هل يأتمنك الرب على نفسه؟

“لكِنَّ يَسُوعَ لَمْ يَأْتَمِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ، لأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ الْجَمِيعَ”. (يوحنا 23:2-24)

يقول الكتاب المقدس: “وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى” (عبرانيين 1:11). إذًا الإيمان الحقيقي هو تصديق عقلي وقلبي بأمور لا تراها العين، وثقة بأمور لم تحدث بعد؛ لكن المؤمن يرجوها ويثق بأنها ستحدث.

يحدثنا الوحي في يوحنا 23:2-25 أنه “آمَنَ كَثِيرُونَ بِاسْمِهِ، إِذْ رَأَوْا الآيَاتِ الَّتِي صَنَعَ. لكِنَّ يَسُوعَ لَمْ يَأْتَمِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ”. فهؤلاء استنتجوا أن يسوع هو المسيا المنتظر الذي تكلم عنه الأنبياء من خلال رؤيتهم للمعجزات التي صنعها أمامهم.

هذا الإيمان، في نظر الرب، ليس الإيمان القلبي المطلوب الذي جاء من أجله، الإيمان الذي يخلص النفوس. “لأَنَّ الْقَلْبَ يُؤْمَنُ بِهِ لِلْبِرِّ، وَالْفَمَ يُعْتَرَفُ بِهِ لِلْخَلاَصِ” (رومية 10:10). الإيمان الذي يرتكز على رؤية المعجزات فقط وينتظرها بدون تغيير حقيقي في القلب هو إيمان لا يرضي قلب الرب؛ لذلك لم يأتمنهم الرب على نفسه.

فالإيمان الحقيقي يبدأ باعتراف الإنسان اعترافًا قلبيًا صادقًا بأنه مذنب ومدان ويستحق حكم الموت كما هو مكتوب: “لأن أجرة الخطية هي موت” (رومية 23:6). ولذلك يحتاج إلى من يخلصه من هذا الحكم الواقع عليه، ويحتاج إلى من يصالحه مع الله كما قال أيوب: “لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا” (أيوب 33:9). إذًا، يبدأ الإيمان أولاً عندما تعترف بحالتك ومذنوبيتك تجاه الله، وتقرّ باحتياجك إلى مخلّص، ثم تثق بأن يسوع المسيح هو الشخص الوحيد القادر أن يهبك الخلاص، والملجأ الوحيد لتفادي دينونة الخطية وسيادتها عليك كما قال الرب عن نفسه: “أَنَا هُوَ الْبَابُ. إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ وَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَجِدُ مَرْعًى” (يوحنا 9:10) وأيضًا “أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي” (يوحنا 6:14).

من أجل ذلك – أي من أجل أنه لم يمر هؤلاء الناس بتلك المراحل الثلاث أي الاعتراف والاحتياج والثقة – نجد أن الرب يسوع المسيح لم يصادق على إيمانهم الذي أظهروه، لأنه إيمان قائم على مجرد رؤيتهم لمعجزات صنعها الرب أمامهم. لذلك لم يأتمنهم الرب على نفسه لأنه يعرف الكل، وهو “الرب فاحص القلوب ومختبر الكلى” (إرميا 19:17). لقد أدرك أنهم أتوا إليه من قبيل الفضولية، وكانوا يطلبون شيئًا مدهشًا وخارقًا. لقد كان يعرف الجميع، ويعلم أفكارهم ودوافعهم، واستطاع أن يميز إيمانهم إن كان إيمانًا حقيقيًا أم لا.

ما أبعد الفرق بين هؤلاء الذين لم يأتمنهم الرب على نفسه وبين من ائتمنهم ومكث معهم أثناء وجوده هنا على الأرض! ففي قصة المرأة السامرية مثلاً، نجد أن الرب قد ائتمن أهل قرية “سوخار”على نفسه ومكث عندهم يومين، بالرغم من أن قصة هذه القرية بدأت بامرأة سيئة السمعة. لكن أهل قريتها أعلنوا بأن إيمانهم لم يكن بسبب كلام المرأة، بل فيما يبدو أنهم كانوا في اشتياق لخلاص نفوسهم وقد وجدوا في الرب هذا المخلص الذي صادق على إيمانهم، وائتمنهم على نفسه، ومكث عندهم يومين حسب طلبهم. فالرب لا يعيقه أي نوع من أنواع الخطية، فهو قد جاء من أجل الخطاة والأثمة والمذنبين. لكن الذي يعيق الرب هو القلب غير الصادق… والقلب المرائى  غير الباحث عن خلاص نفسه، والذي لا يبوح بصدق عما بداخله.

وتلميذا عمواس، قد ائتمنهما الرب على نفسه – اللذَان “ألزماه قائلَين: ’امكث معنا لأنه نحو المساء وقد مال النهار‘. فدخل ليمكث معهما” (لوقا 29:24) – رغم أنهما كانا يمشيان عابسين، وليسا فرحَين… غبيين،, وبطيئا القلوب في الإيمان… فلم يمنعه عبس وجهيهما أو غباءهما وبطء قلبيهما في الإيمان… لم يمنعه كل هذا في أن يصادق على إيمانهما ويمنحهما ثقته ويأتمنهما ويمكث عندهما.

وزكا أيضًا، رغم كل عيوبه – إذ كان رئيسًا للعشارين – وكونه سارقًا وظالمًا وخائنًا لبني وطنه، إلا أن الرب قبله وائتمنه على نفسه ومكث عنده. “فَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى الْمَكَانِ، نَظَرَ إِلَى فَوْقُ فَرَآهُ، وَقَالَ لَهُ: ’يَا زَكَّا، أَسْرِعْ وَانْزِلْ، لأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَمْكُثَ الْيَوْمَ فِي بَيْتِكَ” (لوقا 5:19).

والأعداد الواردة في يوحنا 1 ترينا الأساس الذي يؤهل الإنسان لكي يدخل دائرة هؤلاء الذين يأتمنهم الرب على نفسه أو يثق فيهم. وهذا الأساس هو الولادة من فوق أي من الماء والروح. فالاعتراف بخطيتنا، وقبولنا الرب يسوع مخلصًا لحياتنا، والإيمان به وباسمه هو المعنى الذي أعطاه الوحي الإلهي للولادة من الله “وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ” (يوحنا 12:1-13). بعدئذ يقبلنا الروح القدس مسكنًا يحلّ فيه، “أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟” (1كورنثوس 16:3)، ويمكث معنا إلى الأبد “وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّيًا آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ، رُوحُ الْحَقِّ…” (يوحنا 16:14-17).

والآن عزيزي القارئ، هل ترى الآن كيف يمكن أن يأتمنك المسيح على نفسه؟

السبب الوحيد الذي يجعل يسوع يدخل قلبك ويغير حياتك ويمكث معك هو عندما تؤمن بقدرته على خلاص نفسك وإنقاذها وإخراجها من أي مستوى انحدرت إليه. يأتي إليك عندما تعلن ذلك صراحة من كل قلبك وتصرخ إليه طالبًا التوبة والغفران فيمد إليك يد العون. فمهما كانت خطيتك، ومهما كان بعدك عنه فإنهما لا يمثلان أبدًا أي حائل بالنسبة إليه، واعلم أنه واقف على باب قلبك يقرع لكي تفتح له.

لقد صدّق المسيح كلام لصٍّ كان مصلوبًا إلى جانبه، ووعده بأنه سيكون معه في الفردوس. كانت توبته من القلب وحقيقية!

والمسيح، لم تمنعه الخطية من أن يمكث مع عشارين وزناة ولصوص. لكنه رفض إيمانًا مزيفًا من أناس كان كل همهم هو رؤية المعجزات… فرغم أن هذا الشعب في أورشليم قد استوعب أن يسوع هذا هو المسيا المنتظر إلا أن الرب لم يأتمنهم على نفسه لأنهم لم يقروا بأنه المخلص القادر أن يمنحهم الخلاص والغفران على جميع خطاياهم، فلا هم أتوا إليه للتوبة ولا هو رضي أن يمكث معهم.

عزيزى القارئ، أتمنى ألا يكون إيمانك بالرب المسيح إيمانًا عقلانيًا فقط، وتقف عند هذا الحد كغالبية المسيحيين الذين هم مسيحيون بالاسم فقط! إنها لحقيقة مرعبة أقدّمها لكل من يُدعى باسم المسيح وهي:

أولاً: قد تؤمن بالرب يسوع المسيح أنه ابن الله.

ثانيًا: قد تكون ممن يصلون ليلاً ونهارًا صلوات مكررة ومحفوظة، لكنها لا تمّثل الحالة التي أنت عليها.

ثالثًا: قد تكون ممن يصنعون خيرًا كثيرًا بغرض إرضاء الله الذي تؤمن به. كل هذه أشياء رائعة، ولكن هل تعرف بماذا تُشبَّه؟ تشبَّه بإنسان عرف بأنه يوجد نبع ماء متدفّق، فصدق وذهب ليرى هذا الينبوع… بل ربما وقف ليشهد جماله وروعته، لكنه للأسف لم يسعَ لكي يشرب ويرتوي منه. نسي أن يقر بعطشه واحتياجه لهذا الماء… هل أنت مثل هؤلاء الذين يعرفون المسيح ويؤمنون به، لكنهم وللأسف، حتى الآن لم يطلبوه مخلّصًا شخصيًا لهم… لم ينالوا الخلاص… ولم يولدوا الميلاد الثاني… ولم تُكتب أسماؤهم في سفر الحياة.

أخي، أختي… الفرصة ما زالت متاحة… فتقدم وخذ ملء حفنتيك واشرب من هذا الماء الحي… من النبع المقدّم إليك مجانًا كما قال الرب نفسه: “’إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ‘” (يوحنا 37:7).

https://bit.ly/3Luklvu

3 thoughts on “هل يأتمنك الرب على نفسه؟”

  1. تلميذ للرب يسوع

    امين ربنا يباركم ويبارك جهودكم لنشر محبة وخلاص الرب يسوع

  2. يا رب محبتك عظيمة اذ خلصتنا احسبني ثقة وغيرني بحسب ما يحسن في عينيك

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *