هل يموت الماضي؟

الاخ عماد حنا

 

سؤال كثيراً ما فكرت فيه .. هل أخطاؤنا وخطايانا وحماقاتنا تموت بمرور الزمن .. وسبب تفكيري في هذا السؤال، هو المقارنة بين وضعي الحالي كشخص وظيفته نقل الأخبار السارة التي أتى بها السيد المسيح له كل المجد للناس من خلال الكتابة، والميديا … وبين وضعي السابق كتاجر فاشل أنهى تجارته نهاية مزرية في بلدة صغيرة.

وكلما فكرت في إجابة لهذا السؤال، تكون إجابته هي:

–  لا .. لا يمكن أن يموت الماضي بالنسبة للناس.

وسبب هذه الإجابة القاطعة هو خبرتي في هذا المجال، لأني وعلى امتداد السنوات وانتهاء مشاكلي كتاجر سابق، إلا أني لابد وأن أجد من يذكرني بسنواتي القديمة.

 لقد ظلت هذه السنوات حية بالنسبة للناس، فعندما أرى من كانوا يعرفونني سابقاً، أجد “مصمصة الشفاه، والنظرات الخبيثة“، ولسان حالهم يقول: “الله يرحم أيام زمان“.

وبالفعل ” الله يرحم أيام زمان” بل أستطيع أن أقول إن الله غفر أيام زمان، كما أنه مستعد أن يغفر أيضاً، ويستخدم أيضاً من سبق فأخطأوا. ولكن الإنسان لا ينسى أخطاء غيره ولا يغفر أخطاء غيره، وكأن هذه الأخطاء هي المبرد والمبرر لأخطائه هو.

الإنسان لا يريد أن  يرى يد الله تعمل في الإنسان وتغيره، على الرغم أننا نتغنى بهذا التغيير الإلهي، بل أننا نثق بوجوده، إلا أن لسان حالنا يرفضه. والدليل على هذا أنه طالما أخذت فكرة سلبية عن إنسان إلتصقت به هذه الفكرة العمر كله، مهما عمل الله فيه ومهما غيره.

والدليل على ذلك تلك الشخصيات الكتابية التي أحببناها في الكتاب المقدس وشهدنا لها بالتغيير ولكن …

لاحظ معي:- 

المرأة السامرية عندما تلاقت مع الرب يسوع عند البئر تغيرت، وراحت تجري فرحة تخبر أناس بالخبر السار، ولكن بعد فترة استكثر الناس عليها هذا الشرف فقالوا للمرأة “إِنَّنَا لَسْنَا بَعْدُ بِسَبَبِ كَلاَمِكِ نُؤْمِنُ، لأَنَّنَا نَحْنُ قَدْ سَمِعْنَا وَنَعْلَمُ أَنَّ هذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ الْمَسِيحُ مُخَلِّصُ الْعَالَمِ”، (راجع يوحنا 4: 42)

بولس الرسول، استكثر الناس عليه التغيير فهاجموه في أكثر من موضع، بل لم يزل المفكرون يهاجمونه إلى الآن مشككين في دوافعه وأهدافه ورسوليته.

هل يموت الماضي؟ .. فكرت في حماقات رجال الله في الكتاب المقدس.. وتساءلت.. بماذا تفكر إذا تذكرت داود!! .. هل ستتذكر مزاميره الرائعة؟ .. ربما، هل ستتذكر محبته العميقة لله؟ … يجوز .. هل سيطرأ على ذهنك رغبته العميقة في عمل بيت لله؟ .. وهل ستتذكر انتصاره العظيم على جليات الجبار وهو لم يزل بعد مراهقاً؟ .. أم ستتذكر مواقفه النبيلة التي واجه بها عداوة شاول وتأنيبه لنفسه لمجرد أنه قطع قطعة من ملابس شاول وهو نائم؟ ..

هل ستتذكر بكاءه الحار على شاول ومحاولته إبقاء نسل له من خلال ابن مُعاق؟ .. هل ستتذكر كل هذا؟ .. هل ستتذكر رأي الله فيه إذ جعله مقياس النقاء والعدالة في الملوك جميعا.. وكل ملك كان يقيمه على أساس داود فكان يصف يوشيا مثلا أنه مثل داود أبيه فنفهم أنه كان حسن السيرة .. ويصف منسى بأنه لم يكن مثل داود فنفهم أنه كان شريرا؟.

هل هذا الذي سيجيء في ذهنك؟ ربما.. ولكني في الواقع أعتقد أن الذي سيأتي في ذهنك شيئاً آخر تماما.. ستتذكر فورا خطية الزنى التي اقترفها مع بثشبع التي لأوريا الحثي ..

أكلمك من جديد عن السامرية فأسألك، ماذا تعرف عنها؟  … هل تعرف أنها المبشرة الأولى بيسوع في السامرة أم أنها كانت أمرأة لخمسة رجال؟

ماذا تعرف عن يعقوب أبو الأسباط؟ هل تذكر سعيه الدؤوب لينال البركة.. أم سوف تتذكر التعقب والخديعة والاحتيال؟!

إذا تكلمنا عن المجدلية قلنا أنها بسبعة شياطين، أو بطرس فنقول أنه الذي أنكر المسيح ثلاث مرات .. أما راحاب فهي راحاب الزانية فهل نستطيع أن نميت الماضي؟.!!

&&&

البشر في منتهى القسوة .. إذا أخطأ الابن تعاتبه أمه ليس على الخطأ الذي فعله فقط .. ولكن ربما تعدد أخطاءه منذ أن وُلٍدَ .. وغلطة الشاطر بألف .. فإذا وجدنا شخصاً مشهوداً له بالأمانة والإخلاص .. واكتشفنا خطأ واحداً ربما يقترفه الكثير من الناس لذبحناه .. والمثل المصر القديم يقول “إذا وقع الثور تكثر السكاكين” والمعنى واضح أنه إذ عرفنا خطأً واحداً لشخص  بدأ كل شخص في الاستعداد لذبحه بطريقته.

ولكن شكرا لله الذي إذا غفر نسيَّ .. فيقول ويعد: “أَنَا أَنَا هُوَ الْمَاحِي ذُنُوبَكَ لأَجْلِ نَفْسِي، وَخَطَايَاكَ لاَ أَذْكُرُهَا” (إشعياء43: 25) .. وأيضا ينصحنا ذلك التلميذ الذي كان يسوع يحبه بأننا: “إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ.” (يوحنا الاولى 1: 9)

هل تكلم المسيح عن خطية بطرس بعد غفرانها؟ .. هل تكلم عن زنى داود بعد الغفران؟! .. هل شكك في رسولية بولس؟؟

&&&

أشكر الله لأنه أمين وعادل، وعلى الرغم من حماقاتي الكثيرة إلا أن لي ثقة في أن الله لن يعود ويعاتبني على ما غفره لي من قبل. وأيضاً لي ثقه أنه سيغفر خطاياي المستقبلية، وأيضاً لن يعود يذكرها، إذ هذه وعوده، وهذه أيضاً أمانته.

أما الناس .. الذين لم ينسوا أخطائي القديمة، أو حتى لم يغفروها، رغم طول السنين ورغم التغيير الذي حدث لي بفضل نعمة المسيح … فيمكن أن أقول لهم شيئاً واحداً فقط .. “الذي منكم بلا خطية فليرمني أولا بحجر

  لأن الله هو الوحيد القادر أن يميت الماضي

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *