رقد أحد خدام الرب، بعد صراع عنيف مع فيروس الكورونا، ولسبب معاناة وأحزان كل أفراد أسرته وأصدقاءه، تسائل الكثيرون: لماذا مرض كل هذه الفترة الطويلة؟! ولماذا لم يَشْفِهِ الرب؟! ولماذا يتجرع ألم مثل هذا، مَنْ خَلُص بدم المسيح، وخدم الرب بأمانة؟!
وقال البعض إن تلك المعاناة لم تكن ضرورية! ثم إننا صلينا من أجل شفاءه، فلماذا لم يستجب الرب؟! وهكذا ملأت الشكوك المُحيرة عقولهم، وابتدأوا يتساءلون: “هل يمكن حقًا الثقة في الله؟”
وتذكرت أن هناك مَن يُنادون بإنجيل “الصحة والغنى والرخاء”، ويقولون إن مشيئة الله لكافة المؤمنين الحقيقين أن يعيشوا في راحة وصحة وغنى، ولا يُعوزهم شيء! وإن الأخبار السارة الكاملة هي أن الرب يسوع قد تمَّم شفاءك على الصليب، عندما أخذ مكانك ومات عن خطاياك، فجعل شفائك متاحًا، وكذلك صحتك وعتقك، وحريتك ونصرتك، وكل احتياجاتك، وما علينا سوى أن نتعلَّم كيف ننالها بالإيمان، كما نلنا خلاصنا الأبدي بالإيمان. إنها متاحة لنا، وهي من حقنا إن كنا نؤمن ونقبل كفارة الرب يسوع عن خطايانا على الصليب.
ألا يبدو هذا جذابًا ومنطقيًا؟ وبما أن الله كلي القدرة ألا يستطيع أن يعتقنا من كل معاناتنا؟ وطالما أنه كلي المحبة ألا يفعل ذلك؟ ألم يمُت المسيح لكي يُنقذنا من كل مرض وفقر وجهالة؟
هناك الكثير ممن يتصارعون مع هذه الأسئلة الهامة، وهم بذلك يمسّون ذات جوهر صفات الله؛ أمانته وقدرته ومحبته وإرادته وسلطانه. هل حقًا يعلِّمنا الكتاب المقدس أننا لسنا بحاجة إلى الضيق أو المرض أو الفقر؟ هل علينا أن نعتبر الله ماكينة صرف أموال، أو آلة بيع كبيرة، لا بد أن تمدنا بالمبلغ المطلوب، أو بالبضاعة المرغوبة: الشفاء، الغنى، التحرير، الأمان، الحرية، التقدم… إلخ، عندما نُعطيه عملة “الإيمان” الصحيحة، مطالبين إياه بحقوقنا؟
بلا شك يستطيع الرب أن يشفي كل مريض، إن كان ذلك قصده. إنه – تبارك اسمه – مُطلْق القوة، لكنه ليس محدودًا بإدراكنا الضعيف عنه، ولا حتى بسعتنا لاستمداد القوة منه. إنه يعمل حسب خطته بما هو الأفضل لكل منا، وبما يؤول لمجده، وبالتالي فهو لا يُعطي نفس قياس الصحة البدنية والحرية لكل واحد فينا، ولا يُعطيها بحسب طاعتنا وإيماننا.
ليس من دليل على أن إيمان بطرس كان أقوى من إيمان يعقوب، إلا أن الله سمح ليعقوب أن يُقتل، في حين تحرَّر بطرس من سجنه بطريقه معجزية (أعمال١٢). لقد كان بولس رجلاً مُمتلئًا إيمانًا إلا أن حياته كانت مُفعمة بالمعاناة من كل نوع (٢كورنثوس١١: ٢٣–٣٠). وكان استفانوس ممتلئًا من الروح القدس، لكن قتله الغوغاء بوحشية مطلقة (أعمال٧: ٥٤-٥٩).
إن إنجيل الرخاء والصحة والغنى يركز على الذات ومتطلباتها، إنه يتوقع من الله أن يُبعد عن حياتنا كل صعوبة، ويجعل حياتنا تسير بكل سهولة ورخاء. أما الإيمان المسيحي الحقيقي فيركز على الله، واثقًا بأنه يستخدم – حتى المصاعب والآلام – لمجده ولخيرنا. وهكذا يُمكننا أن نُقيم مُفارقة بين الإيمان بإنجيل الصحة والغنى والرخاء، وبين الإيمان المسيحي البسيط الحقيقي:
أما إنجيل الصحة والغنى والرخاء فيقول: | أما الإيمان المسيحي البسيط الحقيقي فيقول: |
١. المؤمنون الأتقياء لا يُعانون الآلام، ولا خيبات الآمال. | ١. يستخدم الله آلامنا وخيبات آمالنا ليجعلنا مؤمنين أكثر تقوى. |
٢. الله يريدنا أن نكون سعداء بأي طريقة. | ٢. الله يريد أن يجعلنا قديسين في كل سيرة. |
٣. الله يستجيب الصلوات بالإيجاب دائمًا. | ٣. أحيانا يستجيب الله صلواتنا بقوله: “لا” أو “انتظر”. |
٤. الإيمان يُعيننا دائمًا على فهم ما يفعله الله. | ٤. يُعيننا الإيمان على الثقة والتسليم بسلطان الله المُطلق وصلاحه المؤكَّد، ولو لم نفهم ما يفعله. |
٥. المؤمنون الأتقياء دائمًا أصحاء أقوياء حكماء، وفي رخاء. | ٥. قوتنا هي في اعترافنا بضعفنا «لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ» (٢كورنثوس١٢: ١٠). |
إن الخلاص الكامل المجاني الذي نناله بإيماننا بالإنجيل لا يعدنا بالحصانة ضد الأمراض والحزن والفقر، لكنه يُمكننا بحق أن نقترب إلى نعمة الله، عندما نكون في تلك الظروف الصعبة، لنجدها دائمًا أكثر من كافية لنا، بينما نحن لم نزل نحيا في خليقة تئن وتعاني من آثار الخطية (٢كورنثوس١٢: ٩).
إن عتقنا التام من المعاناة والموت ينتظر مجيء المسيح، حيث سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده، حينئذ لن نكون جزءًا من هذه الخليقة التي تئن، وإلى ذلك الحين نحن بحاجة إلى عَون لكي نعيش لله وسط المعاناة.
حين لا تفهمُ ما يجري صديقي… ثِق وآمن
حين لا تُدرك معنىً للطريق … هو ضامن
ثق بحُبٍّ خالص بلا حُدودِ … في المسيح
من فدى حتمًا سيُعطي كلَّ جودِ … ذا حبيبي يا حبيب