هو الاستمرار تحت ثقل وضغط دون تقهقر أو خوار في العزيمة، وهي ذات المعاني لكلمة صبر، وكم نحتاج لكلمة التشجيع على الصبر والاحتمال في زمن كثرت فيه الصعوبات، وتقلَّصت الطاقة على الصبر والمثابرة. فكل واحد منا قد سمحت حكمة الله في حياته ببعض الأثقال التي ينوء تحتهاان كالمُثقل العاني، ويحتاج إلى نعمة تحفظه لئلا يكل أو يخور في نفسه. ومن خلال كلمة الله نجد بعض الأمور التي توصينا كلمة الله باحتمالها:
اولا- احتمال بعضنا بعضًا: فلأننا نعيش مع بشر لهم شخصياتهم وطباعهم المختلفة، فوارد أن يجرحونا بقصد أو بدون قصد ونتألم إزاء جروحهم لنا، لهذا يلزمنا التسلح بنية الاحتمال. يقول الرسول: «محتملين بعضكم بعضًا في المحبة» (أف4: 2). وما من شك أن قارئي العزيز واجه في حياته شخصيات صعبة متعبة، لكن هذه الشخصيات التي لا تروق لنا مطلوب منا أن نصلي لأجلها، ليس ليُغيرهم الرب فقط، بل لكي يُغيرنا نحن أيضًا، فالمشكلة تكمن في أحشائنا الضيقة وليست في شخصياتهم الصعبة. وهذا ما قاله بولس لإخوة كورنثوس: «لستم متضيقين فينا بل متضيقين في أحشائكم» (2كو6: 12). والرب في تدريبه الروحي لنا يستطيع أن يغير الشخصية الانفعالية السريعة الغضب والبطيئة الاحتمال والصبر إلى شخصية حليمة جدًا مثل موسى الذي احتمل إساءات كثيرة (عد12: 12)، فصار يصلح لاحتمال عوائد الشعب ورقابهم الصلبة.
ثانيا- احتمال التجربة: «طوبى للرجل الذي يحتمل التجربة، لأنه إذا تزكى ينال إكليل الحياة الذي وعد به الرب للذين يحبونه» (يع1: 12). ومهما كان ثقل التجربة، هناك المعونة الإلهية لاحتمالها. وبدون هذه المعونة الإلهية لا يصمد أقوى مؤمن أمام أبسط تجربة. وما يساعد المؤمن على الاحتمال أن يطلب حكمة من الله لمعرفة سبب سماحه بها له (يع 1: 5). وعندها سيعرف أنها مهمة لنضجه (يع 1: 4)، ويثق أن وراءها مجدًا، «لأن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبديًا» (2كو4: 17)، فالذين سيلمعون في المجد أكثر، هم من كان نصيبهم في الآلام أكثر وتحملوها بصبر وشكر.
ثالثا-احتمال الظلم: «لأن هذا فضل إن كان أحد من أجل ضمير نحو الله يحتمل أحزانًا متألمًا بالظلم» (1بط2: 19). ويوسف من أبرز هذه الشخصيات التي ظُلمت، ظُلم من إخوته الذين باعوه، وسطر عنه الكتاب أنهم: «آذوا بالقيد رجليه، في الحديد دخلت نفسه» (مز105: 18)، وظُلم من امرأة فوطيفار التي اتهمته زورًا، وظُلم من فوطيفار الذي وضعه في السجن. وكان السجن بكل أتعابه على يوسف أهون من وطأة الشعور بالظلم. لكنه خضع واحتمل، والاحتمال عادة يسبقه تسليم الأمر بين يدي الرب، تشبهًا بالرب نفسه الذي كان يسلم لمن يقضي بعدل. أخي.. ربما يُسلب حقك، ربما تُطلق عليك الشائعات، ربما تتطاول عليك الألسنة دون ذنب. تذكر الرب الذي قيل عنه: «إذ شُتم لم يكن يشتم عوضًا، وإذ تألم لم يكن يُهدد» (1بط2: 23). لقد «ظُلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه. كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه» (إش53: 7). ونحن مدعوون لنتبع خطوات الرب في احتمال الظلم.
رابعا- احتمال مشقات الخدمة: «فاشترك أنت في احتمال المشقات كجندي صالح ليسوع المسيح» (2تي2: 3). خدمة الرب ليست مجالاً للترفيه، لكنها مجال للتعب والتضحية بل ولاحتمال المشقات. وهذا ما قاله الرب للشخص الذي طلب أن يتبعه: «للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه» (مت8: 20). فأراد أن يقول له: قبل أن تضع يدك على المحراث قم بحساب النفقة، فطريق الخدمة هو طريق التضحية حتى بالحقوق الطبيعية والراحة الجسدية. ولنا في بولس الذي أوصى تيموثاوس باحتمال المشقات النموذج والقدوة في ذلك فيقول عن نفسه: «… في الأتعاب أكثر، في الضربات أوفر، في السجون أكثر، في الميتات مرارًا كثيرة، من اليهود خمس مرات قبلت أربعين جلدة إلا واحدة. ثلاث مرات ضُربت بالعصي، مرة رجمت، ثلاث مرات انكسرت بي السفينة، ليلا ونهارا قضيت في العمق. بأسفار مرارًا كثيرة بأخطار سيول، بأخطار لصوص، بأخطار من جنسي، بأخطار من الأمم، بأخطار في المدينة، بأخطار في البرية، بأخطار في البحر، بأخطار من إخوة كذبة. في تعب وكد في أسهار مرارًا كثيرة، في جوع وعطش، في أصوام مرارًا كثيرة، في برد وعري» (2كو11: 23-27). يا مَنْ تخدم الرب: تحمل أتعاب الخدمة ومشقاتها، فسيأتي وقت تُكافأ فيه لا على ثمر الخدمة، بل على تعبها «عالمين أن تعبكم ليس باطلاً في الرب» ( 1كو15: 58 ).
خامسا-احتمال المقاومات والتحديات في طريق الإيمان: «فتفكروا في الذي احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه لئلا تكلوا وتخوروا في نفوسكم» (عب12: 3). لقي الرب مقاومة عنيفة من القادة الدينيين الذين أظهروا كل جفاء وجحود ضده، لقد جربوه مرارًا لكي يشتكوا عليه، وحاولوا أن يصطادوا شيئًا من فمه، ولقد عيروه وتهكموا عليه، وصادروه بشدة، وحاولوا أن يقتلوه. وفي المحاكمة جاءوا بشهود زور ضده، وأمام بيلاطس صرخوا قائلين: اصلبه اصلبه! وعند الصليب كانوا يجدفون عليه. ومن الرومان احتمل كل أنواع الشراسة والعنف حتى قتلوه معلقين إياه على خشبة. لكنه مع كل ذلك صمد ولم تخُرْ عزيمته. وعلينا أن نتفكر في ذلك الشخص الفريد الذي لم يكل ولا انكسر، ونستمر سائرين ضد التيار في مواجهة التحديات.
مشجعات على الاحتمال:
اولا- تفكر في الرب (عب12: 3): إن تفكيرنا في أن الرب سبق ومر في ذات الظروف بل وأصعب وصمد، يجعلنا لا نفشل ولا نخور في نفوسنا.
ثانيا- العلاقة السرية مع الرب: من خلالها تتقوى عزيمتنا الداخلية ونتشدد بالرب إلهنا، فعندما انقلب الكل على داود، حتى رجاله مَنْ أعلنوا ولاءهم له في وقت مطاردته، وقالوا برجمه، بعد حادثة صقلغ، لكنه تشدد بالرب إلهه، وجذور علاقته بالرب المتينة جعلته لا ينكسر.
ثالثا- ملقين كل الهموم عليه: «ملقين كل همكم عليه لأنه هو يعتني بكم» (1بط5: 7). فالرب يحملنا ويحمل أثقالنا ويعتني بنا، لكننا نمتلئ بالسلام عندما نلقي عليه كل حمل بالصلاة.
رابعا- مجيء الرب القريب: «فتأنوا أيها الإخوة إلى مجيء الرب» (يع 5: 8). فما يشجعنا على الصبر والاستمرارية، ويجعل حلمنا معروفًا عند جميع الناس هو قرب مجيء الرب، فلا داعي للتشدد في التمسك بالحقوق أو الحزن على أي شيء خسرناه. حيث في مجيئه لن نأخذ معنا شيئًا، ولن تصحبنا دمعة واحدة ولا مشكلة واحدة ولا احتياجًا واحدًا، بل سنترك الأرض بأتعابها، وليتنا نشعر أن «خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنا» (رو13: 11)، فنتحمل بصبر ما تبقى لنا من ألم في رحلتنا، عالمين أن زمن الضيقة زمن محدود مهما حزنه وليله يسود، ففي الصباح سوف ننظر الحبيب، وسحابة المتاعب تغيب، ودموع الحزن تُنسى والنحيب، وبمجده سنحظى أجمعين. «آمين. تعال أيها الرب يسوع».