أومن بقيامة المسيح بالجسد من الأموات، لأن القيامة هي القوة الاختبارية المحيية في حياتي.
هل حياتي الروحية متوقّفة على عمل الروح القدس؟ نعم. والروح القدس لم يوهب للكنيسة إلا بعد قيامة المسيح من الأموات، لأن قيامة المسيح هي دليل قبول ذبيحته الكفارية. وعطية الروح القدس هي جواب السماء على هذا القبول.
إن من يقرأ الأصحاح 6 من رسالة رومية يدرك ويتشبَّع يقينًا أن قيامة المسيح هي روح الحياة الجديدة وهي القوة الغالبة التي تكسر شوكة الخطية وتميتها. “كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِمَجْدِ الآبِ، هكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ… عَالِمِينَ أَنَّ الْمَسِيحَ بَعْدَمَا أُقِيمَ مِنَ الأَمْوَاتِ لاَ يَمُوتُ أَيْضًا. لاَ يَسُودُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ بَعْدُ… كَذلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا احْسِبُوا أَنْفُسَكُمْ أَمْوَاتًا عَنِ الْخَطِيَّةِ، وَلكِنْ أَحْيَاءً ِللهِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.”
وإذا تصفحنا الأصحاح الثالث من رسالة كولوسي، نرى أن القيامة هي القوة الرافعة للمؤمن من وهدة المادة إلى حياة العلى. “فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ الْمَسِيحِ فَاطْلُبُوا مَا فَوْقُ، حَيْثُ الْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اللهِ. اهْتَمُّوا بِمَا فَوْقُ… فَأَمِيتُوا أَعْضَاءَكُمُ…” وإذا درسنا خاتمة الأصحاح 15 من الرسالة الأولى إلى كورنثوس، وجدنا أن قيامة المسيح هي ترياق الفشل والملل في الحياة. “إِذًا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ، كُونُوا رَاسِخِينَ، غَيْرَ مُتَزَعْزِعِينَ، مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، عَالِمِينَ أَنَّ تَعَبَكُمْ لَيْسَ بَاطِلاً فِي الرَّبِّ.” وإذا أمعنّا النظر في غرّة رسالة بطرس الرسول الأولى، اتضح لنا أن قيامة المسيح هي مفتاح باب الرجاء الحي. “مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي حَسَبَ رَحْمَتِهِ الْكَثِيرَةِ وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مِنَ الأَمْوَاتِ.” فالمسيحية إذًا هي حجر الزاوية في هيكل المسيحية.
أومن بقيامة المسيح من الأموات، لأن عليها يتوقّف إيماني بلاهوت المسيح. هذه هي الحقيقة التي بها يستهل بولس رسالته إلى رومية فيقول عن المسيح: “تَعَيَّنَ ابْنَ اللهِ بِقُوَّةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ الْقَدَاسَةِ، بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ.” (رومية 4:1)
إن كل مرة أشار فيها المسيح إلى موته أعقبها بحديث قيامته: “ينبغي أن ابن الإنسان يتألم كثيرًا… ويُقتل، وفي اليوم الثالث يقوم.” (لوقا 22:9) “هكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ، وَهكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ.” (لوقا 46:24)
إذا كان المسيح إلهًا، فهو صادق. وإذا كان صادقًا فمن المحتم أن يقوم كما قال. وإذا كان إلهًا متجسدًا لا يرى جسده فسادًا. فلو لم يكن قد قام، لكن من المحتم أن يقوم في اليوم الثالث. هكذا شهد توما بعد أن رأى السيد المقام فقال: “ربي وإلهي.”
أنا أؤمن بقيامة المسيح بالجسد، لأنها هي النتيجة الطبيعية لحياته المنزّهة عن كل خطأ.
إن الموت ضربة الفناء على كل من له حظ في هذا الوجود. لأن حياتنا التي نحياها على الأرض، منسوجة خيوطها من أكفان العدم، فهي في حقيقتها موت بطيء. هذا حقّ الله علينا، بل هذه أجرة الخطية تفرضها علينا أقساطًا، فندفعها دفعة واحدة، جزية مضاعفة بالموت، بل هذه ثمرة برّية هذا الوجود، وقد انتزعت منها شجرة الحياة.
لم تكن كذلك حياة المسيح فهو الوحيد الذي لم يعرف خطية، ولم تعرف الخطية لنفسها بابًا. فهو الحياة، الذي كانت حياته – ولا تزال – منبع الحياة، وغذاء الحياة، وحياة الحياة. لذلك كان من المحتم أن تنتهي حياته بالقيامة، التي هي ملء الحياة وتاج الحياة.
من تراب خُلق كل ذي جسد، وإلى التراب الذي منه نشأ ينبغي أن يعود. فكل ذي جسد طبيعي ينحدر إلى الأرض التي أُخذ منها، وإليها يعود، بعد أن يتِمّ رسالته. لأن ثقله النوعي يهبط به إلى أمه الأرض التي صُوِّر منها. أما المسيح فإن مجد سموّه الممتاز، قد سما به إلى أعلى عليين.
سهم من النور، ألقته السماء من كنانتها إلى الأرض لينير البصائر والأبصار، فأتمّ رسالته، وإلى كنانته في السماء قد عاد.
“كلمة الله” ألقاه إلى الأرض، ليحمل رسالته إلى العالمين، فأتمّ رسالته، وإلى الله في السماء قد عاد.
“الحق” خرج من لدن “الحق” ليقضي على البطل، فاشتبك به الباطل في معركة حامية، انتهى دورها بصلب الحق على صليب الهوان. وسرعان ما خُذل البطل وارتدّت سهامه إلى صدره، فظفر “الحق” وقام، وإلى “الحق” الذي اشتق منه قد عاد.
أنا أومن بقيامة المسيح بالجسد من الأموات، لأنه إن لم يكن قد قام بالجسد فهو إذًا لم يقم على الإطلاق. أما قول المتعاصرين إنه لم يقم بالجسد بل قام بالروح، فهذا تمويه يريدون أن يستروا به وجوههم من الخجل، بل هو تقهقر منهم بغير انتظام.
فيا من تنكرون الحقائق المادية التي تشهد لقيامة المسيح الجسدية، من يصدقكم إذا قدّمتم ألف برهان وبرهان على أنه قام بالروح؟ أليست القيامة الروحية سرًّا في ضمير الغيب؟ فمن أدرانا. ربما كل إنسان قام بالروح! ألم يذكر الكتاب أن اللص التائب قام بالروح وذهب إلى الفردوس يوم صلبه؟
فإلى الذين يسمّون أنفسهم عصريين، سواء أكانوا علمانيين أم مرسلين، إليكم نسوق الحديث بكل محبة وصراحة في ختام هذا المقال. كونوا أيها السادة منطقيين إذا أردتم أن تكونوا عصريين. أنتم تقولون إن المسيح صُلب وقام. فإما أن يكون قد صُلب بالروح فقط فلم تُدقّ المسامير في جسمه بل في روحه، ومن ثم يكون قد قام بالروح فقط، أو أن يكون الصلب قد تناول الجسد ومن ثم تكون القيامة قد تناولت هذا الجسد عينه الذي صُلب به. فإما أن تقولوا إن المسيح عاش على الأرض بالروح فقط، ووعظ بالروح، وأكل بالروح، وصُلب بالروح ثم قام بالروح فقط – عندئذ يفهم الناس حقيقتكم، أو أن تقولوا إن المسيح عاش على الأرض بجسده، وتألم بهذا الجسد، ودُفن بهذا الجسد ثم قام بهذا الجسد عينه.
كونوا منصفين إذا أردتم أن نقول عنكم أنكم عصريون. وواجب الإنصاف يقضي عليكم أن تقبلوا الإنجيل كله أو أن ترفضوه كله. فإذا داخَلَكم الشك في شهادة المسيح ورسله عن القيامة فما بالكم تتمسّحون بالمسيح وتعاليمه والرسل ومبادئهم. ويا من تكذّبون الرسل من يصدقكم أنتم؟
كونوا صريحين إذا كان يلذّ لكم أن تكونوا عصريين. وقولوا للناس جميعًا أن لا رجاء لكم في قيامة موتاكم، ولا في قيامتكم أنتم. لأنه إذا عزّ على رب الحياة أن يقوم فمن المستحيل على أبناء الموت أن يقوموا. قولوا بملء أفواهكم إن القبر هو نهاية كل شيء. وأنكم ما جئتمونا لكي تكونوا مرسلين أو مبشرين أو معلمين، بل لتقدّموا لنا صورة جديدة من أحفاد الأبيقوريين الذين يقولون: “لنأكل ونشرب لأننا غدًا نموت.”