن يزيل بعض أعراض القلق، إلا أنه لا يعالج السبب. فربما تستطيع أن تشتري “نومًا” بدواء من الصيدلية، لكنك لا تستطيع أن تشتري “راحة البال “. وبولس الذي كان لديه الكثير من مسببات القلق، فقد كان سجينًا سياسيًا يواجه احتمال الإعدام، أصدقاؤه منقسمون في موقفهم تجاه قضيته، لا يوجد هيئة دينية تعضده، لا يوجد هيئة قانونية تدافع عن حقوقه، وبالرغم من كل تلك الصعاب لم يقلق بولس، بل يطلب من المؤمنين ذلك (فيلبي4: 6). وفي هذا يقول الحكيم “الغم في قلب الرجل يحنيه  …… و”كل أيام الحزين شقية، أما طيب القلب فوليمة دائمة” (سفر الأمثال 12: 25 و15:15).

 الظروف والناس والأشياء، جميعها تتغير، فتفرحنا مرة وتحزننا مرات، ولكن الفرح الدائم يوجد في المسيح.

 فهل تمتعت أيها القارئ العزيز بهذا النوع من الفرح؟   إنه في متناول يدك، فهل تمد يدك لتأخذ؟!

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *