تنظيم الدولة الإسلامية يقرر التوقف عن الصلاة لأن الله لم ينصرهم في الموصل
أصدرت الهيئة الشرعيّة لما تبقّى من ”تنظيم الدولة الإسلامية“ في ما تبقى من العراق والشام أمرًا لجميع عناصرها بالتوقّف عن الصلاة بشكل فوري، احتجاجاً على عدم نصرة الله لهم في معركة الموصل.
ويرى مفتي التنظيم، أن الله سدد للتنظيم طعنةً في الظهر، لقد تجاهل لعناتنا ودعاءنا على أعدائه من الروافض والصليبيين، ولم يلتفت لقرابين الاستشهاديين الذين ضحوا بحياتهم لإعلاء كلمته، وفضّل نصر أولئك الكفار علينا نحن المجاهدين، بدلاً من أن يَهِبنا النصر عليهم ويعطينا نساءهم وغلمانهم ونقودهم فوق ذلك”.
ويضيف “رغم الظروف الصعبة التي عانيناها، والتي كانت أكثر صعوبة من تلك التي عانى منها الرسول في معركة بدر، لم يرسل الله لنا ملائكة لتوفير تغطية جويّة ولا طيور أبابيل لقصف الأعداء بحجارة من سجيل. لقد تركنا بلا دفاع جوي ولا مدفعية طويلة المدى، ولم يدعمنا ولو بالتشويش على اتصالات الأعداء، فأصبحنا لقمةً سائغةً لهم”.
ويشير أبو قحاطة إلى أن عناصر التنظيم سيحافظون على التعاليم الأساسيّة من سبي وجهاد وغنائم وإقامة حدود “سنكتفي هذه المرّة بتوجيه رسالة احتجاج عن طريق مقاطعة الأمور الجانبيّة مثل الصلاة والصدقة ومساعدة الأيتام وإماطة الأذى عن الطريق. وفي حال عدم استجابته، سنكون مضطرين للعثور على طرق أخرى للحصول على النساء وسيارات الدفع الرباعي وخمر الجنّة، غير الجهاد في سبيل إله لا يستجيب لدعائنا”.
أليس هذا يعكس شيئًا عما يحدث منا في الكنائس وبين المؤمنين وقد يحدث من الخدام أيضًا عندما يقول لك شخص وبكل صراحة “أنا صعبان عليَّ من ربنا” وإذا درسنا الموقف سنجد أنه كان عشمان أنه يشغل ربنا عنده لخدمة مصالحه وتحقيق أغراضه (وهذه هي الطفولة في حد ذاتها)، وهو بهذا يصادق على شكوى إبليس ضد الإنسان بصفة عامة وأيوب بصفة خاصة أن البشر مرتزقة يعبدون الله لغرض من وراء عبادته إذا انتفى الغرض توقف البشر عن عبادته وبحسب تعبير الشيطان ربما أخذوا الموقف النقيض بأنهم يجدفون على الله (راجع أيوب 1: 11؛ 2: 5) وهذا ما يسمى العثرة في معاملات الله بمعنى أننا نُحبَط وربما نُصدم بسبب بعض معاملات الرب معنا، قد تجد الشخص المتعثر من معاملات الله ابتدأ يعزف عن الخدمة وحضور الاجتماعات وقد يعزف عن الصلاة الفردية وقراءة كلمة الله.
ومن أمثلة أسباب هذه العثرة
اولا – عدم تدخله لإنقاذِنا: مع أننا نعلم أنه يَقدر والأمر لن يُكلفَه أكثر من كلمة “هو أمَرَ فصار”، وبكلمة منه يُخرج من وجه الضيق إلى رحبٍ لا حصرَ فيه. هذا النوع من العثرة نراه عندما أرسل يوحنا المعمدان من السجن إلى الرب سائلاً: “أنت هو الآتي أم ننتظر آخرَ؟” كأنه يقول: طالما أنت الآتي فبإمكانك أن تعمل شيئًا لإخراجي من السجن، وإن لم تتدخل فهل ننتظر شخصًا يأتي بعدك نتوقع منه الخلاص؟ وما يؤخذ على يوحنا أنه سبق وشهد عن الرب أنه الآتي “يأتي بعدي مَنْ هو أقوى مني”، لكنه تحت ضغط السجن شكَّ.
لهذا كان ردُّ الرب عمليًا نفهم منه أنه يقدر حتى أنه في ذات الوقت الذي أرسل فيه يوحنا الرسولين بالرسالة، قام الرب بعمل آيات أظهر بها قدرتَه وقال للمرسَلَيْن: اذهبا قولا ليوحنا ما رأيتما، ما يوضِّح أنني قادر على أن أجعلَ “العمي يبصرون والعرج يمشون والبرص يُطهرون والصم يَسمعون والموتى يقومون والمساكين يُبشرون، وطوبى لمن لا يعثر فيَّ” (متى 11 :2-5).
لقد كان من الصعب على هذا الرجل الذي اعتاد حياة البرية أن يُسجن، فبلاشك كانت الضغوط الجسدية والنفسية عليه شديدة، أضف على ذلك صعوبة السجن؛ لهذا أرسل رسالة عتاب للرب أوضح من خلالها أنه مصدوم من تأخره للتدخل لإنقاذه؛ فعثر في الرب عندما لم يفهم فكرَهُ، والرب من خلال ردِّهِ على رسالته أوضح له أنه يَقدر؛ فالذي طهَّر الأبرص يقدر أن يُخرجه من السجن ولو بطريقة مُعجزية مثلما عمِل مع بطرس في وقت لاحق، لكن الرب تركه في السجن لأنه لحكمة يفعل، حكمة كاملة حتى لو لم نفهمْها. ليتنا نتذكر دائمًا هذه العبارة “طوبى لمن لا يعثر فيَّ”. فكم نمجد الله عندما نثق فيه ونؤمن به (بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه) وعلى الناحية الأخرى كم نهين الله عندما ننسب إليه عدم الحنان وعدم الحب واللامبالاة بخاصته.
ثانيا – عطايا الرب للأشرار وشعور المؤمن بالحرمان: وهذه العثرة سقط فيها أفاضل مثل آساف وإرميا وأيوب:
– ففي مزمور 73 غار آساف من الأشرار حتى في موتهم.
– وقال إرميا: لماذا تُنجِح طريق الأشرار؟ فكان ردُّ الرب “إن جريت مع المشاة فأتعبوك فكيف تُباري الخيل، إن كنت مُنبطحًا في أرض السلام فكيف تعمل في كبرياء الأردن” (إرميا 12: 1-5). وكأن الرب يقول له: إذا كنت لم تفهمْ حكمتي من وراء هذا الأمر البسيط وهو نجاح الأشرار، فكيف تفهم حكمتي من وراء الأمور الأخرى؟
– وأيوب قال: “لماذا تحيا الأشرار… ومَنْ هو القدير حتى نعبدَه، وماذا ننتفع إن التمسناه؟” (أيوب 21: 7-14).
– ومن مزمور 73 نجد الرد على هذه العثرة، وهو أن المؤمن يُجرَّب لكن في ذات الوقت له سندة يد الرب “أمسكت بيدي اليمنى”. فالأشرار إن لم يتجاوبوا مع معاملات لطف الله فنهايتهم مُرَّة “انتبهتُ إلى آخرتهم… كيف صاروا للخراب بغتة، اضمحلوا، فنَوا…” (مزمور 73 :17-19). والأشرار لهم خير، لكنها مُعاملات لطف الله ليقتادهم إلى التوبة “أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته، غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة؟” (رومية 2 :4) ولكننا لا ننسى أن الذي أزال العثرة من أمام آساف هو دخوله المقادس، فياليت يكون هذا مكاننا بمجرد أن تأتينا أي عثرة ، حتى يتسنى لنا رؤية الأمور بمنظور الله الصحيح.
أما عن الحرمان، فلا يجب أن ننسى أن الغرضَ منه هو تدريب الإيمان.
ثالثا – الأمراض: يوجد مَنْ يُنادون بإنجيل الصحة الذي يقول إن المؤمن لا يمرض، مع أن بولس نفسه الذي كانت تؤخذ من على جسده مآزر لشفاء المرضى، كان في جسده شوكة؛ وتيموثاوس كانت عنده أسقام كثيرة، فخلف الأمراض توجد تدريبات إلهية.
بعض خدام الرب يتعرضون للحرمان أو الأمراض وضغط الاحتياج والضيقات ويتعثرون في خدمتهم، فهذه الأمور قد تسبب ارتباكًا للخادم، وفي مثل هذه الحالات يظن الخادم لو أن الرب أراحه من هذه الأمور لصارت خدمته أعظم وحياته أفضل، وينسى أن ذلك جزء من تدريبات الله للخادم لأجل الخدمة ذاتها.
بولس الرسول هو أروع مثال لإناء استخدمه الله على مدار التاريخ المسيحي كله، فلقد قال عنه الرب لحنانيَّا: “هذا لي إناء مختار ليحمل اسمي أمام أمم وملوك وبني إسرائيل، لأني سأريه كم ينبغي أن يتألمَ من أجل اسمي” (أعمال 9 :15-16).
وبالألم يكتسب الخادم خبرة روحية يشارك بها إخوته المتألمين، فعندما يعزِّي المؤمن حزانى آخرين يكون هذا من رصيد تعزية سبق وأخذه من الرب وقت حزنه “الذي يعزينا في كل ضيقتنا، حتى نستطيع أن نعزيَ الذين هم في كل ضيقة، بالتعزية التي نتعزى نحن بها من الله” (2كورنثوس 1 :4).
يريد الله للخادم أن يختبرَ ولو قليلاً حياة المسيح، الذي قيل عنه: “لأنه في ما هو قد تألم مجربًا، يقدر أن يعينَ المجربين” (عبرانيين 2 :18)، فعندما نشجع أحد المؤمنين في ظروف سبق وأن عبرنا فيها، فنحن نشارك ونتكلم من واقع اختبارنا، فإذا كان الأمر يستوجب البكاء نبكي مع الباكي، وإذا استوجب الأمر الصلاة بلجاجة نصلي معه… إلخ. فكل جرعة ألم نتألم بها نُحَصِّل اختبارات من خلالها ونحن نتألم، فتكون رصيدًا من الخبرة لحساب المخدومين في أثناء خدمتنا لهم.
عزيزي الخادم، لا يقصد الرب تفشيلك ولا تعطيلك ولا إنهاء خدمتك. وهو لا ينكر تعبك؛ بل ثق أنه يبغي خيرك الروحي، وثق أنه يقصد صقل خدمتك حتى ولو من خلال بوتقة الألم.
ليتنا بعد هذه المشجعات نقوم من سباتنا وفشلنا ونواصل خدمتنا بذات القوة والحماس اللذين ابتدأنا بهما، بل وأكثر.
رابعا – الضيقات وتوقع الاضطهادات: هذا ما قاله الرب للتلاميذ قبل الصليب مباشرة في يوحنا 16 بكل تفصيل للمواقف التى قد تحدث لهم “قد كلمتكم بهذا لكي لا تعثروا” (يوحنا 16: 1)، وفي نهاية الأصحاح قال لهم: “قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيَّ سلام، في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم” (يوحنا 16: 33)، فعندما يحدث ما هو متوقَّع لماذا العثرة إذًا؟
خامسا – التأني في إجابات الله لصلواتنا: فلسبب علمنا أنه يسمع ويقدر وأنه يتداخل في ظروف غيرنا فلماذا لا يتداخل في ظروفنا نحن؟ ونتخيل أن الرب يُقَدِّر البعض عن البعض الآخر، مع أن كلمة الله تُخبرنا أن “الرب صالح للكل ومراحمه على كل أعماله” (مزمور 145 :9)، ونسينا أنه عندما يتداخل فهو يتداخل بطريقته في توقيته.
في بعض المرات لا يُجيب، وهذا رحمة بنا، للدرجة التي معها قال أحدهم إننا أمام كرسي المسيح سنشكره لأجل الطلبات التى لم يُجب عنها أكثر من شكرنا له لأجل الطلبات التي أجاب عنها.
لسبب هذه الأمور الخمسة التي ذكرناها يشككنا العدو في محبة الرب وصلاحه، فدائمًا ما تُثار هذه الأسئلة: لماذا أنا بالذات؟ لماذا عندي هذا الاحتياج، الحرمان، المرض…؟ هل الله يسمع لي؟ هل الله يشعر بي؟ هل الله يهمه أمري؟ هل يعبأ بظروفي؟ وما هذا كله إلا نوع من شكايات إبليس عن الله لدى ضمائرنا. فإذا كانت شكايته عنا لدى الله مرفوضة، فإن شكايته عن الله لدى ضمائرنا – للأسف – كثيرًا ما تُقبل.
لذلك في ختام هذا المقال دعونا نُجيب عن السؤال: كيف لا نعثُر في الله؟
ونجيب: عندما نثق في حكمته التي لا تخطئ، عندما نثق أن مواقيتَه مستقيمة “لأني أعين ميعادًا، أنا بالمستقيمات أقضي” (مزمور 75: 2)، عندما نثق في محبته التي ظهرت في الصليب ومن خلال مواقف حية معنا في الماضي؛ فمهما نواجه من عواصف أو مواقف لا نشك قط فيه “إن كان الله معنا فمن علينا”، و”معنا” تعني أنه لنا وفي صفنا.
عندما يكون لنا الإيمان في أن اللهَ يجعل كلَّ الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبونه (رومية 8 :28)، فحتى الأشياء التي تبدو في ظاهرها أنها لضررنا سنتيقن أنها لخيرنا، والأمور التي لم نفهمْ قصدَ الله من ورائها سنثق في حكمته التي من ورائها، وكل أموره، التي لا يُجاوِب عنها، حتى عندما لا يُجاوب وعندما لا نفهم، فنحن نثق فيه.
إذًا علينا بالتسليم والخضوع لله مع الثقة فيه والانتظار له، مع الوضع في الاعتبار أن محاولةَ الفهم واستيعاب كلَّ حكمته وطرقه ربما تكون غير مجدية. عن ذلك يكتب الرسول بولس: “يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه، ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء! لأنْ مَنْ عرف فكر الرب أو مَنْ صار له مشيرًا؟ أو مَنْ سبق فأعطاه، فيُكافأ؟” (رومية 11 :33- 35) فالله غير مُلزَم بأن يعطيَ تفسيرًا لكل ما يعمله، ربما لا نفهم الآن، لكننا سنفهم فيما بعد، كما قال الرب لبطرس (يوحنا 13 :7).
فمهما امتدت يدُهُ لنا بكأس ألم، سنظل نثق فيه. فذات اليد التي ثُقبت لأجلنا في الصليب، لن تُقدِّم إلا الخير والجود.